إبادة ومجاعة.. الخيار الذي تركه العالم لغزّة؟
“المدارنت”
تبدو المقتلة الفلسطينية المفتوحة بدون حساب في قطاع غزة وكأنها عداد إحصاء معلّق على جدار البشرية. حدث غدا منفصلا ومجرّدا مع هول الواقعة الكبرى، ومقطوعا عن الناس التي تقتل وتجوّع وتُهان كل يوم، وباهتا في مجريات السياسة واهتمامات العالم.
يظهر خبر المقتلة وتطوراتها المريعة، طبعا، ضمن أخبار وكالات الأنباء العالمية، لكن تبيان ذلك على حقيقته، بما هو إبادة معلنة للبشر، يخضع لعمليات متنوعة من الحظر والمحاربة والتجاهل والحصار، والفصل عن كل من يشير إليه، وذلك ضمن آليات تشارك في تنفيذها أطراف كثيرة.
يمكن أن يبدأ ذلك من إسرائيل نفسها، وحواضنها السياسية القوية في كافة مراكز القوة والنفوذ والتأثير، مرورا بأحزاب اليمين المتطرف في الغرب والعالم، وغالبا ما يُعاد إنتاج أشكال الحصار والتجاهل هذه، ضمن كليشيهات البروباغاندا الاعتيادية التي تستخدمها هذه الأحزاب والشخصيات، فيصبح مجرد الكشف عما يحصل في غزة، أو التعاطف الإنساني البسيط مع سكانها، «معاداة للسامية»، وفي ذلك يلتقي الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي وصف هارفارد، أعرق جامعة أمريكية، بهذه الوصفة، مع شارون أوزبورن، النجمة البريطانية المعروفة، التي انتقدت تعاطف فرقة «نيكاب» الأيرلندية، لأنها صرّحت أن لا مكان للغزيين المحاصرين يلجؤون إليه.
يتم التجاهل، بما في ذلك على المستوى العربي، لأسباب عديدة أيضا، لا يمكن استبعاد أن تكون الموافقة الضمنية على ما يحصل أحدها، كما لا تستبعد منها الحاجة إلى التخلّص من المسؤولية الأخلاقية المترتبة على إظهار الاهتمام بالفلسطينيين.
حظيت القضية الفلسطينية باهتمام عالمي كبير، فشهدنا المناشدات والإدانات والمساهمات التي لم تنقطع من قبل وكالات الأمم المتحدة، والمنظمات الحقوقية العالمية، وصدرت قرارات ضد إسرائيل من محكمتي العدل والجنائية الدوليتين، وأبدت دول مثل جنوب افريقيا والبرازيل أشكالا من الدعم الذي لم توفره دول عربية، وأثارت المجازر تظاهرات في أوروبا وأمريكا وفي الجامعات العريقة، ولكن كل ذلك لم يوقف الإبادة.
هل يمكن القول إن أمريكا “الترامبية”، وإسرائيل “النتنياهوية”، قد هزمتا العالم؟
عبّرت تصريحات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الأخيرة عن موقف أوروبا، والذي يدعو «حماس» لتسليم سلاحها، وبعد أن قدّمت الخطة العربية حلا «وسطا» تطرح فيه تسلّم منظومة فلسطينية وعربية الحكم في غزة، ووافقت عليه «حماس»، صدرت تصريحات من مصر (التي أعدّت «الخطة العربية») بدت أقرب إلى المطالب الإسرائيلية منها إلى الخطة العربية (تسليم «حماس» سلاحها).
وبعد نفي هذه التصريحات، صدرت تصريحات أخرى للرئيس الفلسطيني محمود عباس، تطالب «حماس» أيضا بتسليم الرهائن والسلاح، فهل هذه هي «الخطة العربية»، وكيف يمكن تطبيقها في ظل الإصرار الإسرائيلي على الإبادة؟
فقد أهل غزة المستهدفون كجماعة إنسانية بالإبادة أي أمل بجهة تستطيع تغيير ما يحصل، أو تقديم خيار آخر، فهل المطلوب هو «استسلام» حماس، أم أن هذا إعلان لاستسلام العالم نفسه؟