مقالات

يحتفل اليمنيون في الفاتح من حزيران/ “يونيو” بعيد “المشاقر”..

د. محمد الحسامي/ اليمن

خاص “المدارنت”..
“المشقر” في مواجهة الرصاصة، والجمال في مواجهة القبح، والرائحة الزكية في مواجهة نتن الحرب”.
يحتفل اليمنيون في كل عام، وفي الفاتح من (حزيران) “يونيو” الجاري، بـ”عيد المشاقر”، الذي أطلقه مجموعة من الناشطين قبل ست سنوات، على رأسهم الباش مهندس/ محمد عبدالله علي،وذلك في الظروف الصعبة التي يمر بها اليمن، من تشظي لحمته الجغرافية والبشرية، وذلك رغبة منهم في توجيه رسالة إنسانية تفوح منها الروائح العطرية لجميع أنواع المشاقر في بلدنا اليمن إلى كل الأطراف المتصارعة والمتحاربة لوقف ذلك التشظي.. إلخ.
حيث تعتبر المشاقر بجميع أنواعها النباتية (النرجس، الكادى، الريحان، الشذاب، الفل.. إلخ) من أهم الموروثات الشعبية في اليمن، حيث تعد.
وكما جاء في الـ”ويكبيديا” (موروث شعبي من تقاليد اليمن، وهو عبارة عن مجموعة نباتات عطرية متنوعة في شكلها ورائحتها، تستخدم للزينة عند النساء والرجال، وترمز إلى القوة والجمال، وقد ذُكر أول تعريف للمشاقر في (المعجم اليمني) لمطهر الإرياني، قال فيه:
«إن المشاقر هي النباتات التي يتخذها الناس لتزيين رؤوسهم، وهي أضاميم الورد والريحان وغيره مما يتشقرون به طلباً للزينة والرائحة الطيبة، ويقوم الرجال المتشقرون بغرز تلك الأغصان في طيات ما يتعممون به من شالات و”سمايط” و”دساميل”، وحتى يغرزون الزهور والنباتات في فتحات كوافي الخيزران، وقوافع “سعف النخل”، وقد تجد شاباً تهامياً غرز “المشقر” في شعره، وثبته بذلك الطوق الفضي المسمى “عكاوة”.
وقد يتشقر البعض بطوق يظهره من أغصان بعض النباتات الطيبة، ويتوج بذلك الطوق رأسه مثل إكليل الغار، ولشدة ميل الناس إلى هذا التزين فقد تجد البائس حاسر الرأس الذي لا عمامة له ولا عكاوة! فيغرز “المشقر” في شعره ويثبته بخيط، ويسير متخايلاً به.
كما كانت النسوة تتشقرن بوضع تلك الأضاميم من الزهر والأغصان من الريحان بجانب خدودهن، بحيث تبدو ظاهرة خلال ما يضعنه على رؤوسهن من “خُمُر”. كما تستخدم نباتات المشاقر في صناعة العطور، فقد ابتكر اليمنيون قديمًا، عطور وبخور ومرطبات للجسم من أزهارها وبذورها وأوراقها الجافة.
حيث (تعد المشاقر العطر التقليدي للمرأة اليمنية، ورمز للخير والبركة، وفي الموروث الشعبي هناك معتقد أن للمشاقر قدرة على طرد الأرواح الشريرة، كما أنها رمز للحب والعاطفة والرحمة والرزق، ويُعد جبل صبر في اليمن موطن المشاقر الأصلي، فيما تضم البلاد اليمنية نحو 1200 نوع من النباتات العطرية، منها الكادي، الريحان، الحنوان، الأزاب، البياض، الياسمين، النرجس، الفيجل، الأثلان، الكراديس، هينان، رند، وزنبق. ولا ترتبط زينة المشاقر بمناسبة معينة، فهي حاضرة معظم الأيام عند النساء والرجال، وتعد مصدرًا للرزق لدى نسبة من سكان اليمن).
أما الأستاذ الجامعي والشاعر والناقد اليمني عبده منصور المحمودي، ففي مقالة له نشرت على جريدة ” السفير العربي ” بتاريخ 3-11-2022,بعنوان: لغة “المَشَاقِر” في اليمن، فيقول: “المشقر” (مفرد مشاقر)، هو حزمةٌ من أغصان النباتات العطرية التي تتنوع وتتفاوت في أشكالِها وروائحِها وألوانِ أزهارِها. و”المشاقر” في الموروث الثقافي علاجٌ روحيّ، وطاردةٌ للأرواح الشريرة، وتعويذةٌ من السحر والمس والشياطين، وعليها تعتمد كثيرٌ من وصفات الطب الشعبي.)
وتعد زينة للشابات الجميلات كما للمسنات وللرجال”، حيث (يضعُه الرجال والنساء على رؤوسهم، وبين طيّاتِ ملابسهم طلباً للزينة والرائحة الطيبة.
وللمشاقر استخدامات عديدة ومتنوعة، ولها مناسباتها.
فمثلا: في مناسبات الميلاد ـ بعد أسبوعٍ من ولادة الجنين ـ تزور النساء أمَّه حاملاتٍ إليها الهدايا، مزدانات بـ”المشاقر”. وفي بعض المناطق تبقى “المشاقر” إلى جوار المرأة النفساء على مدى أسابيع من وضعها لمولودها، مع العناية بنباتات عطرية خاصة، رسَّخَتْ فيها الثقافةُ الشعبيةُ الدلالةَ على الخيرِ والبركة وحراسة المواليد وحماية البيوت، كما رسَّختْ فيها الرمزيةَ إلى السعادة والتجدد والخصوبة.
وكذلك فإن نباتات “المشاقر”، تتنوع وتختلف تسمياتها من منطقةٍ إلى أخرى، كما تتنوع استخداماتها، فمنها ما يجمع استخدامه بين الزينة وبين تجهيز بعض أصناف المائدة الشعبية الريفية، من مثل “الريحان” و”الفيجل”. ومنها ما يقتصر استخدامه على تجهيزِ المائدة الشعبية، من مثل “النعناع” وسواه، أو يقتصر استخدامه على الزينِة وحدها، بما في ذلك الأنواع الثانوية التي تفتقر إلى الرائحة العَطِرة، والتي لا تزيد عن أن تكون زهرةً حمراء أو بيضاء كزهرة “الرند”، أو زهرة برتقالية كزهرة “النرجس”.
حيث يستخدم الريفيّون اليمنيون ـ رجالاً ونساء ـ “المشاقر”، كلٌّ بطريقته المناسبة، للزينة والتعبير من خلالها عن السعادة.
ومنذ أقدم العصور ـ حتى اليوم ـ تعدّ هذه النباتات من أهم مواد زينة المرأة، تضعها على الجبين أو أعلى الأذن بجانب الخدود، فتُرى من خلال ما تضعه على رأسها من غطاء. أما الرجل ـ لا سيما الكبير في السن ـ فإنه يغرز “المشْقُر” بشكلٍ عمودي في “عمَامته” ـ غطاء الرأس ـ أو فتحات كوافي الخيزران أو قوافع الخواص والسعف، أو في الشَّعْر مع تثبيته بطوقٍ فضيٍّ يُسمى “العكاوة”. ومن الرجال مَنْ يضع غصون “الريحان” في الجيب العلوي للمعطف. ويختلف “مَشْقُر” الرجل عن “مَشْقُر” المرأة في مكوناته التي تقتصر على “الريحان” و”البياض” و”الأزاب”…).


