محكمة “إسرائيلية” أسهمت في تحويل معتقل “سديه تيمان” إلى “غوانتنامو”!
“المدارنت”..
ناقشت “محكمة العدل العليا”، الأسبوع الماضي، التماسًا تقدمت به جمعية حقوق المواطن ومنظمات حقوقية أخرى، طالبت بإغلاق معسكر “سديه تيمان”، كمركز لاحتجاز معتقلي حركة “حماس”، وذلك لأنه لا يُدار بموجب القانون الخاص، “حبس مقاتلين غير قانونيين”، الذي أُعِدّ خصيصًا للمقاتلين الذين ينتمون إلى تنظيمات إرهابية.
ويحدد القانون شروط الاعتقال وحقوق المعتقل والرقابة القضائية الدورية ولا يسمح، في أيٍّ من بنوده، بإدخال جسم اسطوانيّ الشكل، ربما عصًا أو قضيب حديديّ، وربما عضو تناسلي كبير جدًا في مؤخـرة أحد المعتقليـن.
ترأس النقاش القائم بأعمال رئيس محكمة العليا، عوزي فوغلمان، وجلس في مقاعد الجمهور أولئك الذين وُصفوا بأنهم عائلات المخطوفين. لكن، كما بيّنت المحامية ليعاد فيرتسهايزر في برنامج غاي زوهر الممتاز “من الجانب الآخر”، فقد تمت دعوة الجمهور لحضور الجلسة عبر إعلانات كبيرة الحجم نشرتها منظمات يمينية مثل “بتسِلمو”، “إم ترتسو” و”الحركة من أجل الحوكمة”، بهدف صريح هو تشويش مجرى الجلسة.
عندما حالت الصرخات من الجمهور دون مواصلة النقاش، أعلن القائم بأعمال الرئيس عن استراحة، قال لدى انتهائها: “المحكمة في دولة “إسرائيل” (كيان الإرهاب الصهيوني في فلسطين المحتلة) تعمل وفق القانون حتى في زمن الحرب أيضًا والمحكمة لن تسمح للمتظاهرين بإحباط المداولات القضائية”.
في كتابه “المحاكمة”، يكتب كافكا: “يعيش (ك) في دولة قانون، والسلام يعمّ في كل مكان، جميع القوانين نافذة المفعول”. لكن هذا لم يُسعف “ك) الذي يُذبَح في نهاية الكتاب.
بعد السابع من تشرين الأول، تمّ تحويل قاعدة “سديه تيمان” العسكرية إلى مركز اعتقال وتحقيق خاص بـ”مقاتلين غير شرعيين، مقاتلين ينتمون إلى تنظيمات إرهابية ولا يستحقون التمتع بمكانة أسرى الحرب”.
غالبية معتقلي “سديه تيمان” مدنيّون
معظم المعتقلين في “سديه تيمان” هم أشخاص تم اعتقالهم في أعقاب الاقتحام البري لقطاع غزة، عدد قليل منهم هم مسلحون، وغالبيتهم هم سكان مدنيون من قطاع غزة، تمّ اعتقالهم بصورة عشوائية وإجبارهم على التعرّي تمامًا، باستثناء ملابسهم الداخلية، ربما استعدادًا لحفلة الجنس التي كانت في انتظارهم في “سديه تيمان”.
جرى التحقيق معهم حول مدى ضلوعهم في أحداث 7 تشرين الأول، ومن أجل الكشف عمّا إذا كانت بجوزتهم أيّ معلومات حول أماكن المخطوفين، أو حول الأماكن التي يختبئ فيها قادة حماس. في أيامه الجيدة، وكذلك في أيامه السيئة للغاية، كان في “سديه تيمان” آلاف المعتقلين، بينما في اليوم الذي جرت فيه المداولات في المحكمة العليا كان فيه 30 معتقلًا فقط.
تنكيل واغتصاب معتقلين فلسطينيّين
المعتقل الذي كان ضحية للتنكيل، حسب الادعاءات، لم يشارك في المذبحة في 7 تشرين الأول. لم يكن عضوًا في “قوة النخبة”. تم تعريفه في السجلات بأنه “م. ف. جباليا”، شخص من مخيم جباليا. ظنّ بعض جنود الاحتياط أنه هو قائد سريّة جباليا، أو ربما قائد جباليا ذاتها، ولذلك طلبوا من أفراد الشرطة العسكرية، الذين كانوا مسؤولين عن حياته وسلامته، أن أعطونا إيّاه لنلعب به. وبما أن لوط كان في إجازة في ذلك اليوم، فقد أخرَجوه لهم ولعبوا به.
لكنّ هذا لم يمنع محامي الدفاع عن رجال سدوم من التحليق بخيالهم.
وقال أحدهم عن الشخص الذي أدخلوا الجسم إياه في مؤخرته “إنه مع أكثر قدر من الدم في يديه. لقد علّم مخربين كيفية الاغتصاب، إنه جدير بالموت، يجب أن يُقطَع له، بالتعذيب، قطعة من جسمه كل يوم”.
جاي بيلغ، الذي يتفوق على كثيرين من المراسلين العسكريين ذوي الأقدمية، والذي عُرِضت النتائج التي خلص إليها في برنامج “من الجانب الآخر” أيضًا، اكتشف أن الحديث يجري عن شرطي سابق في جهاز حماس، في دائرة محاربة المخدرات. تم اعتقاله، على ما يبدو، بغية الكشف عمّا إذا كانت بحوزته معلومات حيوية حول المخطوفين أو مخابئ القادة الكبار في حماس.
محاولة إخفاء سجن “سديه تيمان”
بمساعدة المحاكم، اختفى “سديه تيمان” من خارطة القضاء والوعي في “إسرائيل”. مثلما اختفى “الخط الأخضر” من الخرائط، كذلك اختفى “سديه تيمان” أيضًا، وكُتب في مكانه: “لا يوجد مكان كهذا”.
أصبح معسكر “سديه تيمان” أشبه بـ”سدوم مصغّرة” لأن القضاء “الإسرائيلي” (الإرهابي الصهيوني) قد تخلى عنه. بعد 7 تشرين الأول ببضعة أيام، قدم “هموكيد ـ مركز الدفاع عن حقوق الفرد” التماسًا إلى المحكمة العليا طالب فيها، باسم عائلتين من غزة، بالحصول على معلومات عن أبنائها المُحتجَزين لدى الجيش “الإسرائيلي” (الإرهابي الصهيوني). صدر قرار المحكمة في 31-10-2023، وقد كتبه القاضي نوعام سولبرغ، فمهّد الطريق أمام الالتماسات التي أتت بعده وتم رفضها كلها.
في مستهل قرار حكمه القضائي، يكتب القاضي سولبرغ: “في هذه الأيام الرهيبة التي تشن فيها دولة إسرائيل حربًا قاسية ضد الراغبين في تدميرها من تنظيم حماس الذي يحكم في قطاع غزة، والذي أرسل قَتَلَته ومعهم عدد كبير من الرعاع المتعطش للدماء في صباح يوم 7-10-2023، (عيد بهجة التوراة) لتدمير ولقتل ولإهلاك الأطفال والكهول، الرُّضَّع والنساء”.
لستَ في حاجة لأن تكون الفائز بمسابقة التوراة كي تكتشف أن ما يختبئ تحت هذا المقطع وخلفه هو سِفر إستِر وهامان الشرير: (بكلّ ما أمر به هامان) تدمير وقتل وإهلاك كلّ اليهود من الفتى حتى الكهل والرضّع والنساء في يوم واحد.
“إسرائيل” أنشأت “غوانتنامو” الخاص بها
ما جاء بعد هذا الاستهلال، في قرار الحكم القضائي، كان متوقَّعًا تمامًا. فقانون حبس المقاتلين غير الشرعيين لم يُذكَر بتاتًا، والحق في إبلاغ العائلات بمصير الأب أو الابن اللذين اختفت آثارهما خلال المعارك في غزة، هو حق للعائلات ذاتها فقط وليس حقًا لمنظمات حقوق الإنسان وعليه، فلتتفضل العائلات من غزة وتأتي بنفسها إلى المحكمة العليا، بسيارة أجرة أو بدبابة، لكي يقدمن الالتماس. لكن القاضي سولبرغ لا يتعهد للعائلات ذاتها أيضًا بزويدها بأي جواب، لأنّ الإبلاغ عن مكان وجود مخرب ما هو منّة يصنعها الجيش وفقًا لاعتباراته هو فحسب وفي هذه الأيام بالذات، المنّة هي وحلٌ لشرطي فلسطيني من قسم المخدرات.
وقد تم رفض التماسات أخرى مشابهة لأسباب مماثلة. عندما ترغب المحكمة العليا في ذلك، فهي تتحلى بالمرونة وتتهرب من اتخاذ قرار، مثل هوديني بنفسه. عدم استنفاد الإجراءات، عدم توفر تفاصيل كافية، عدم توفر توكيل رسمي مُوقَّع. هذه جزء قليل فقط من الألاعيب التي تُخلّص المحكمة العليا من هذا المأزق.
لقد حلت أمريكا هذا الموضوع بنقل معتقلي 11 أيلول إلى غوانتنامو، الموجودة خارج منطقة نفوذ وسلطة المحاكم في الولايات المتحدة. وقد أنشأت “إسرائيل”، معتقل “غوانتنامو”، الخاص بها في “سديه تيمان” داخل حدود “إسرائيل”، على بعد خمسة كيلومترات عن بئر السبع. بمساعدة المحاكم، اختفى “سديه تيمان” من خارطة القانون والوعي في “إسرائيل”. وكما اختفى “الخط الأخضر” من الخرائط، كذلك اختفى “سديه تيمان” أيضًا، وكُتب في مكانه “لا يوجد مكان كهذا”.