مقالات

من الولاء العقائدي إلى البراغماتية.. مصير الشرع وعبدي!

الشرع

“المدارنت”..
في العام 2016، أعلن (الرئيس السوري) أحمد الشرع، المعروف بأبي محمد الجولاني، فك ارتباط جبهة النصرة بتنظيم “القاعدة”. لم يكن الأمر مجرد تغيير في الاسم، بل محاولة للانتقال من فصيل جهادي عالمي إلى قوة محلية ذات شرعية أوسع. فالبقاء تحت عباءة “القاعدة” بات يعني العزلة والاستهداف، ما دفعه إلى تقديم نفسه كفاعل محلي قادر على التفاوض والمناورة.

اليوم، يواجه مظلوم عبدي موقفا مشابها بعد إعلان عبد الله أوجلان حلّ حزب العمال الكردستاني، ما يمنحه فرصة لإعادة صياغة موقعه في المشهد السوري كقائد محلي، لا مجرد امتداد لصراع إقليمي أوسع. بيان أوجلان، الذي أقر بأن الفيدرالية لم تعد خيارا واقعيا، يمنحه غطاءً سياسيا للتفاوض مع دمشق، دون الخضوع لضغوط صقور التنظيم. لكنها لحظة حساسة، لأنها تعني إعادة هيكلة الدور العسكري والسياسي لـ”قسد” في سياق جديد.
من الفكرة العابرة للحدود إلى المشروع المحلي، كلا الرجلين، الجولاني وعبدي، يواجهان تحديا جوهريا: كيف ينتقلان من مشروع عابر للحدود إلى كيان محلي مستدام؟ الجولاني أدرك أن “الجهاد العالمي” لم يعد ممكنا، وأن عليه تبني خطاب جديد للبقاء، فيما فهم عبدي أن مشروع “كردستان الكبرى” ليس عمليا في الواقع السوري، وأنه بحاجة إلى مقاربة تضمن بقاءه دون إثارة غضب القوى الإقليمية.
لكن هذا التحول ليس مجرد خيار سياسي، بل ضرورة فرضها الواقع. الجولاني، رغم محاولاته تقديم نفسه كقائد محلي، لا يزال يقود قوة عسكرية ذات صبغة إسلامية واضحة، وعليه التعامل مع إرثه “الأيديولوجي”. وفي المقابل، لا يمكن لعبدي أن يحتفظ بقوة عسكرية منفصلة عن أي مشروع وطني سوري، وإلا سيجد نفسه في عزلة مشابهة لتلك التي واجهها الجولاني قبل سنوات.

اللامركزية الإدارية كبديل عن الفيدرالية.
مع استحالة فرض الفيدرالية في سوريا، تبدو اللامركزية الإدارية الحل الأكثر واقعية. الفيدرالية تعني عمليا تفكيك الدولة إلى أقاليم بحكومات محلية مستقلة، وهو نموذج يصعب تطبيقه في سوريا، خاصة مع التعقيدات الديموغرافية والسياسية. أما اللامركزية الإدارية، فتوفر حلاً وسطا، حيث تمنح المناطق صلاحيات موسعة في إدارة شؤونها، دون أن تتحول إلى كيانات مستقلة سياسيا.
هذا النموذج يمكن أن يسمح بدمج القوى العسكرية المحلية في المؤسسات الرسمية للدولة. في هذا السياق، يمكن إعادة تشكيل “قسد” بحيث يتم توزيع عناصرها بين الشرطة المحلية والجيش، وفق نموذج مشابه لما حدث في أماكن أخرى بعد الحروب.
فبدلاً من تفكيكها أو الإبقاء عليها ككيان مستقل، يمكن استيعاب قواتها بشكل تدريجي ضمن الهياكل الأمنية للدولة.
على سبيل المثال، يمكن أن يتم دمج بعض الوحدات ضمن الشرطة المحلية التي تدير الأمن الداخلي في مناطقها، فيما يتم إدخال الوحدات الأكثر احترافية ضمن الجيش السوري، على أن يتم ذلك ضمن اتفاق واضح يضمن عدم استخدام هذه القوات ضد المجتمعات المحلية التي كانت جزءا منها.

إما جيش جديد.. أو استمرار الفوضى
إذا لم تستطع سوريا إنتاج جيش وطني يتجاوز ثنائية “الميليشيا القومية” و”الفصيل الإسلامي”، فستظل ساحة لصراعات لا تنتهي. الحل لا يكمن في تغيير الشعارات، بل في إعادة بناء مؤسسات الدولة، بحيث تستوعب التنوع السوري، دون أن تؤدي إلى التقسيم. اللامركزية الإدارية تقدم إمكانية تحقيق هذا التوازن، حيث تضمن تمكين المجتمعات المحلية من إدارة شؤونها، مع الحفاظ على سلطة مركزية قوية تحمي وحدة البلاد. على سبيل المثال، يمكن أن تحتفظ البلديات بصلاحيات موسعة في مجالات، مثل، إصدار التراخيص للفعاليات الدينية والثقافية، وإدارة الشرطة المحلية بالتنسيق مع وزارة الداخلية، فيما تبقى القرارات السيادية مثل الدفاع والسياسة الخارجية بيد الدولة المركزية.
لكن تحقيق هذا النموذج يتطلب قرارا سياسيا شجاعا، ليس فقط من دمشق، بل أيضا من القوى العسكرية الفاعلة على الأرض. لا يمكن تحقيق الاستقرار إذا استمرت كل قوة محلية في الاحتفاظ بسلاحها واستقلاليتها، لكن لا يمكن أيضًا فرض حل بالقوة دون توافق سياسي يضمن مصالح الجميع.

قرارات اللحظة الحاسمة، فاللحظة الحالية، تفرض قرارات مصيرية على جميع الفاعلين في سوريا، وليس فقط على الجولاني وعبدي. فبينما يحاول الأول إعادة تعريف دوره بعيدا عن “القاعدة”، يحاول الثاني إعادة تموضع قواته بحيث لا تصبح عبئا على مشروعه السياسي.
لكن في النهاية، نجاح أي مشروع في سوريا لن يكون رهين القوة العسكرية وحدها، بل بمدى القدرة على بناء نظام حكم يحقق التوازن بين وحدة الدولة وتمكين المجتمعات المحلية. إذا لم يتمكن الفاعلون الحاليون من اتخاذ القرارات الصعبة الآن، فإنهم قد يجدون أنفسهم عاجلاً أم آجلاً خارج اللعبة، كما حدث لغيرهم من قبل.

المصدر: عهد الهندي/ “القدس العربي”
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى