مقالات

“إسرائيل” تتدخّل في تحديد مستقبل سوريا!


“المدارنت”..

كان لافتاً تزامن الاعتداءات “الإسرائيلية” (الإرهابية الصهيونية) الأحدث على جنوب سوريا، وصولاً إلى نقاط قريبة من العاصمة دمشق، مع انعقاد مؤتمر الحوار الوطني في قصر الشعب، وهو المؤتمر الذي من المفترض أن يساهم في تحديد مستقبل الكيان السوري. وكأن حكومة نتانياهو المتطرفة تعلن بذلك نيتها في الحصول على حصة لها في تركة نظام الأسد.

فمن المعروف أن نظام الأسد قد لعب دور الحراسة لأمن الحدود الإسرائيلية منذ اتفاقية فض الاشتباك في العام 1974، وحين فقد هذا الدور بعد استجلابه للميليشيات الإيرانية، أثناء قمعه للثورة السورية، فقد حصانته أمام الطيران الإسرائيلي الذي لم يتوقف عن استهداف الأراضي السورية منذ العام 2012، وارتفعت وتيرة تلك الاستهدافات منذ عملية طوفان الأقصى في 7-10-2023.
أما بعد فرار بشار الأسد في 8-12-2024، فقد توغلت القوات الإسرائيلية داخل المنطقة منزوعة السلاح وضربت كل ما بقي من قدرات تسليحية لسوريا. وبلغت الوقاحة بنتانياهو أنه طلب إخلاء كل منطقة الجنوب السوري من القوات العسكرية، في سابقة خطيرة من التدخل في أمن دولة ذات سيادة. وفي ذلك محاولة لإذلال السوريين وإدارتهم الجديدة التي سيطرت على السلطة بعد سقوط نظام الأسد.

يحدث هذا في الوقت الذي تواجه فيه سوريا تحديات هائلة لا تقل عن إعادة تشكيل الكيان السوري دولةً ومجتمعاً واقتصاداً وسياسة وعلى جميع الأصعدة بلا استثناء، وإعادة تعريف سوريا بمعنى جديد يتجاوز به معنى «سوريا الأسد» بكل حمولته الفظيعة كنظام سلالي إجرامي استعماري و«أبدي» حبس السوريين في حاضر بلا مستقبل.
وكان أمل قطاعات واسعة من السوريين أن يشكل «مؤتمر الحوار الوطني» نوعاً من مؤتمر وطني تأسيسي يضع دستوراً عصرياً لسوريا يكون من شأنه تحديد العلاقة بين السلطة والمجتمع، وبين السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية المتمايزة والمستقلة، وشكل الدولة، ونظاماً لتداول السلطة كما يليق بجمهورية، وتنبثق منه قوانين لتنظيم الحياة السياسية، ويكرس الحريات العامة والفردية إلى آخر ما هنالك من أعمدة الدولة الديمقراطية الحديثة.
غير أن الطريقة التي تم بها تشكيل المؤتمر واللجنة التحضيرية التي دعت إليه كانت مخيبة للآمال، سواء بسبب الاستعجال أو عدم وضوح معايير المدعوين أو الفترة القصيرة جداً التي استغرقتها «أعمال» المؤتمر، وقبل كل ذلك إقصاء المكون الكردي ومقاطعة المكون الدرزي عبر تعبيراتهما السياسية المعروفة.
صحيح أن المؤتمر ليس السياق المناسب لتمثيل «المكونات» الاثنية أو الطائفية أو الجهوية، بيد أن هذه معطيات واقعية لا يمكن تجاوزها بدعوى التركيز على المواطنة المتساوية التي تحتاج سوريا إلى زمن يطول أو يقصر لتكريسها. فبهذا الإقصاء إنما يتعمق فقدان الثقة بدلاً من العمل على تعزيزها في الطريق نحو مفهوم المواطنة التي هي حلم لجميع السوريين ينبغي العمل على تحقيقه.
تزداد أهمية النقطة الأخيرة بالنظر إلى الشق الثاني من التصريحات الإسرائيلية التي رافقت قصفها لجنوب دمشق، عنيت به زعمها حماية الدروز في سوريا، وحديث وزير خارجية إسرائيل عن وجوب إقامة نظام فيدرالي يتضمن مناطق حكم ذاتي!
كان رد السوريين على هذه التصريحات الوقحة بتنظيم مظاهرات شعبية في مختلف المدن والبلدات رفضاً لها ولتوغل إسرائيل في الجنوب. على أهمية هذه المظاهرات لتعبيرها عن إرادة السوريين فهي غير كافية وحدها، بل يكون الرد الحاسم على وقاحة إسرائيل من خلال دولة تحتضن كل مواطنيها، لا تستبعد أحداً بصرف النظر عن انتماءاته الصغرى، دولة تعترف بتعددية المجتمع القومية والدينية والمذهبية والثقافية وتكون على مسافة واحدة منها جميعاً.

والحال أن موضوع المكون الكردي أكثر تعقيداً من مجرد التمثيل أو الإقصاء من مؤتمر الحوار الوطني، إذ تتقاطع فيه مشكلات وجود فصيل مسلح (قسد) يسيطر على نحو ربع الأراضي السورية بما فيها من ثروات نفط وزراعة، وتداخل إقليمي مع تركيا، وأحزاب سياسية كردية من خارج قسد.
وثمة مفاوضات بين قسد والإدارة في دمشق لتفكيك هذه العقدة بالطرق السلمية، لم تصل إلى نتائج نهائية بعد لارتباطها بمشكلة تركيا الكردية التي من المفترض أن هناك مسعى لحلها سياسياً يتقدم ببطء، إضافة إلى وجود فاعلَين دوليين هما واشنطن وباريس. ولم تحدد إدارة ترامب إلى الآن سياسة واضحة تجاه سوريا من شأنها أن تؤثر على التفاعلات الإقليمية والمحلية.

بصورة معاكسة على طول الخط لسوريا في ظل النظام المخلوع، حفلت الأسابيع الماضية بانفتاح دبلوماسي على الإدارة الجديدة عربياً وإقليمياً ودولياً، وكأن كل التحفظات على الماضي الجهادي للفريق الحاكم قد انهارت.
الآن يبدو أن هذا الزخم سيبدأ بالانحسار وكأنه لم يتجاوز جانبه الإعلامي. ذلك أن كل النوايا الطيبة التي عبرت عنها الدول التي دخلت في علاقة تماس مع الإدارة الجديدة لم تترجم بعد إلى وقائع، وكأنها جميعاً بانتظار تحول «الأقوال إلى أفعال» أي مضي السلطة في عملية سياسية تتسق مع مطالب تلك الدول. وهذا ما بدأت السلطة به، بطريقتها، من خلال عقد المؤتمر المذكور، ومن المتوقع أن يليه تشكيل حكومة انتقالية تكون بـ«تمثيل شامل» في الأول من شهر آذار/مارس. عسى أن يتم تلافي الصورة المنقوصة التي ظهر فيها المؤتمر.

المصدر بكر صدقي/”القدس العربي”
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى