نحن وأميركا والانتظار..
“المدارنت”..
تؤكد وقائع الأحداث المتتالية في سوريا، والمنطقة العربية، حقيقة عداء السياسة الأميركية، لتطلعات وآمال الشعب السوري في التغيير والوصول إلى دولة المواطنة والعدل والقانون.
وعلى عادة ما جرت عليه السياسة الأميركية منذ الحرب العالمية (الأوروبية) الثانية؛ فإنها تقدم ذاتها على أنها القوة المدافعة عن حقوق الإنسان، الساعية الى نشر وتحقيق الديموقراطية في العالم. متخذة لنفسها صفة الريادة في ما يسمى: العالم الحر“..
ومنذ ذلك التاريخ والسياسة الأميركية العملية في تناقض صارخ وتام مع كل ادعاءاتها النظرية.. ففي كل بلاد العالم عملت وتعمل وفق ثوابتها الأساسية: التحكم بالسياسة والهيمنة على الموارد والاقتصاد وقمع أيّ تحركات شعبية مغايرة تسعى للتحرر والانعتاق من الهيمنة والقهر والاستبداد. فقد نصبت نفسها وقوتها حامية الفساد وأنظمة الاستبداد وقهر الشعوب وكل حكم توتاليتاري ديكتاتوري وراعية حركات ما يسمى بالإرهاب العالمي تنشئها لتستخدمها كواجهات تبرر بها ومن خلال ”مواجهتها” تدخلاتها في شؤون الأمم والشعوب المستهدفة لنهب ثرواتها والتحكم في سياساتها ومنعها من التحرر والتقدم والاستقلال وتقرير المصير..
تلك هي وفق ما تؤكده وتبينه وتثبته وقائع الاحداث في كل يوم، غاية السياسة في العرف الأميركي مما أوصلها لتصبح طليعة الإمبريالية الاستعمارية العالمية..
فيما تستمر في ادعاء دور الوسيط المحايد في الصراعات والحروب والأحداث، مُسخّرة لذلك كل ما تملك من وسائل ومصادر صناعة الرأي العام، وتوجيهه لما تريد وفرض اهتمامات هامشية عليه تبعده عن رؤية خطرها الحقيقي، وتلهيه في مسائل فرعية ثانوية استنزافية. مُسخّرة لذلك إمكانيات هائلة وإعلام شديد الخبث والذكاء والفعالية. تركيز إعلامي متواصل وشديد يسلط الأنوار المبهرة على ساحات الخصوم، وما فيها من مشكلات وتفاصيل، لإبعاد أي اهتمام حقيقي بما تفعله وتمارسه من أدوار تخريبية..
وما سياستها في سوريا، والمنطقة، إلا ترجمة حقيقية لتلك الأهداف الخبيثة القاتلة.. فقد استطاعت خداع قسم لا بأس به من الوطنيين السوريين منذ بداية ”الثورة” السورية، حينما راحت تتحدث عن التغيير والديموقراطية، وتأييدها لمطالب الشعب السوري فيما مواقفها العملية كانت تؤدي الى عكس ذلك تماما، لتتضح مع الوقت رعايتها لخطط تدمير سوريا وتخريب مجتمعها وتقسيمها ومن ثم تقاسمها ونسف وحدتها الوطنية والجغرافية التاريخية وهويتها العربية المستقرة منذ قرون..
أميركا تحارب الشعب السوري، كما كل شعوب المنطقة والعالم: ”من وراء حجاب“.. تصنع أحداثا وتحرك لها ادوات وقوى متنوعة ثم تدعي دور الوسيط او المحايد..
استطاعت بما تملك من قوة ظاهرة وخفية ومن ادوات وامتدادات خفية أم مستترة؛ أن تجهض ثورة الشعب السوري، بأساليب شديدة الخبث والتحايل والحقد أيضا.. ليتبيّن كم أنها تملك من إمكانيات تغيير الواقع وتحقيق انتقال سياسي، ولكنها استخدمت كل امكانياتها وامتداداتها وعلاقاتها بأحزاب وحركات وأجهزة وأنظمة ودول، لمنع الشعب السوري من تحقيق اهداف ثورته الحرة الشريفة النظيفة..
يكفيها إجراما بحق سوريا، وشعبها، وقوفها خلف مشروع تقسيم سوريا، وبناء “كانتون” انفصالي في الجزيرة شرق سوريا، باسم حقوق الاكراد.. ودعم ورعاية تامة للميليشيات الكردية الانفصالية المشبوهة. أما القواعد العسكرية الأميركية، ففي تلك المنطقة حيث النفط والثروات الطبيعية السورية.
ورغم كل الممارسات الإجرامية للنظام السوري، بقيت المواقف الأميركية مُسهّلة لها تمررها، فيما تستمر في خداع الشعب بتسريب معلومات استخباراتية أمنية، تتضمن معلومات من هنا وهناك، تتحدث عن قرب سقوط النظام أو تحقيق الانتقال السياسي المطلوب، وغير ذلك من احداث وتوقعات، وكلها تسريبات تهدف إلى وضع الشعب السوري في قاعة الانتظار للتغيير الموهوم.. ينتظر وينتظر، وفي كل يوم تسريبات جديدة تشوش الأذهان وتقعد الهمم بانتظار الآتي الذي لن يكون في مصلحة الشعب السوري، إذا ما كان عن طريق حلول دولية ترعاها أمريكا..
اأما ما يتعلق بالدور الإيراني في سوريا، فلم يعد خافيا أنه لم يكن ليتم ويتوسع وينجز مهماته التدميرية والتخريبية الكثيرة، من دون تسهيل أميركي، بل رعاية أميركية. ولمن لا يقنعون بهذا، عليهم تذكر ما حصل في العراق الذي احتلته أميركا، وفرضت عليه نظاما للمحاصصة العرقية والمذهبية، وسلمته إلى إيران، لتستكمل تدميره وتخريب مجتمعه من خلال أدواتها المحلية ووجودها المباشر..
ما معنى أن تطرح أميركا، اليوم، ضرورة إنهاء الوجود الإيراني في سوريا، بعد عشر سنوات من إجرام ميليشياتها بحق الشعب السوري؟! أين كانت أميركا، طوال تلك السنوات العشر، وكيف استطاعت إيران، إدخال عشرات آلاف المقاتلين فيما أميركا، ومعها دولة العدو الصهيوني، ساكتتان قابلتان بما تفعله إيران في بلادنا؟!
وهل فعلا تريد إخراج إيران من سوريا؟ أم أنها تريد فقط تحجيم تواجدها العسكري، ليبقى لها دورها السياسي والاجتماعي والثقافي، بما يخدم هدف تفتيت المجتمع السوري وتغذية عصبيات مذهبية مدمرة بين أبنائه؟!
ومثل هذا ينطبق على الوجود الروسي، الذي لم يكن ليتم من دون موافقة ورعاية صهيونية، وبالتالي أميركية، وما معنى غياب أيّ حديث عن إنهاء الوجود الروسي في سوريا؟!
فإذا كانت الولايات المتحدة، هي التي تقود وتغذي حرب الإبادة الشاملة، التي تشنّها دولة العدو الصهيوني على شعب فلسطين؛ فهل تصلح لتصنع حلا دوليا برعايتها من شأنه تحقيق انتقال سياسي في سوريا، نحو حكم وطني ديموقراطي؟!
وإذا كان الضغط الإعلامي الشديد والمتواصل الصهيو/ أميركي؛ قد صوب كل الأنظار ومشاعر الكره والعداء والانتقام نحو الدور الإيراني في سوريا والمنطقة؛ فإنه من الضرورة الوطنية الملحة رؤية المشهد بكل أبعاده وأطرافه ومشاريع وأهداف كل القوى المتداخلة فيه. وعلى فداحة إجرام روسيا وإيران، بحق سوريا وشعبها؛ لا يغيب عن بال أحد الدور الأميركي الأخطر والأفدح الذي سمح ورعى ووجه كل الأطراف المخربة والمعادية لسوريا.. اميركا هي راعية الإرهاب وصاحبة مشروع تقسيم سوريا وتقاسمها دوليا بما يضمن أمن العدو الصهيوني لزمن بعيد..
لا نقول ما نقول لمحاكمة أميركا، فهي ليست في المتناول؛ وإنما لنشدد ونؤكد على موقفنا المبدئي المدرك لطبيعة الدور الوظيفي للنظام السوري؛ والمدرك لحقيقة السياسة الإمبريالية الأميركية، التي تعتبر أمن العدو الصهيوني وتسلطه على المنطقة؛ أولويته المطلقة؛ لنقول إن كل ما يُسمّى حلولًا دولية للقضية السورية، لن تكون إلا على حساب الشعب السوري، ووحدته الوطنية والجغرافية، وهويته العربية وقيمه الإنسانية الحضارية..
أميركا، هي العدو الأكبر لكل تطلعات وآمال الشعب السوري، ولكل تضحياته لتحقيق دولة الحرية والعدالة والمواطنة والمساواة.. وحتى لا يبقى أحد في قاعات الانتظار والأمل الموهوم؛ فإن التغيير المطلوب شعبيا، لن تصنعه إلا قوة الشعب السوري.. فهل تستوعب هذا قواه الوطنية، فتتحالف وتتكامل، وتتحرك لتفرض الشعب السوري، مُعبّرًا وحيدًا عن ثورته العظيمة؟!