مدير “تعاونيات لبنان” السابق منير فرغل: هؤلاء سرقوا التعاونيات (جزء 1)
كتب منير زكريا فرغل*
خاص المدارنت”.. قد يعتقد البعض إنني أكتب مذكراتي عن “تعاونيات لبنان”، ولكن أنا أتابع كارثة اغتصاب التعاونيات عنوة من مالكيها المساهمين، الذين يشاهدون بعيونهم يومياً ومنذ سنوات سرقة أموالهم، والاكيد أن مواجهتهم مع المافيا ستبقى مفتوحة وبقوة، الى حين استرداد الحقوق كاملة، وأنا شخصياً سأبقى في مقدمتهم، فهم وثقوا بي وبقدرتي على استثمار أموالهم بأمانة لثلاثة عقود.
بدأت الدولة حملتها لتخريب التعاونيات، ومنعتنا من تنفيذ الاتفاقات التي تنقذ أموال المساهمين، تحرّك التجار لانقاذ اموالهم، وكان وليد شحادة يزعم أنه لبّى كل ما طلبته منه لتوقيع عقد استثمار، وأنني أطلب منه رشوة مالية ضخمة، بهدف تشويه سمعتي، والحقيقة أن شحادة، كلّف وليد ياسين أن يوجّه لي دعوة الى مأدبة عشاء في بلدة عبيه، وهناك عرض عليّ مليون دولار، وأن أكون نائباً لرئيس شركة المخازن، والابقاء على راتبي، مقابل التواطؤ معهم، رفضت العرض، وبعد يومين كرّر لي شحادة العرض نفسه خلال لقائي به في فندق “ماريوت” سابقا في منطقة الجناح.
طلب التجار من حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، عقد اجتماع برئاسته لحلّ الازمة، في حضور ممثلي التجار والمصارف الدائنة، وتوصلنا بعد ساعات طويلة من النقاش، الى اتفاق، يقضي بتوقيع عقد استثمار مع وليد شحادة لمدة 20 سنة، وكان هذا الاتفاق يؤمن للمساهمين مداخيل بقيمة 240 مليون دولار، تمكنهم من إيفاء كل الديون واسترجاع اموالهم، والحصول على أرباح صافية بقيمة 135 مليون دولار. انتهى الاجتماع بتأكيد الجميع على تطبيق هذا الاتفاق في اسرع وقت، ودعا مجلس ادارتنا لجمعية عمومية حضرها 3500 مساهم، وحصل على تفويض قانوني لتوقيعه، ولكن، عندما خرجت من اجتماع مصرف لبنان، كان لديّ شعور عميق بأن شحادة لن ينفذ الاتفاق، فقد خبرته جيداً، فهو معجون بالكذب والتحايل، وبالفعل اتصل بي بعد يومين، وطلب تعديل الاتفاق، وأن تتحمل التعاونيات أعباء فواتير الكهرباء والمحروقات خلافاً لما تم الاتفاق عليه، وقيمة هذه الفواتير مليون دولار سنوياً، فأبلغت حاكم مصرف لبنان وكل الاطراف مباشرة، بانقلاب شحادة على الاتفاق، فلم يحرك أحد ساكناً، ولو كنت انا المنقلب لقامت الدنيا ولم تقعد.
وبعد تعليق وزارة الزراعة صلاحيات مجلس الادارة، وإقالتي بشكل تعسّفي بتواطؤ مع المافيا، بدأ توقيع العقود الجائرة والسرقات وتوزيع الرشاوى والحصص على قوى الفساد، وهذا ما حصل بعد إقالتي:
وقّع سعيد كلش المعيّن كرئيس للجنة الادارية، عقدين مع شحادة لتزويد التعاونيات بالبضائع، مقابل ارباح لشحادة بنسبة 5%، ونهب شحادة 10 ملايين دولار، خلال اربعة شهور كما أعلن الخبير الاقتصادي الدكتور مروان اسكندر في دراسة قدمها الى رئيس الحكومة، كما نهب 7 مليون دولار بشكل مباشر، وقدم كلش تقريرا ماليا يعلن فيه أن قيمة الخسائر بلغت 17 مليون دولار خلال 4 شهور فقط، هذا بعد إقالتي.
وتم التعاقد مع الشركة الامنية التي يملكها رالف لحود، إبن رئيس الجمهورية (إميل لحود) وماجد حمدان بقيمة مليون دولار سنويا ولمدة عشر سنوات. كما تم التعاقد مع شركة إعلانات يملكها إبن نائب بيروتي، كان يشغل منصبا اساسيا في تيار “المستقبل”، قيمته مليون دولار سنوياً، ومفاعيل هذا العقد مستمرة منذ 18 سنة.
وهنا أشير الى أنه يقال ان هذا النائب حصل على حصة ضمنية في شركة المخازن، ويمثله فيها وضاح الصادق، الذي أصبح اليوم من مالكي العقارات في بيروت، واللافت ان وزير الزراعة علي عجاج عبد الله اعلن أن الصادق والمحامي عبد الرزاق ممتاز وسمير دمشقية حصلوا على مبلغ 600 الف دولار من التعاونيات بصورة غير قانونية، وهذا تعبير مهذب. على الرغم من التعاقد مع المحامي ممتاز بأجر قيمته 100 ألف دولار سنوياً.
وأشير الى أن التعاونيات مؤجرة، وليس لديها مشكلات قانونية يومية، ومع ذلك، تم تعيين محام ثاني وهو هيثم العالية بأجر سنوي قيمته 100 ألف دولار، كرشوة لوالده القاضي سمير العالية، حتى يصدر احكاما قاسية ضدنا.
وفي آذار 2001، وقعت اللجنة الادارية وبتواطؤ ممثل الدولة العقد الكارثة مع المخازن الكبرى لمدة 20 سنة، ودفع شحادة كرشوة 800 الف دولار، و250 الف لكلش، و50 الف لكل عضو من اعضاء اللجنة الخمسة، و300 الف لطربيه، ووزع المساهمون صورا عن هذه الشيكات الفضيحة، وهذا العقد باطل قانونيا لعدم موافقة الجمعية العمومية عليه، وأطلق وليد شحادة وشركائه اكاذيب بأن هذا العقد قانوني، لانه هو نفسه عقد منير فرغل كما كانوا يسمونه، ويقصدون العقد الذي تم الاتفاق عليه في مصرف لبنان، والحقيقة أنه عقد مختلف جدا، ويبلغ الفرق بين مداخيل العقدين للمساهمين 180 مليون دولار خلال فترة التعاقد، وهذا العقد مجحف جدا ببنوده.
وعلى الرغم من إجحاف هذا العقد، فقد دعت اللجنة الادارية وممثل الدولة، الى عقد جمعية عمومية لتحويل أعباء الكهرباء عن شحادة وتحميلها للمساهمين، الذين رفضوا الاقتراح، ومندوب الوزارة سجّل رفض الجمعية في محضر رسمي، إلا أن طربيه زوّر المحضر، وسجل موافقتها، وقيمة هذه السرقة اكتر من 20 مليون دولار. وسجّل المساهمون في كتاب وجهوه الى الرئيس سعد الحريري في شهر 12/2009، أن التعاونيات دفعت 4 ملايين دولار أثمان سرقة عقارات تم بيعها بطريقة غير قانونية، كما تمّت عملية سرقة بقيمة ثلاثة ملايين ونصف المليون دولار من مخزون الالبسة والاحذية، تمت تغطيتها بذريعة رفض وليد شحادة استلام هذه البضاعة، وبعد فترة، أنشأ هو وسعيد كلش شركة “أوفرسيس” لبيعها، وكشف المساهمون صورة عن شيك بمائة الف دولار من شحادة لكلش لتكاليف تأسيسها، وتضمن كتاب المسساهمين سرقة 7 ملايين دولار من المخزون السلعي.
اما السرقة الاخطر التي اوردها المساهمون، فهي سرقة مداخيل التعاونيات المسؤول عنها كلش من عقد الاستثمار مع شركة المخازن، وايجارات العقارات التي بلغت في نهاية عام 2009 18 مليون دولار، والتي تضاعفت حتى اليوم لتصبح قيمتها اكثر من 36 مليون، وتم إغلاق 15 فرعا للتعاونية، وتم عرض تجهيزاتها للبيع بمزاد شكلي يكون شحادة هو دائما عارض الشراء الوحيد، وبسعر 5% من قيمتها، ليجهز بها محلات المخازن، وبلغت قيمة هذه السرقة 10 ملايين. كذلك سرقة سبعون مولدا كهربائيا ضخما، ثمنها مليوني دولار، تنازل عنها كلش مجانا لشحادة، ولكن رئيس مجلس الادارة الصوري محمد زعرور رفض التوقيع، الى ان قبض حصّته، فتنازل له كلش كرشوة عن منزله في برج ابي حيدر مجاناً، ودفع له رسوم تسجيله، وانتقل كلش الى بيت افضل اشتراه في تلة الخياط، ثم انتقل الى بيت في منطقة قريبة من “الزيتونة بي”. وأخيراً، استقر كلش في “دوبلكس” ضخم في بناية فخمة في الاشرفية ثمنه عدة ملايين من الدولارات، وهو يتنقل بينه وبين يخته الراسي على شاطئ فندق الموفبيك، حيث يسلمه الجباة ما جمعوه من أموال.
إن ما عرضناه حتى الان، هو قسم فقط من السرقات الرهيبة والمستمرة، إن الرئيس الحريري وبعد كتاب المساهمين الذي نشرته كل وسائل الاعلام، اسرع وعبر كتلته النيابية، وبذل مشكورا جهودا جبارة لاقرار القانون الذي ينصف المساهمين في المجلس النيابي، ومن المدهش انه وفي نفس الوقت، قام مسؤول في تيار “المستقبل” بتصرّف شاذ وغريب، وذلك بتعيين وليد شحادة رئيساً لقطاع رجال الاعمال في التيار ووضاح الصادق في المكتب السياسي، وذلك لتغطية ارتكاباتهم ضد المساهمين البيارتة، الذين يملكون 90% من تعاونيات لبنان،.
وفي نهاية هذا المقال، أود توضيح نقطة هامة، وهي إنني كنت من الداعمين للرئيس الشهيد رفيق الحريري، والذي حدث انني كنت أمام خيارين، الاول ان احافظ على المناصب العالية التي كنت أتولاها، مع امتيازاتها ورغد العيش لي ولعائلتي، ومع تزايد دائم للامتيازات، مقابل ان اكون خصما للرئيس، وأترشح على لائحته الانتخابية عام 2000، واكون مراقباً عليه، والخيار الثاني أن أرفض ما طلب مني، وامتنع عن الغدر، وأحافظ على مبادئي واخلاقي بدعم الرئيس الشهيد وهذا الطريق. كما أعلموني أن طريق العذاب لي ولعائلتي سيكون طويلاً، وهذا ما تعرضت له فعلا.
وألفت النظر، الى أنني كدت أن أستشهد دفاعا عن الرئيس الشهيد، واليوم أعاني وآلاف العائلات البيروتية المساهمة في التعاونيات من ويلات تسلّط فئة فاسدة، تدّعي وبشكل انتهازي انتمائها الى تيار “المستقبل”، وترتكب الانتهاكات المذكورة أعلاه.
وأؤكد إنني لم أجد فرقاَ في تعامل هذه الفئة معي، مقارنة بتعامل الفئة الحاكمة ايام الرئيس لحود، وعلى الرغم من كل ذلك، سنحافظ على مبادئنا بدعم دولة الرئيس الحريري، ونؤيده في معركته الاساسية ضدّ الفساد، متمنين عليه أن يبدأ بتطهير بيته البيروتي، وينقذ التعاونيات البيروتية ومساهميها، بتطبيق نزيه وشفاف للقانون الصادر عن المجلس النيابي، بعيدا عن الصفقات المشبوهة، خصوصاً، وأن قاعدته الشعبية في بيروت، أبقَى وأخلَص له، من قلّة فاسدة امتهنت ظلم الناس ونهبهم.
*مدير “تعاونيات لبنان”السابق