من “ميدو حليمي” إلى “بلينكن”: لن تصل الرسالة..!
“المدارنت”..
حين استُشهد بقصف “إسرائيلي” يوم 26 آب/ أغسطس الماضي، كان الفتى الفلسطيني ميدو حليمي، ابن الـ19 سنة، نجماً ساطعاً على منصة “تيك توك”، ينقل إلى العالم بأسره مقاطع “فيديو”، مصوّرة بعدسة بدائية أو بهاتف محمول، لكنها ظلت توثق العذابات اليومية للفلسطينيين في سائر أرجاء قطاع غزة، تحت وطأة جرائم حرب الإبادة الإسرائيلية.
ومن “خيمة الحياة”، كما اختار أن يسمّي موقع الـ”واي فاي” الذي كان يبثّ منه، اكتسب حليمي تعاطفاً دولياً واسعاً ونوعياً لأنه التزم الصدقية القصوى في نقل المشهد الناطق، والبساطة الأوضح في نقل الرسالة الجبارة.
وبالأمس اعتقلت الشرطة الأمريكية عشرات من طلاب جامعة منيسوتا أعضاء مجموعة “طلاب من أجل مجتمع ديموقراطي”، متضامنين مع الشعب الفلسطيني ومناهضين لحرب الإبادة الإسرائيلية، بادروا إلى اعتصام مؤقت في واحدة من أبرز مرافق الجامعة، وبدلوا اسمها من “موريل هول” إلى “حليمي هول”، تيمناً بصانع المحتوى الفلسطيني الشهيد.
وإذا كان هذا النشاط يندرج في سياق عشرات التظاهرات والاعتصامات المماثلة في أهدافها التضامنية، فإن التحرك يندرج هذه المرة في سياقات سياسية ورمزية خاصة ترفع الحدث إلى مستوى أعلى دلالة وتأثيراً.
ذلك لأن الواقعة تدحض مزاعم وسائل إعلام أمريكية خاضعة لمجموعات الضغط الإسرائيلية حول انحسار موجات التضامن مع الشعب الفلسطيني وإدانة جرائم الحرب الإسرائيلية، فتعيد تأكيد الحيوية المتزايدة لأشكال الأنشطة وتبرز المزيد من التنويعات في مضامينها، فلا تقتصر على إبراز مظاهر القتل والتدمير والتجويع والتهجير فقط، وإنما تتماهى مع لقطة الفيديو الإنسانية الأبسط والأشد تأثيراً في آن معاً.
وحين قُصفت “خيمة الحياة”، كانت أجهزة جيش الاحتلال الإسرائيلي تدرك جيداً أن تدوينات الفتى ميدو حليمي تحظى بملايين المتابعات وإعادة التدوين، وتوجب بالتالي إخراس هذا الصوت واغتيال الصارخ به.
والواقعة تأتي على أعتاب زيارة جديدة يقوم بها وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى دولة الاحتلال ومحطات أخرى في المنطقة، تحت شعار إجراء “مناقشات مكثفة حول أهمية إنهاء الحرب في غزة، وإعادة الرهائن إلى عائلاتهم، وتخفيف معاناة الشعب الفلسطيني”.
وهذه بالطبع سوف تكون زيارة بلينكن رقم 11 إلى المنطقة منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 تحت الأهداف المعلنة ذاتها، مع فارق جوهري ظل يشير إلى أن الأهداف غير المعلنة والفعلية بقيت على حالها لجهة مساندة حرب الإبادة الإسرائيلية واستمرار تزويد دولة الاحتلال بالأسلحة الفتاكة ومليارات الدولارات والتغطية الديبلوماسية في مجلس الأمن الدولي.
وأخيراً وليس آخراً، يأتي تحرّك طلاب منيسوتا قبل 15 يوماً على الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حيث تشير جميع استطلاعات الرأي إلى أن حرب الإبادة الإسرائيلية ضد قطاع غزة تحتل مكانة متقدمة في دوافع الناخبين بصفة عامة، وأنصار الحزب الديمقراطي بصفة خاصة. كذلك تقول الاستبيانات إن التقارب في الأصوات بين المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس والمرشح الجمهوري دونالد ترامب يمكن أن يُلحق الضرر المباشر بالأولى لصالح الثاني، على خلفية المواقف من حرب دولة الاحتلال ضد الفلسطينيين.
رسالة الفتى حليمي إلى الوزير بلينكن يصعب أن تصل بالتالي، فالأول شهيد اليوم والثاني أصمّ أبكم.