هل انطلق قطار التسوية؟
“المدارنت”..
على مدى ساعة ونصف الساعة ناقش الرئيسان الأمريكي دونالد ترامب، والروسي فلاديمير بوتين، هاتفياً آفاق التسوية بين روسيا وأوكرانيا، والتي وصفها ترامب بأنها كانت «جيدة للغاية» و«مثمرة»، ما يعني أن الحرب الأوكرانية دخلت مرحلة جديدة تحمل بوادر المباشرة بتحديد شروط التسوية السياسية التي تمهد لاتفاق على وقف شامل لإطلاق النار، ثم الانتقال إلى الاتفاق على الآليات التي تؤدي إلى تحقيق سلام شامل ودائم بين البلدين يضع حداً لحرب مدمرة استمرت أكثر من ثلاث سنوت.
الاتفاق الذي تم بين ترامب وبوتين على وقف إطلاق نار جزئي لمدة ثلاثين يوماً ستتخلله محادثات بين روسيا وأوكرانيا يوم الأحد المقبل في مدينة جدة السعودية، وذلك في إطار مفاوضات تقنية حول الانتقال إلى وقف شامل لإطلاق النار، وليس مجرد هدنة محدودة تشمل فقط قطاع الطاقة والبنية التحتية، فيما تتواصل المعارك على طول خطوط الجبهة بين الجيشين.
الجانب الأمريكي حدد وفده الذي يشارك في مفوضات جدة ويترأسه وزير الخارجية ماركو روبيو ومستشار الأمن القومي مايك والتز من دون تحديد الوفد المقابل، لكن من المتوقع أن يكون الوفد الروسي برئاسة وزير الخارجية سيرغي لافروف، في حين أبدى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي موافقته على المفاوضات، لكنه طالب واشنطن «بتفاصيل» معينة.
وفيما أبدى المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف تفاؤله بالتوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار كامل، قال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الكرملين إن المحادثات كانت جيدة و«أصبح العالم اليوم بقيادة بوتين وترامب أكثر أماناً»، مضيفاً: «إن الزعيمين يكتبان التاريخ».
وإذا كان ترامب وبوتين يرسمان طريق السلام في أوكرانيا، إلا أن الوصول إلى نهايته شائك وصعب وليس هيناً، لأن تفاصيل القضايا كثيرة ومتشعبة، والشيطان يكمن في التفاصيل كما يقال، خصوصاً أن المطالب الروسية والأوكرانية متعارضة، وأن تقديم التنازلات من جانب أوكرانيا قد تعني الهزيمة العسكرية من جانبها وجانب حلفائها الأوروبيين، وهو أمر لن يتم القبول به بسهولة.
لكن كل حرب تنتهي بمفاوضات ولا بد في نهايتها من تقديم تنازلات للطرف الأقوى، حيث لا قدرة للطرف الأوكراني على تغيير ميزان القوى ميدانياً في المدى المنظور، وفي حال الإصرار على مواصلة الحرب، فإنها سوف تتكبد المزيد من الخسائر وتفقد المزيد من الأرض. كما هي حال القوات الأوكرانية المحاصرة في منطقة كورسك التي عرض عليها الرئيس بوتين يوم الجمعة الماضي، الاستسلام وإلقاء السلاح.
بعض المصادر تتوقع أن تقبل أوكرانيا في نهاية الأمر بالتنازل عن شبه جزيرة القرم والمناطق التي استولت عليها القوات الروسية في حربها الحالية، وإعلان حيادها، وعدم انضمامها إلى حلف الأطلسي، وحصولها على ضمانات أمنية من الولايات المتحدة وتعهد روسي واضح باحترام سلامة الأراضي الأوكرانية وذلك في إطار معاهدة سلام توقع بين البلدين.
كل هذه القضايا نوقشت في المحادثة الهاتفية المطولة بين ترامب وبوتين، وقد أوضح الرئيس الأمريكي بأنه تحدث عن الأرض ومحطات الطاقة وعن تقسيم أصول معينة، أي عن الأراضي التي تطالب بها روسيا ومحطة زابورجيا للطاقة النووية التي تسيطر عليها موسكو، وهي المحطة الأكبر في أوروبا.