نتائج الحوار في موضوع: “الحقوق والحريات في سوريا”!
“المدارنت”..
مشروع حوارات السوريين/ المرحلة الثالثة
الموضوع الرابع: الحقوق والحريات في سوريا
تمهيد
“الحقوق والحريات في سورية القادمة” هو الموضوع الرابع من مواضيع المرحلة الثالثة من برنامج حوارات السوريين الذي أطلقه مركز حرمون للدراسات المعاصرة منتصف العام 2021. وكانت مرحلته الثالثة قد بدأت في أيلول/ سبتمبر من العام 2023، وتُدار بالتعاون مع مجموعة من الشخصيات الفكرية والثقافية.
يندر أن تغيب الحقوق والحريات عن أحاديث السوريين، وطالما صدحت بها حناجر المتظاهرين، وترددت عباراتها في مؤتمرات ووثائق ومناقشات وكتابات السوريين، والجميع يدّعي حضورها في قناعاته وثقافته، وفي رؤيته لسورية الجديدة. لكن سرعان ما يتضح، في أي نقاش جدي، أن الناس غير موحّدين في رؤيتهم لها، وفهمهم لمعانيها وأبعادها، وهذا ينطبق على النخب مثلما ينطبق على الآخرين. أما أسباب هذه الخلافات فتعود إلى اختلاف الثقافات التي ينتمي إليها الناس، حيث تشكّل الأديان والأيديولوجيات والعادات والتقاليد والأعراف عمودَها الفقري.
نوقش موضوع الحقوق والحريات في ثلاث جلسات، شارك فيها 25 متحاورًا من مختلف التيارات والتوجهات الرئيسة في سورية، ومن مختلف الانتماءات والاختصاصات:
- الجلسة الأولى عقدت في 15 شباط/ فبراير 2024، بمشاركة سبعة متحاورين.
- الجلسة الثانية عقدت في 22 شباط/ فبراير 2024، بمشاركة ثمانية متحاورين.
- الجلسة الثالثة عقدت في 29 شباط/ فبراير 2024، بمشاركة عشرة متحاورين.
مخرجات الحوار
برزت في الجلسات الثلاث أربعة اتجاهات رئيسة تجاه الحقوق والحريات، تعكس مواقف السوريين وتوجهاتهم وتياراتهم الرئيسة:
الاتجاه الأول: يرى أنه يجدر بالسوريين تبني كامل منظومة الحقوق والحريات التي نصّت عليها الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، وتكريسها دستوريًا وقانونيًا، إذا أرادوا دولة وطنية حديثة متصالحة مع العصر، وقد ساق أصحاب هذا الاتجاه المبررات التالية:
- تقدّم الشرعة الدولية لحقوق الإنسان منظومة متكاملة ومتقدمة من الحقوق والحريات التي يمكن أن يتمتع بها الإنسان، وهي أرقى ما أنتجته البشرية في هذا المجال. ويجدر بالسوريين تبنّي كامل تلك المنظومة، وإيجاد أفضل السبل الآمنة لتكريسها في دستورهم وقوانينهم.
- الفكرة التي تقول إن شرعة حقوق الإنسان مع ملاحقها هي نتاج حضارة مختلفة لا تناسب مجتمعاتنا هي فكرة خاطئة تمامًا، فالشرعة هي خلاصة تراكم حضاري ساهمت فيه جميع الشعوب والحضارات، ومنها الحضارتان العربية والإسلامية.
- لا يمكن ضمان حقوق الأفراد إلا عبر الشرعة الدولية، لأنها متكاملة ولا تميّز بين البشر، في حين لا تتمتع الأيديولوجيات، على تنوعّها، ومن ضمنها الأديان، بهذه المواصفات.
- لا يمكن القبول بفكرة تجزئة الشرعة أو اختزالها، بحجة خصوصية مجتمع ما، لأن هذا سيؤدي إلى تشويهها وتفريغها من مضمونها.
- لا يمكننا دخول العصر وتجاوز حالة التخلّف والفوات إذا استسلمنا للعادات والتقاليد التي الراسخة في مجتمعاتنا بفعل القوى الظلامية من جانب والقوى المستبدة من جانب آخر.
