أموات علي قيد الحياة!
خاص “المدارنت”..
ألإنسان كائن حيّ . وهو يفقد حياته في العُرف السائد عندما يتوقّف دماغه وينقطع نفَسه، وتسكن لديه حركة القلب. حينها يكون قد أدركه الموت، وفارق حياته. نعم هو في هذه الحال فقد حياته وتحوّل من حيّ إلى ميت.
ولكنّ الحقيقة أنّ ما مات فيه هو الدماغ وأعضاء الجسد، وقوى النفس المتعددة.
ولو تحرّينا المزيد من حقائق الواقع، لتبيّن لنا أنّ الموت الذي يُنهي لدى الإنسان كلّ شيء لم يكن ليدركه فجأة في معظم الأحيان، بل هو يحصل بالتدريج عندما يذبل شبابه، ويبلغ مرحلة من العمر، تصفرّ معها أوراقه وتصبح آيلة للسقوط.
في هذه المرحلة، ينتشر الوهن في أنحاء الجسم، وتتراجع طاقة الجوارح، ويهبط مستوى نشاطها:
يضعف السمع لدى بعضهم، وتقرع العتمة أبواب العين لدى آخرين، ترتجف اليدان لدى بعضهم، تفتر الهمّة لدى آخرين…
في هذه المرحلة تغزو الأمراض أنحاء الجسم، ولا يعود بمستطاع النطاسيّ والعطّار إصلاح ما أفسده الدهر.
وهكذا يكون الموت قد تسلّل الى أجسادنا بالتدريج، وبدأ يفعل فعله بثبات وإصرار، فيميت عضوًا هنا، ويقضي على جزءٍ من حياة آخر هناك، إلى أن يغدو الجسد ثمرة يانعة حان قطافها.
ولكنّ للموت في حياتنا وجوهًا أخرى؛ فالإنسان يموت عندما تُمتهن كرامته، ويُهدَر شرفه، وتُستباح حرّيته، وحرية شعبه ووطنه، ويسكت عن الذود؛ فالإنسان ليس مجرّد جسد وحسب، بل هو كرامة أيضًا.
وهو يموت أيضًا، عندما تتعطّل لديه ملكة العقل؛ فالمجنون والخرِف ميّتان، ولو كانا على قيد الحياة.
وكذلك فاقد العقل والضمير، فقد ماتت لديه الخاصّتان الإنسانيّتان، وبات أشبه بوحش أفلت من مملكة الحيوان، فعاث أذى وفسادًا في مجتمعه.
مثل هؤلاء يعيشون بيننا، يتنفّسون، يتكلّمون، يتنقّلون، يسرحون ويمرحون. ولكنهم في حقيقتهم على شفير الموت، أو أموات على قيد الحياة!
أمّا الأحياء في كرامتهم وضميرهم، وفي عقولهم الراقية الناشطة، فهم أحياء، ولو مات منهم الجسد، فهؤلاء لا تموت بموت اجسادهم مآثرهم التي يحيون بها في قلوب وعقول الناس طويلًا.