مقالات

أنا أخالفك إذن أنا “عميل”..!

الوليد حسين الخطيب/ لبنان

خاص “المدارنت”..
قال الكاتب والصحافي المصري الراحل جلال عامر، بلهجته المصرية المحبّبة: “أنا شاركت في 3 حروب ما تعورتش، وحضرت ندوة ثقافية واحدة – عنوانها قبول الرأي الآخر – اتعورت. فأنا كنت لسه بعترض، ورفعت إيدي، فحد بقول لي إنت يا جدع يللي هناك نزّل إيدك، فقلت أنا بس عايز أقول… قال لي لأ، قلت طيب عنوان الندوة، قال لي ما لكش دعوة بعنوان الندوة، خليك في عنوان بيتكم…”.
وتابع: “إحنا شعارنا معروف، تناقشني أناقشك، تخالفني أقتلك”.
ما كانت هذه التوطئة إلّا لتسليط الضوء على فكرة عدم قبول الرأي الآخر، خصوصًا في لبنان مع الفريق الحاكم والمتسيّد وصاحب القرار في كلّ شيء. هذا الفريق الذي يشيطن كل مَن لا يؤيّد فكره، ويجرّده من حقوقه المعنوية ومن وطنيّته… وأكثر من هذا، من إنسانيّته، ويرى أنّ تكليفه شرعيّ إلهي، من الله مباشرة. لذا، هو محق، ولا يُخطئ وكل من يخالفه هو شيطان رجيم، يجب التبرُّؤ منه ومن أفعاله ومن أقواله إلى يوم الدين.
منذ أيام، اعتقلت الأجهزة الأمنية اللبنانية، الممرّض محمد ش. من مواليد بلدة الطيري في العام 1995، بتهمة العمالة مع “إسرائيل” وهذا الأمر – لَعمري – إنجاز جيد ونوعي، ويُفتخَر به؛ إذ إن من يقدّم معلومة لعدوّ – أيًّا كان – يجب أن يجرّد من هويته الإنسانية ومن جنسيّته الوطنية، لأنّه بفعلته هذه إنّما يسعى في خراب بلده وتدميره، وقتل أبنائه وتهجيرهم من مناطقهم وتشريدهم من بيوتهم، حيث إنّه يساعد في تنفيذ مشروع دولة على حساب مشروع وطنه.
والجدير بالذكر أنّ عائلته تبرّأت منه ومن فعلته، ومع هذا لم تسلم من المقاطعة ومن الإدانة، حيث إن جزءًا كبيرًا ممّن يعرفها وممّن لا يعرفها، فرض عليها دفعَ ثمن جريمة ابنها غاليًا ونبذها في العراء وخلعها كما تخلع الحية جلدها، فدانها وحاسبها وحاكمها وأقام الحدّ عليها.
محمد، اليوم، معتقل ويُحَاكَم على فعلته الشنيعة، ولكن أليس من المنطقي أن يُحَاسَب من أوصل محمدًا إلى ما وصل إليه؟ أوليس من العدل أن يُحاكَم مَن أسهم في ازدياد نسبة البطالة بين الشباب وجعلهم فريسة ومطمعًا لمَن يتحكّم فيهم، وفي معيشتهم، ولمَن يستغلّ حاجتهم وعوزهم؟ ثمّ مَن الذي شجّع المحتاجين على التعامل مع العدوّ، أليس هو نفسه الذي حاكم العملاء السابقين بأحكام مخفّفة؟ أليس هو نفسه الذي تغاضى عن هَرب عميل سابق قبل وفاته. محمد عميل، نعم، ويجب أن ينال جزاءه. ولكن، ليس كل مَن خالف فِكرَ فريق لبناني يُتّهم بالعمالة! وليس كل مَن عارض مشروع الفريق الحاكم في لبنان الذي بيده مقاليد كل الأمور، تُهمته جاهزة ومفصّلة على قياسه! هذا الفريق لا يقبل الرأي الآخر، بفعل فائض القوّة الذي يمتلكه، ولا يريد أن يقتنع بأنّ ثمّة جزءًا كبيرًا من اللبنانيين غير راضٍ عن فكره وعن سياسته وعن ممارساته في الداخل.
محمد ش. ليس وحده العميل، فكلّ مَن تعامَل مع أيّ دولة لتنفيذ مشروعها على حساب وطنه، هو عميل. مَن حمى الفساد والفاسدين في لبنان هو عميل! مَن أسهم في جريمة تفجير المرفأ هو عميل، ومَن تغاضى عن تلك الكارثة هو عميل! مَن وعد الناس بمحاسبة الفاسدين من أجل انتخابه لتنفيذ مشروعه هو عميل! ومَن تحالف مع الفاسدين وغضّ الطرف عن أفعالهم هو عميل! مَن تآمر مع المصارف لسرقة أموال الناس هو عميل! مَن حرم الناس من فرص العمل ودفعهم إلى العمالة هو عميل! مَن أسهم في انهيار النظام الاستشفائي هو عميل! مَن شارك في انقطاع أدوية الأمراض المزمنة والمستعصية هو عميل!
إن لائحة المصائب والكوارث التي عصفت بلبنان، وأدّت إلى انهياره طويلة، والذين أسهموا فيها كثر. وليس من المعقول ولا المنطقي أن ينهار بلد في العالم إلّا بإسهام أبنائه والقائمين عليـه.
طبعًا، إذا كان لك رأي في أمر يخالف رأي الطغمة الحاكمة، فاحتفظ به لنفسك، أو إذا أرادت مناقشته فليكن، ولكن إياك أن تخالف، لأنّ قبول الرأي الآخر ممنوع وإلّا الويل والثبور وعظائم الأمور. فأن تخالفني الرأي يعني أنت عميل!

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى