مقالات

أميركا جديدة!

“المدارنت”..
عاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، للمرة الثانية، بعد استراحة أربع سنوات، ودخلت الولايات المتحدة مرحلة جديدة، مختلفة تماماً عن تاريخها السياسي منذ رئيسها الأول جورج واشنطن عام 1789، وحتى آخرهم جو بايدن.
ترامب الرئيس الـ47، سوف يكون غير كل الرؤساء الذين سبقوه، لأنه يحمل عقيدة لا تشبه سابقاتها، فشعاره «لنجعل أميركا قوة عظيمة مرة أخرى» هو انقلاب عالمي تنفذه الولايات المتحدة، يجعلها القوة الأعظم التي تفرض هيمنتها المطلقة عسكرياً وسياسياً واقتصادياً من خلال ما تملكه من قدرات ديبلوماسية وسياسية وعسكرية واقتصادية، واستثمارها في علاقاتها الدولية، إما بالإقناع من خلال الحوار والمفاوضات، أو بإلزامها وإخضاعها.
وإذا كانت استراتيجية الرئيس جيمس مونرو (1817 -1825) هي أول استراتيجية غيرت وجه أميركا، إذ أخرجتها من عزلتها، إلى أن جاء الرئيس ريتشارد نيكسون (1969-1974) الذي وضع «عقيدة نيكسون» التي رسمها هنري كيسنجر الداعية إلى وقف التدخل العسكري الأميركي المباشر جراء حرب فيتنام وخسائرها الكارثية، فها هو ترامب يطلق استراتيجيته المختلفة تماماً القائمة على مبداً «أمريكا أولاً»، والتي تنطلق من مصالح أميركية خالصة، أولاً وأخيراً، من دون الأخذ في الاعتبار مصالح حلفاء أو خصوم، تاركاً وراءه كل مراحل تاريخ أميركا وإرث من سبقوه.
لذلك يترقب العالم كل خطواته ومواقفه بعد دخوله البيت الأبيض لأن كل شيء سيكون مختلفاً عما سبق وعرفه العالم من سياسات أمريكية، خصوصاً ما يتعلق بالموقف من الصين والحلفاء الأوروبيين وروسيا والحرب الأوكرانية والشرق الأوسط، وصولاً إلى حلفاء أميركا في المحيطين الهندي والهادئ وشبه الجزيرة الكورية، إضافة إلى الجيران في كندا والمكسيك حيث ستأخذ مسائل الهجرة أولوية على أجندة الرئيس الجديد.
بمعنى آخر، هناك عاصفة جيو/ سياسية سوف تهب على العالم بدءاً من اليوم، حيث ستقوم عقيدة ترامب على ركيزتين أساسيتين هما النظرة العالمية القومية التي تعلي المصلحة الأميركية على غيرها، ثم نهج السياسة القائمة على القوة في التعامل مع الآخرين الذي يصر على الزعامة العالمية المطلقة، خصوصاً في التعامل مع الصين التي يرى أنها تشكل التحدي الأكبر للزعامة الأميركية اقتصادياً وعسكرياً وتقنياً، كما أن إصراره على فرض تعرفة جمركية تصل إلى 60 في المئة على الصادرات الصينية سوف يؤدي حتماً إلى حرب اقتصادية أصعب من تلك التي شهدتها فترة رئاسته الأولى، وقد تثير خلافات أمنية بين البلدين.
أما أوروبا التي سوف يستهدفها ترامب بفرض تعرفات جمركية جديدة فهي أيضاً بدأت تعد العدة لمواجهة متوقعة معه، في حين أن إصراره على وضع حد للحرب الأوكرانية من خلال المفاوضات مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد يؤدي إلى تركه أوروبا وحيدة في الحرب مع أوكرانيا، وهذا فوق قدرتها.
إن المعاهدات المبرمة بين واشنطن وحلفائها في أوروبا وآسيا لن تعمل بعد الآن كضمانات للحصول على الحماية الأميركية من دون أن تتكبد عناء الإنفاق على هذه الحماية، بمعنى حماية الحلفاء الأقوياء وليس من يشكلون عبئاً على المصلحة الوطنية الأميركية.
أميركا جديدة، تبدأ اليوم لا علاقة لها بأميركا التي كنّا نعرفها من قبل.

المصدر: إفتتاحية “الخليج” الإماراتية اليوم
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى