“إسرائيل” ليست جمعية خيرية لـ«حماية الأقليات»؟!
“المدارنت”..
تحدثت صحيفة «هآرتس» العبرية، في مقال نشرته مؤخرًا، عن اتصالات تلقتها من أشخاص سوريّين يطالبون فيها بحماية “إسرائيل” لهم من سلطات الإدارة الجديدة بعد سقوط نظام بشار الأسد.
زوّد فادي وسّوف، الذي قال إنه «رئيس منظمة المراقب السوري لحقوق الأقليات»، إضافة إلى كونه «رئيس حزب استقلال ساحل سوريا»، الصحيفة ببعض الشرائط التي يظهر أحدها مسلحين من الفصائل التي أسقطت النظام في مدينة جبلة الساحلية، حيث يستمع حشد من الناس لخطبة تقول إن عيونهم ستكون موجهة إلى دمشق وإلى غزة، داعيا من الله أن تعود القدس إلى المسلمين.
نسبت الصحيفة أيضا إلى من عرفته بـ”علوي من جبلة”، الطلب من “إسرائيل مساعدة الأقلية العلوية”، واعدا “الإسرائيليين أن ملايين” من أبناء الطائفة «سيقفون الى جانبكم. وبحاجة لحمايتكم، لأن الإرهابيين الذين يسيطرون على دمشق سيهاجمون “إسرائيل” ذات يوم».
نشرت وسائل التواصل الاجتماعي بعد ذلك، بيانا أصدره وسّوف نفسه، قال فيه إنه سيعلن «استقلال ساحل سوريا»، وأن السلطة الناشئة ستكون «أول دولة في العالم تقوم بحلّ المساجد، وأنها ستقوم بـ”تغيير كل تشريعاتنا وقوانيننا لكي تتناسب مع قوانين الاتحاد الأوروبي”، وتضمن الإعلان صورة تظهر حدود «دولة الساحل السوري» التي سيُعلن المذكور عن استقلالها.
وكانت وسائل الإعلام، قد نشرت قبلها لشخص يدعى صالح منصور، وقدمته باعتباره أحد قيادات العلويّين في الساحل السوري، يؤكد استعداده للتعاون مع أي جهة خارجية لوقف «استمرار قتل أبناء الطائفة العلوية».
جاءت ردود كثيرة بعدها، من شخصيات ثقافية وإعلامية مرموقة عرّفت عن نفسها باعتبارها من الطائفة العلوية، وقالت إنها ترفض هذه الدعوات وأن حماية السوريّين هي مسؤولية السوريين أنفسهم.
تأتي مقالة الصحيفة العبرية، ودعوات الحماية من “إسرائيل”، بعد تصريحات تكررت لوزير خارجية “إسرائيل” جدعون ساعر، عن رغبة الدولة العبرية بـ»حماية الأقليات» في سوريا، وتزامنها مع خبر الاتصال الذي أجرته إلهام أحمد، القيادية في «الوحدات الكردية» في سوريا التابعة لـ”حزب العمال الكردستاني” التركي (pkk)، التي طلبت علنا مساعدة “إسرائيل” في مواجهة الإدارة الجديدة في دمشق، وكذلك مع ما ذكرته صحف إسرائيلية عن رغبة إسرائيل في تنظيم مؤتمر دولي يبحث تقسيم سوريا إلى كانتونات، ومع التحركات العدوانية “الإسرائيلية” التي شملت ضرب البنى التحتية للجيش، والتوغّل المستمر في أراضي سوريا، وتوسيع «المنطقة العازلة».
كشف هروب الأسد في 8 كانون أول/ديسمبر الماضي فجأة عن دولة متهالكة، وبلاد مدمرة، وسيادة منتهكة، ومئات آلاف القتلى، والمقابر الجماعية والسجون، وملايين اللاجئين، واستلمت الإدارة السورية الجديدة هذا الإرث الرهيب لشعب بحاجة إلى إسعاف عاجل، ولمخاطر أمنية كبيرة، ولكنها قدّمت، في الوقت نفسه، إمكانيات لحل للاستعصاء الكبير الذي مثّله النظام، داخليا، وعربيا، وعالميا، فأسهمت في فتح المجال لآفاق تغيير في لبنان، وأعادت النقاش مجددا عن الخواتم الكارثية للاستبداد.
رحّب العالم، عبر الأمم المتحدة، وبعض الدول الغربية النافذة بالفرصة الجديدة، وهرعت بعض الدول العربية، وعلى رأسها قطر والسعودية، إلى محاولة تطويق التهديد “الإسرائيلي”، والإسهام في حلّ بعض الضرورات القصوى المتعلقة بالمعيشة والخبز والبنى التحتية للمواصلات، كما نددت مجمل الدول العربية بالتهديدات “الإسرائيلية” للمرحلة الانتقالية في سوريا.
اندفع مئات آلاف السوريين عائدين إلى بلدهم، وازدهرت في كل مكان ورش الأحزاب السياسية، والنقاشات العامة، والفعاليات، لكن المشكلات الملحة للعدالة الانتقالية، والسلم الأهلي، وانتقاص السيادة، والمشكلات الأمنية ظلت ملحة.
تمثّل طلبات الحماية من “إسرائيل”، انعكاسا لمنزع أصيل في «الوعي الأسديّ» للعالم، والذي يتنقّل، لو احتاج الأمر للحفاظ على الكرسي والامتيازات، من حماية إيران وروسيا إلى “إسرائيل”.
يحاول الداعون إلى حماية “إسرائيلية”، المزاودة على الدولة اليهودية في الفاشية الثقافية، ورغبات الإبادة، عبر ربط الفلسطينيين والإدارة السورية الجديدة، وكذلك مغازلة اليمين المتطرّف الغربي بالحديث عن «اعتماد القوانين الأوروبية» و»حل المساجد».
تتجاهل هذه الدعوات طبعا أن “إسرائيل”، ليست جمعية خيرية، وأن مقاصد مسؤوليها واضحة من السعي لخلق كيانات متقاتلة على أسس طائفية ودينية وإثنية، بدلا من صعود دولة مدنية تمثّل كل مواطنيها.