وللمشاقر ارتباط تاريخيّ وثقافي موغل في القدم. هذا الارتباط التاريخي بين الإنسان اليمني وبين “المشاقر” ضاربٌ في التاريخ القديم، الذي كان اليمن فيه مهداً لواحدةٍ من أقدم الحضارات، حيث كان اليمنيون القدامى يصنعون من نباتات “المشاقر” المواد العطرية، ويستخدمون بذورها وأزهارها وأوراقها الجافة في صناعة البخور والطيب ودهانات الجسم.
في مناسبات الزواج، يستهل الشاب الطريق إليه ـ في بعض المناطق ـ بإهدائه “المَشْقُر” إلى الفتاة التي يرغب في الزواج منها تعبيراً عن الحب والإخلاص والوفاء. ومما ارتبط بهذا السياق من العادات القديمة عدم قبول الفتاة هذا النوع من الهدايا إلا إذا كانت قابلةً بالشاب زوجاً مستقبليّاً.
لقد تقادم هذا الارتباط التاريخي، فكان وراء حرصهم على زراعة هذه النباتات كجزء أصيلٍ من تراثهم الممتد إلى حاضرهم، والفاعل في ثقافتهم وعاداتهم وتقاليدهم وأعيادهم ومناسباتهم وطقوسهم الدينية والاجتماعية، بما في ذلك المناسبات المتعلقة بثلاثية الأحداث المصيرية والوجودية: الميلاد، الزواج، الموت.
ثم يضيف قائلا: “تتصدر “المشاقر” مراسيم الزفاف زينةً للنساء وللعروس التي تظهر ممسكةً بحزمةٍ منها، كما تُنْثَر زهور “المشاقر” على العروسين تداعياً مع الاعتقاد السائد في أن “المشاقر” مفتاحٌ لعلاقةٍ زوجية مستقرة وسعيدة، وحرزٌ للعروسين من العين والحسد، وطلاسمِ الأعداء. فـ “المشاقر” في الموروث الثقافي علاجٌ روحيّ، وطاردةٌ للأرواح الشريرة، وتعويذةٌ من السحر والمس والشياطين، وعليها تعتمد كثيرٌ من وصفاتِ الطب الشعبي. كما أنّ لها حضورها في مناسبات الموت، حيث تُنْثرُ أنواعٌ منها على جثمان المتوفى، وتُوْضَع كمياتٌ أخرى بجانبه في التابوت أو في القبر”.
وترتبط “المشاقر” في الثقافة الشعبية والأدب الشعبي بجمال المرأة وأنوثتها، وبالعشق والغرام، لذلك كانت عناوين لبعض دواوين الشعر الشعبي الذي أقام عليها كثيراً من نصوصه وأغانيه، التي تماهى فيها جمال الزهر في جمال المرأة: “خدودْ مثل الوردْ.. ضوء الفجر سَقّاها.. وأعطاها المشاقرْ حَرَسْ”.
كذلك فإن” المشاقر” تعد من ضمن المصادر الرئيسية للدخل الفردي والأسري،
حيث يُمثِّل بيع “المشاقر” مصدر دخل رئيس عند بعض الأسر اليمنية، ويعدّ جبل “صبر” جنوب محافظة تعز من أشهرِ مناطقِ زراعتها في اليمن. وعلى طولِ الطريقِ الأسفلتي المؤدي إلى أعلى قمةٍ فيه ـ “قمة العروس” ـ يصطفّ الأطفال بائعو “المشاقر”، وهم يُلَوِّحون بها لزائري الجبل.
تُباع “المشاقر” في الأسواق اليمنية القديمة وأشهرها: “باب موسى” و”الباب الكبير” في محافظة تعز، وأشهر أماكن بيعه في صنعاء “باب اليمن”، و”شعوب”، و”القاع”، حيث تتجمع عشرات النساءِ القادمات من أرياف صنعاء، لا سيما من قرى مديرية “بني حُشَيْش”، التي تُزرع فيها “المشاقر” بكثافة.
بعد كل ما سبق ذكره، ولما نحن فيه.. وعليه.. لا غرابة أن يكون هنالك عيدًا خاصًا بها، بل كان لزامًا عليه أن يكون ويوجد.. إلخ… أما أنا.. فهذا هو مشقري “إبنتي أميمة”..

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى