مقالات

أمام مذبحة غزة.. يصمت العرب ويتحدث الغرب!

“المدارنت”
أسوأ ما نتج عن المشهد الفلسطيني الراهن هو الصورة السريالية لرد الفعل العربي والدولي؛ حيث يقفُ العربُ متفرجين على حرب الإبادة الجماعية والتجويع والحصار في غزة، بينما تُسارع بعض قوى العالم الغربي والأجنبي للدفاع عن الفلسطينيين، والتصدي لهذه الجريمة التي يتم ارتكابها على مرآى ومسمع من العالم وعلى رؤوس الأشهاد.

موقف مفاجئ وتاريخي تبنته سبع دول أوروبية، على رأسها إسبانيا، جاء فيه «إننا لن نقف صامتين أمام المذبحة التي تُرتكب في غزة»، ودعت هذه الدول السبع إلى إدخال المساعدات الإنسانية فوراً إلى القطاع، وهو ما ظهرت نتيجته بعدها بساعات عندما قرر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إدخال شيء من المساعدات إلى داخل القطاع، والتخفيف من وطأة التجويع الذي يعاني منه الفلسطينيون في غزة.
رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز، لم يتوقف عند هذا الموقف الداعم للفلسطينيين، وإنما أعلن يوم السبت الماضي، أن بلاده ستقدم مشروع قرار للأمم المتحدة لإنهاء الحصار الإنساني على غزة، وفي اليوم التالي مباشرة – أي الأحد- وبعد أقل من 24 ساعة على هذه التصريحات، قرر المجلس السياسي والأمني الإسرائيلي استئناف نقل المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بشكل فوري، فيما اعترف مسؤول إسرائيلي بأن نتنياهو واجه ضغوطاً دولية.
في المقابل صمتت وما زالت الدول العربية الـ22 على حرب الإبادة، التي يشهدها قطاع غزة، بل إن الكارثة هي، أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب زار ثلاث دول خليجية، ولم يكن الملف الفلسطيني حاضراً في لقاءاته، بل إنه فضح حلفاءه بعد عودته الى واشنطن عندما قال، «إن أحد القادة الثلاثة العظماء الذين التقيتهم قال لي قبل ليلتين، أرجوك ساعد الشعب الفلسطيني لأنهم يتضورون جوعاً، وأبلغته أننا بدأنا في العمل على مساعدة الناس في غزة».. أي أن اثنين من القادة الثلاثة لدول الخليج لم يتحدثوا أصلاً مع ترامب، عما يجري في غزة، ولم يطلبوا منه أن يتدخل لوقف حرب الإبادة والتجويع الإسرائيلية، بينما زعيم واحد فقط هو الذي تطرق لهذا الملف وأخذ وعداً من الرئيس ترامب حول هذا الملف!
لا تتوقف حالة الشلل على المستوى السياسي والرسمي، بل تمتد إلى الشارع والأوساط الشعبية أيضاً؛ حيث تغيب الفعاليات الداعمة للشعب الفلسطيني، وتكاد تختفي مسيرات التضامن مع الجياع والمنكوبين في غزة، بينما لا تزال شوارع مدن أوروبا والولايات المتحدة، وحتى كوريا الجنوبية واليابان، تعج بالمسيرات الحاشدة التي يشارك فيها عشرات الآلاف من البشر المتضامنين مع الشعب الفلسطيني.
يوم السبت الماضي خرج نحو نصف مليون بريطاني إلى شوارع لندن يتضامنون مع غزة بالتزامن مع الذكرى الـ77 لنكبة الشعب الفلسطيني، وهي النكبة التي تتجدد على يد الاحتلال للمرة الـ77، عبر حرب الإبادة والتجويع والقصف والتدمير الذي يشهده قطاع غزة. وفي واشنطن شارك الآلاف في مظاهرة مماثلة يوم الأحد تضامناً مع الفلسطينيين وتنديداً بجرائم الاحتلال.. ولنا أن نتخيل بأن ترامب سمع أصوات التضامن مع فلسطين في واشنطن، أكثر مما سمع في عواصم العرب! الجامعات الأمريكية والبريطانية والأوروبية جميعها، ما تزال تعج بالاحتجاجات والفعاليات التضامنية مع الشعب الفلسطيني.
بينما تغيب هذه الفعاليات عن جامعاتنا العربية، لا بل إن الكارثة هي، أننا نسمع بين الحين والآخر عن عقوبات أكاديمية وإدارية وقرارات بالفصل ضد الطلبة الذين يتضامنون مع فلسطين في بعض الجامعات العربية.. أليس هذا هو العار بذاته أن يُعاقب الطالبُ العربي على التضامن مع فلسطين، بينما يتولى المهمة الطلبة الأجانب في الدول الغربية؟

واقع الحال أن المذبحة التي تشهدها غزة إنما هي «حربٌ كاشفة»، فقد قامت بتعرية الكثير من الأنظمة العربية، وحتى الكثير من الأفراد، وكشفت حقيقة الحال، كما إنها أثبتت أن فلسطين هي قضية إنسانية عالمية لا يتبناها إلا الشرفاء أينما كانوا، ولا يتخلى عنها إلا أراذل القوم من أبناء الدرك الأسفل.. هي قضية إنسانية بامتياز وليست أي شيء آخر.

محمد عايش/ “القدس العربي”
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى