آفاق التصعيد بين “جماعة الحوثي” و”إسرائيل”!
“المدارنت”..
خلال الشهر المنصرم، وقعت ثلاثة حوادث قد تمثل نقطة تحول على صعيد ديناميكيات الصراع بين “إسرائيل” و”جماعة الحوثي”.
تتمثل هذه الحوادث في هجوم الحوثيين بطائرة مسيّرة على تل أبيب (19 يوليو)، والرد “الإسرائيلي” باستهداف ميناء الحُديدة (20 يوليو)، ثم توعد “الحوثيين” بالرد أو المشاركة في الرد على اغتيال القيادي العسكري في “حزب الله” فؤاد شكر (30 يوليو) ورئيس المكتب السياسي لـ”حركة حماس” إسماعيل هنية في طهران (31 يوليو).
يُذكر أنه منذ السابع من أكتوبر، أطلق “الحوثيون” ما يزيد على 200 صاروخ وطائرة مسيّرة ضد “إسرائيل”، في استعراض لما يسمونه بـ«وحدة الساحات» ودعماً لغزة. بيد أنّ معظمها لم ينجح، أو جرى اعتراضه، أو فشل في الوصول إلى أهدافه المقصودة – حتى في أجزاء من جنوب “إسرائيل” الأقرب إلى اليمن، مثل ميناء إيلات. ثم أعلن “الحوثيون”، في 3 مايو (أيار) الماضي، انتقالهم إلى «المرحلة الرابعة» من حملتهم ضد “إسرائيل”، والتي تتعلق بتهديد الملاحة “الإسرائيلية” في البحر المتوسط، خصوصاً ميناء حيفا.
ومع ذلك، يبدو أن “الحوثيين” غيروا حساباتهم خلال الشهر المنصرم، حيث أطلقوا طائرة مسيَّرة هجومية باتجاه تل أبيب للمرة الأولى، ما أسفر عن مقتل شخص وإصابة 10 آخرين على الأقل، حيث أصابت مبنى سكنياً على بعد نحو 100 متر من القنصلية الأمريكية.
ويبدو أنّ “الحوثيين” استفادوا من خبرة هجماتهم المنتظمة لاختراق الدفاعات “الإسرائيلية” منذ نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي. كما يبدو أنّ هجوم 19 يوليو (تموز) استهدف جر “إسرائيل” إلى استنزاف عملياتي على جبهة تبعد أكثر من 1600 كيلومتر عنها، من أجل تخفيف الضغط عن “حزب الله”، والاشتراك مع الأخير، في توجيه رسائل الاستعداد للمواجهة إلى الطرف الآخر، بما يحقق هدف الردع، بالإضافة إلى اختبار ردات الفعل “الإسرائيلية” مع اختراق أحد الخطوط الحمراء، أي ضرب تل أبيب.
وقد ردت “إسرائيل” باستهداف ميناء الحُديدة، ما أسفر عن مقتل 9 أشخاص، ووقوع أضرار مادية بالميناء وبالمنشآت النفطية هناك. ويُعد الميناء شريان الحياة لاقتصاد “الحوثيين”، واستمرار الإضرار به سيجعل الأمر صعباً للغاية على هذا الاقتصاد الذي يواجه عقوبات أمريكية كبيرة. والواقع أنّ الرد “الإسرائيلي” لا يرتبط فقط بالحاجة إلى استعراض قدرات تل أبيب على حماية مواطنيها، والثأر ممن يستهدفهم. كما أن الحديث عن ضرب الحُديدة بغرض قطع طريق التهريب من إيران إلى “الحوثيين” هو ضرب من الوهم، فالتهريب سيستمر، بل سيزداد. كما أن الهجوم لن يردع أو يوقف هجمات “الحوثيين”، ومن المحتمل أن يزيدها فعلاً.
ولكن يبدو أن إسرائيل تستغل تردد قوات تحالف «حارس الازدهار»، الذّي تقوده الولايات المتحدة، في تقويض أو الحد من قدرات جماعة الحوثي، لإيصال رسالة إلى دول التحالف مفادها أن سياسة «احتواء» الحوثيين، ومحاولة منع اندلاع حرب إقليمية قد فشلت، وأنه يجب استهداف الحوثيين بشكل أقوى.
ثم جاء تجاوز “إسرائيل”، هي الأخرى، لكل خطوط الصراع الحمراء باستهداف القائد السياسي لـ”حماس” في طهران، بعيد اغتيالها لرئيس أركان قوات “حزب الله” في الضاحية الجنوبية ببيروت. وتوعدت إيران وحزب الله بالانتقام لمقتل الرجلين واستخفاف “إسرائيل” بالخطوط الحمراء تلك.
والخلاصة أنه يُرجَّح استمرار تبادل الضربات الموضعية بين “الحوثيين” و”إسرائيل” من دون الوصول للمواجهة الشاملة بينهما. ويفترض هذا السيناريو استمرار ضربات “الحوثيين” ضد “إسرائيل”، وفق ما أعلنه عبد الملك الحوثي، من بدء «المرحلة الخامسة» المعروفة باسم «عملية يافا»، وتمكن وسائل الدفاع “الإسرائيلية” في صد تلك الهجمات.
وبالمقابل، سترد “إسرائيل” على هجمات “الحوثيين” بهجمات مضادة، لكن دون أن تصل تلك الضربات إلى مستوى الانخراط في حملة مستدامة ضد “الحوثيين”، وذلك بالنظر إلى رغبتها في إبقاء الجهد الأساسي لقدراتها الجوية موجهاً ضد “حزب الله”.
ومن ناحية أخرى، ستحاول “إسرائيل” تعبئة دول المنطقة للوقوف ضد “الحوثيين”، ولكن من دون جدوى، على الرغم من أن بعض الدول، خصوصاً مصر وبعض دول مجلس التعاون الخليجي، تضررت من هجمات “الحوثيين” على طريق التجارة الدولية في البحر الأحمر أكثر من “إسرائيل”، إذ ترغب الدول العربية في الابتعاد عن خط النار، وتقليل حجم المخاطر. ومن ناحية ثالثة، سيتمكن “الحوثيون”، على الأرجح، من استيعاب وتجاوز ضربات “إسرائيلية” أخرى محتملة ضدهم.
والخلاصة، أنه حتى لو حدث مزيد من الاشتباكات والهجمات “الإسرائيلية”، التي لا تُستبعَد الآن، فمن المشكوك فيه أن تتمكن تل أبيب من النجاح.