أوروبا القلقة!
“المدارنت”..
من حق دول “الاتحاد الأوروبي” الـ27، أن تتلمس رأسها، وتضرب أخماساً بأسداس، مع اقتراب موعد انتخاب برلمانها (705 أعضاء) من 6 إلى 9 يونيو/ حزيران المقبل؛ حيث تشير استطلاعات الرأي المختلفة إلى أن اليمين والأحزاب الشعبوية قد «تجتاح» صناديق الاقتراع، وتحقق نتائج غير مسبوقة ربما تغّير وجه أوروبا وسياساتها وعلاقاتها الخارجية.
أكثر من 400 مليون ناخب أوروبي، سوف يدلون بأصواتهم في عاشر انتخابات مباشرة تجري منذ العام 1979 للبرلمان الأوروبي الذي يصوغ التشريعات، ويحدد السياسات ويضع الميزانية العامة. وتجري الانتخابات كل خمس سنوات، لكن هذه المرة سوف يكون المشهد مختلفاً والنتائج أيضاً، ما يثير قلقاً فعلياً حول مستقبل الاتحاد.
لقد أطلقت الأحزاب السياسية اليمينية المتطرفة، حملتها الانتخابية يوم الأحد الماضي من إسبانيا، واحتلت قضية الهجرة، وخصوصاً هجرة المسلمين الموضوع الأبرز في مواقف هذه الأحزاب، إضافة إلى قضايا الأمن والمناخ ودعم “إسرائيل” (كيان الإرهاب الصهيوني في فلسطين المحتلة) في عدوانها (الإرهابي الصهيوني) على قطاع غزة.
تشكل مسألة كراهية الإسلام “الإسلاموفوبيا”، نقطة مركزية في الاستراتيجية الانتخابية لهذه الأحزاب، وبعضها يضع في مقابله العودة إلى الدين المسيحي كسبيل لإنقاذ أوروبا، كما في حالة كيرياكوس فيلوبولوس زعيم حزب «الحل اليوناني»، الذي ينشر خطاباً معادياً للهجرة والمثلية الجنسية، وكذلك الهولندي غيرت فيلدز زعيم «حزب الشعب»، الذي يناصب العداء للمسلمين، فتعهد في برنامجه الانتخابي للفترة بين 2021 و2025، «بإنشاء وزارة للهجرة وإعادة اللاجئين إلى بلادهم والتطهير من الإسلام»، وفي فرنسا مثلاً كان حزب «التجمع الوطني» بزعامة مارين لوبان، أول حزب أوروبي استخدم مصطلح «الإسلاموفوبيا» في حملته الانتخابية؛ للتخويف من المسلمين، وكذلك الحزب النمساوي اليميني الشعبوي (الحرية)، والحزب اليميني الدنماركي (الشعب)، و«حزب البديل» الألماني، بزعم الترويج لفكرة أن المسلمين غير مندمجين في مجتمعاتهم، ويشكلون بؤراً للإرهاب.
إضافة إلى ذلك، فإن صعود الأحزاب اليمينية مردّه الإحباط الذي يعانيه الناخب الأوروبي من فشل الأحزاب التقليدية في تحقيق وعودها بتحسين الظروف المعيشية والاقتصادية، ما يدفعه للجوء إلى الأحزاب المتطرفة كسياسة عقابية للأحزاب التقليدية، أو لاعتقاده بأن اليمين قادر على تحقيق ما فشلت فيه الأحزاب الأخرى.
وفقاً لاستطلاعات وتقارير مختلفة، فإن أحزاب اليمين سوف تصعد على حساب أحزاب اليسار، ويسار الوسط والديمقراطيين والخضر، وتحديداً في النمسا وبلجيكا وفرنسا والتشيك والمجر وهولندا وبولندا وسلوفاكيا، وقد تحقق تقدماً ملحوظاً في كل من ألمانيا والبرتغال ورومانيا وإسبانيا والسويد وفنلندا وإستونيا ولاتفيا.
في حال هيمنة اليمين على البرلمان الأوروبي سوف يتحول هذا البرلمان إلى «بطة عرجاء» لن يستطيع تمرير التشريعات التي تمسّ وحدة الاتحاد في السياسة والأمن والاقتصاد، باعتبار أحزاب اليمين مناهضة لعمل المؤسسات والعمل الأوروبي المشترك، وهو أمر يثير الخوف بعد أن بدأت أوروبا في اتخاذ إجراءات مباشرة في مجال السياسة والأمن والدفاع، في إطار دعمها لأوكرانيا في مواجهة روسيا، ما يؤدي إلى دعم الكرملين وإضعاف كييف.
مع اقتراب موعد الانتخابات تسعى الأحزاب اليمينية، الى أن أن تكون الحصان الأسود على حساب بقية الأحزاب. فهل تتحوّل القارة العجوز إلى قارة كَسيحَة.؟