الاتجاه الثاني: يرى أنه يمكن تبني الشرعة العالمية لحقوق الإنسان، كمرجع أساسي للحقوق والحريات في سورية، لكن مع التحفّظ على بعض بنودها، ويبررون رأيهم بالآتي:
- لمجتمعاتنا خصوصية تفرضها ثقافتنا وعاداتنا وديننا، وهي راسخة ولا يمكن القبول بما يتعارض معها.
- هناك دول عديدة لا تتبنى الشرعة بكاملها، وتتحفّظ على بعض بنودها، لتلك الأسباب نفسها.
- يجب أن لا تتعارض نصوص الشرعة مع الدستور، ومع النصوص الدستورية ذات المرجعية الدينية، فعندما ينص الدستور على أن الشريعة الإسلامية مصدر رئيسي من مصادر التشريع، فلا بد من التحفظ على بنود الشرعة التي تتعارض مع هذا النص.
الاتجاه الثالث: يعتبر أن المرجع الأساسي للحقوق والحريات هو الدين الإسلامي، ولا يؤخذ من الشرعة إلا ما هو منسجم مع الدين الإسلامي، ويبررون رأيهم بأن الإسلام أدرى بحقوق الناس وحرياتهم في مجتمعٍ يدين غالبيته بالإسلام.
الاتجاه الرابع: يرفض الشرعة الدولية لحقوق الإنسان بكاملها، ويرى فيها محاولة من الدول الغربية للسيطرة على مجتمعاتنا وتفتيتها، عبر نشر قيم وثقافة لا تناسب مجتمعاتنا، ويتقاطع أصحاب هذا الاتجاه مع أصحاب الاتجاه الثالث، في أن الدين الإسلامي لديه منظومة كافية ووافية لحقوق الإنسان، ولا يحق لنا الابتعاد عنها.
أفكار ومقترحات تساعد في الوصول إلى توافقات
طرح المتحاورون جملة من الأفكار والمقترحات التي يمكن أن تساعد في الوصول إلى توافقات حقيقية بين السوريين، بخصوص الحقوق والحريات، ويفيد التذكير هنا أنها أفكار متفرقة وربما مختلفة ومتعارضة، لكننا ننقلها كما ساقها المشاركون:
- التصادم بين الشرعة ومنظوماتنا الثقافية السائدة ليس عدميًا، ويمكن إيجاد تسويات له دائمًا، وهناك دول ذات أغلبية مسلمة طبّقت قيم المواطنة والعلمانية، وبقيت متصالحة مع ثقافتها، ماليزيا وتركيا نموذجًا.
- توفّر الإرادة السياسية والقوانين المتطورة والحكومة الوطنية الكفؤة يفتح الأبواب أمام التغيير، لأن الناس سرعان ما ستتفهم وتتبع مصالحها.
- يمكن تذليل الصعوبات وتقريب المواقف بين الاتجاهات المختلفة عبر الحوار المنفتح والمصغي والصبور.
- ميّز البعض بين الصعوبات المتعلقة بالعادات والتقاليد وتلك المتعلقة بالدين، ورأوا أن الأولى يمكن تذليلها مع الوقت، وعبر الحوار، خاصة بعد أن يتوقف العنف وتتوقف خطابات الكراهية. أما الثانية فتذليلها أصعب بكثير، ويحتاج إلى وقت أطول بسبب ارتباطها بالمقدس، ومقاومة رجال الدين التقليديين لأي تغيير. لكن ذلك ليس مستحيلًا مع الحوار والوقت، وبمساعدة فقهاء عصريين متنورين.
- حول صعوبة تحديث قوانين الأحوال الشخصية، رأى أغلب المشاركين أن يكون هناك قانون مدني ينظم الأحوال الشخصية، يسري على جميع السوريين، إضافة إلى قوانين الأحوال الشخصية القائمة، ويترك للناس الخيار إلى أيها يلجؤون، وستكون هذه خطوة كبيرة للأمام.
- لا بدّ أن يترافق العمل من أجل تبنّي الشرعة الدولية لحقوق الإنسان وتكريسها، مع التوعية والتثقيف، ونشر ثقافة حقوق الإنسان وتعزيزها، وشرح معاني الشرعة وقيمها، وإيصالها إلى جميع الناس، عن طريق التعليم والإعلام والمؤسسات الثقافية والأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والمنابر الدينية.
- دور رجال الدين التنويريين المنفتحين على العصر، مهم جدًا في مسألة نشر الوعي، ومن الضروري العمل على تعزيز دور هؤلاء ودعمهم للوصول إلى الناس.
- طرح البعض فكرة وجود ضمانات عليا للحقوق والحريات، من مستوى مبادئ فوق دستورية لا يمكن المساس بها، كي لا تبقى الحقوق والحريات عرضة للمصادرة في أي وقت.
- أشار البعض إلى ضرورة تكريس مبدأ دستوري يقضي بسمو الاتفاقات والمعاهدات الدولية على التشريعات الوطنية.
- البعض قال إنه لا يمكن النهوض بمجتمعات مثل المجتمع السوري إلا عبر فرض القوانين بالقوة، فهذه المجتمعات المتشظية والقابلة للتصنيف والتقسيم إلى مالانهاية، والمتخمة بالماورائيات والمقدسات، لن تتفق على أي أمر، ومن هنا تأتي ضرورة فرض القوانين التي تؤسس لمجتمع جديد يعترف بالآخر وبحقوقه، واستشهد هؤلاء بتجربة أتاتورك وتجارب أخرى، كما استشهدوا بدساتير وقوانين سورية تقبلها السوريون، كدستور 1920، رغم أنها كانت سابقة لعصرها، ومتجاوزة لثقافتهم السائدة.
- البعض عارض الرأي السابق (فرض القوانين بالقوة)، ورأى أن الحل الأنسب هو التدرج المدروس للقوانين، والتبني الحذر والمتدرج لأحكام الشرعة الدولية لحقوق الإنسان، خاصة بعد المتغيرات الكبيرة التي حدثت في سورية بسبب الصراع، ويرى أصحاب هذا الرأي أن فرض القوانين المناسبة بالقوة سيلقى مقاومة مجتمعية شديدة، وقد يطلق صدامًا مجتمعيًا عنفيًا يُفضي إلى نتائج معاكسة لما هو مطلوب.
- بخصوص هذا الأمر (طريقة فرض القوانين)، طرح أحد المشاركين فكرة تطبيق القوانين المتصلة بالحقوق والحريات بشكل متفاوت ومتدرج، لكن على أساس المناطق، حيث تختلف المناطق في درجة تقبلها لتلك القوانين. هذه الطريقة ستقدم دليلًا ملموسًا على ضرورة ونجاعة تلك القوانين، ما سيشكل دافعًا مهمًا لقبولها في باقي المناطق.
الخلاصة
عكس الحوار في موضوع الحقوق والحريات إلى حد كبير حالة التشظي الحاصل بين السوريين، نخبًا ومجتمعًا، كما كان عليه الحال في جميع الحوارات السابقة حول كل القضايا الوطنية الخلافية التي يجدر بالسوريين مواجهتها والتحاور حولها. وقد يكون لهذا التشظي مبرراته وأسبابه الموضوعية الكثيرة، إلا أن تجاوزه أصبح ضرورة ملحة، ولا بدّ من المبادرة والعمل الصبور في هذا الاتجاه. ويساعد في نجاح هذا المسعى ثلاثة عوامل رئيسة: الأول هو أن المشتركات بين السوريين كثيرة وكبيرة، ويمكن البناء عليها. والثاني أن جميع السوريين تقريبًا يتحدثون عن الحوار، ويؤمنون بأهميته لكسر الحواجز وتحقيق التوافقات المطلوبة بينهم. والثالث هو أن التقارب والتفاهم قدرُ السوريين جميعًا، إذا أرادوا وطنًا معافى، لأنهم على ظهر مركب واحد، فإما أن ينجو الجميع معًا وإما أن يغرقوا معًا.
============