“إسرائيل” إزاء تعاظم التهديدات في سوريا.. هل تكفي المناطق الثلاث أم نأخذ بنصيحة ترامب؟!
“المدارنت”..
المذبحة التي أجراها رجال (الرئس السوري أحمد الشرع) محمد الجولاني في جبال العلويين غربي سوريا تعزز في إسرائيل فهماً يرى في سوريا تهديدات متشكلة تستدعي الاستعداد لها ولمنع تطورها، ليس فقط من جانب الجهاديين الذين استولوا على الحكم ويحاولون تسويق صورة معتدلة ومستقرة، بل أيضاً من محاولة لجعل سوريا جزءاً لا يتجزأ – بما في ذلك قواعد عسكرية – من الإمبراطورية العثمانية التي يتطلع أردوغان لإقامتها.
أحد التهديدات التي تتطور بسرعة الآن وتقلق جهاز الأمن، يحدق من جانب حركتي حماس و”الجهاد” الفلسطينيتين والرغبة في العمل من سوريا ضد بلدات حدود إسرائيلية في الجولان وإصبع الجليل. في الأيام الأولى ما بعد سيطرة منظمات الثوار التي تجمعت في هيئة تحرير الشام، بقيادة أحمد الشرع (الجولاني)، حررت من السجن إرهابيين كباراً من حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني. إرهابيون حبسوا في عهد بشار الأسد كي لا يورطوه في مواجهة مع إسرائيل، حين ينفذون العمليات التي خططوا لها. وحتى “جزار دمشق” رأى أنهم أكثر مما ينبغي.
الآن، بدأ هؤلاء المخربون الكبار في التخطيط للعمليات. سلاح الجو هاجم في الأسابيع الأخيرة بضعة مخازن سلاح كهذه. في هذه الأثناء، لا يحاول المخربون الفلسطينيون النزول جنوباً من منطقة دمشق نحو الحدود الإسرائيلية، لكنهم ينشطون ويخططون.
وثمة مصدر ثالث، وهم سكان جنوب سوريا السُنة، ممن تأثر الكثيرون منهم بـ “داعش” ويتركزون في منطقة مدينة درعا، حيث نشبت الثورة السُنية ضد نظام الأسد. صحيح أن إسرائيل تقيم معهم حواراً من خلال المحليين السوريين في الجولان، الذين تمتعوا في زمن الحرب الأهلية بمشروع جيرة طيبة مع إسرائيل، لكن العناصر السُنية المتطرفة أولئك الذين ينتمون إلى “غرفة الحرب الجنوبية”، يرفضون حالياً التعهد بالإبقاء على جيرة طيبة مع إسرائيل.
التهديدات لا تنتهي عند ذلك. فتركيا لا تخفي رغبتها في السيطرة على سوريا من خلال نظام جهادي سُني. صحيح أن هيئة تحرير الشام وأحمد الشرع لا يتبعان تركيا، لكن لما كانت تركيا هي القناة اللوجستية الوحيدة المفتوحة أمامهم الآن، فهم ملزمون بالإنصات لأردوغان وعدم العمل ضد إرادته.
يبدو أن تركيا لا تعتزم حالياً السيطرة على سوريا بشكل كامل، بل جعلها جريرة سياسية وعسكرية من خلال إقامة جيش سوريا الجديد وإقامة قواعد في أرجاء سوريا، بما في ذلك جنوبها، على مسافة بضع عشرات الكيلومترات عن أراضي إسرائيل. إسرائيل لا ترغب في وجود تركي على الحدود في الجولان، ولا تريد رؤية خليط مركب من الجهاديين، ورجال “القاعدة” السابقين والأتراك.
الذخائر التي يضرب أردوغان عينه عليها في سوريا ليست ملحة حقاً، بل السيطرة على الإقليم الكردي شبه المستقل في شمال شرق سوريا. من يمنعه من اجتياحه هم الجنود الأمريكيون هناك ممن يساعدون قوات جبهة سوريا الديمقراطية التي تتشكل من الأكراد وقبائل عربية سُنية تقاتل ضد “داعش” وبنجاح. المشكلة أن ترامب يريد إخراج جنوده من سوريا. أما إسرائيل فتحاول يكل جهدها إقناع رجال ترامب بإبقاء الجنود الأمريكيين في سوريا، على الأقل إلى حين استقرار الوضع، كي لا يكون فريسة للأتراك الذين يخططون لاجتياح المكان. نجح هذا الأمر في ولاية ترامب السابقة، أما في الحالية فليس مؤكداً.
أمس، أعلن الرئيس السوري أحمد الشرع عن اتفاق مع قائد القوات الكردية في الدولة على دمجها في المؤسسات السورية والجيش السوري. واتخذ القرار بعد لقاء بين الشرع وقائد قوات سوريا الديمقراطية – التحالف الذي يجمع القوات العسكرية الكردية – ويحظى بدعم الولايات المتحدة.
وثمة مصدر آخر يخاف من سيطرة الأتراك، وهم الروس، الذين يريدون الاحتفاظ بقواعدهم جنوبي اللاذقية العلوية وميناء طرطوس على الساحل الغربي السوري. هذه القواعد مطلوبة لروسيا لإبقاء وجودها في شرق البحر المتوسط والمحافظة على الاتصال بمواقعها في إفريقيا. حالياً، هذه القواعد مشلولة لأن سوريا حظرت على الروس إجراء رحلات جوية في مجالها الجوي والإبحار في مياهها الإقليمية.
وهناك قلق إضافي، هو تسليح تركيا وتدريبها لجيش الجولاني الجهادي. معروف أن السعوديين يريدون هذا، ويفضل أن يفعلوا هذا بدلاً من الأتراك. تدعي إسرائيل بأن لا حاجة للإسراع وتسليح الجولان ورجاله، إذ لم تتضح نيتهم الحقيقية بعد.
في ضوء هذه التهديدات، تعتزم إسرائيل تصميم واقع جديد في المنطقة التي بجوار حدودها جنوبي دمشق. أعلنا رئيس الوزراء نتنياهو ووزير الدفاع كاتس بأن إسرائيل لن تسمح للنظام الجديد في سوريا بإنزال مسلحيه جنوبي دمشق أو أن يتجول رجال الجنوب الجهاديون السُنة مسلحين في الجولان السوري. في هذه المنطقة استحكامات عديدة، وفيها سلاح تركه الجيش السوري، قد تستخدمه جهات معادية لإسرائيل. وفضلاً عن التحذيرات التي أرسلت عبر قنوات مختلفة مباشرة إلى نظام دمشق، تسعى إسرائيل لخلق منظومة دفاعية من ثلاث مناطق أو مقاطع جغرافية.
المقطع القريب من إسرائيل هو منطقة الفصل، كما تقررت في اتفاقات فصل القوات في 1974، حيث تبقي إسرائيل حضوراً غير محدد زمنياً، بما في ذلك تاج جبل الشيخ السوري، الذي يسمح للرقابة على ما يجري في حوض دمشق والبقاع اللبناني. قاطع الفصل، بعرض متغير من بضعة كيلومترات، يمتد من قمة جبل الشيخ السوري حتى مثلث الحدود الأردن – سوريا – إسرائيل في الحمة.
توجد من خارج منطقة الفصل منطقة للحراسة، وفيها قرى سورية كثيرة، والجيش الإسرائيلي دخل إليها موضعياً ليمنع التسلح بمخزونات السلاح المتبقية هنا ووجود مسلحين قد يعرضون بلدات الحدود للخطر. القاطع يتيح رقابة وناراً لمسافات بعيدة.
ما وراء منطقة الحراسة “منطقة النفوذ”، التي تحاذي طريق دمشق – السويداء شرقاً (عاصمة الدروز، جبل الدروز). عرضها 65 كيلومتراً، وتتضمن تجمعات الدروز في جبل الدروز وعرباً سُنة معنيين بالعلاقة مع إسرائيل. عملياً، أصبحت المنطقة الدرزية حكماً ذاتياً في الحرب الأهلية، وإسرائيل تريد لها أن تبقى كذلك في المستقبل.
ترى إسرائيل في الإقليم الدرزي وسكانه عنصراً لها التزام تجاهه، بما في ذلك الحماية والتموين باحتياجات حيوية بحكم الالتزام بالطائفة الدرزية. لكن إسرائيل تفكر بالسماح –تجري محادثات في هذا الشأن الآن – لدروز السويداء بالعمل في البلاد.
عملياً، هذه المناطق الثلاث موجودة في هذه اللحظة؛ فالاستحكامات مقامة في منطقة الفصل، والجيش الإسرائيلي يقوم بأعمال دورية في منطقة الحراسة، وتجرى مع مجال النفوذ اتصالات في مستويات مختلفة من الكثافة. لكن كل شيء مفتوح في سوريا الآن، حتى الروس قلقون، بل ويتقاسمونه مع إسرائيل مؤخراً، عقب المعارك بين النظام والعلويين غربي سوريا. هذه المعارك تجري قرب القواعد الروسية، والكثير من العلويين يختبئون فيها.
في هذه اللحظة، لا نية لإسرائيل للتدخل، فما بالك والمواجهة بين النظام السُني الجهادي في دمشق والعلويين مؤيدي الأسد في منطقة الشاطئ، نشبت على خلفية نية العلويين التمرد على النظام الجديد، كما فعل السُنة ضد الأسد في حينه.
إسرائيل تراقب من الجانب، وتفرض أساساً من خلال سلاح الجو، ولا تخفي إرادتها في أن تصبح سوريا فيدرالية. في الماضي، نشر أن ترامب تحدث مع نتنياهو وطرح إمكانية سيطرة إسرائيلية على سوريا. لا نية كهذه لدى إسرائيل، لكن إسناد ترامب يسمح لوزير الدفاع ولرئيس الوزراء على الأقل محاولة تصميم واقع جديد مجرد من السلاح جنوبي دمشق في المنطقة المجاورة للحدود مع إسرائيل.