ابتزاز سياسي بغطاء إنساني.. بين التهجير وإخراج “حماس”!
“المدارنت”..
ألقى يوسف العتيبة، سفير الإمارات في واشنطن، أول من أمس، الخميس، تصريحات خطيرة خلال مداخلة له في «القمة العالمية للحكومات» في دبي، قال فيها صراحة إن بلاده «لا ترى بديلا لخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن غزة حتى الآن» واصفا إياها بأنها «صعبة» ولكن «لا وجود لخيارات أخرى».
خطة ترامب المقصودة تتمثّل طبعا بتصريحاته المتكررة حول ضرورة إفراغ غزة من سكانها الذين يقارب عددهم المليونين وأربعمئة ألف نسمة، وتهجيرهم إلى مصر والأردن المجاورتين، واستيلاء الولايات المتحدة الأمريكية على القطاع الذي سيعاد تطويره ليتحوّل إلى «ريفييرا» الشرق الأوسط!
كان لافتا، تعليق رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، بوريس جونسون (والمعروف بمواقفه المؤيدة لإسرائيل)، في الفعالية نفسها التي حضرها العتيبة، والذي اقترح ساخرا «نقل سكان غزة الى مزرعة ترامب في فلوريدا» لأنها «مكان رائع جدا إذا كنت تريد توطين ملايين الأشخاص هناك».
في المقابل، ورغم الاحتفاء الإسرائيلي بتصريحات ترامب، فإن زعيم المعارضة، يائير لابيد، قال إنه لم يفهم تفاصيل ما سمّاه «قنبلة ترامب بشأن غزة» فيما أفاد رئيس الوزراء الأسبق، ايهود باراك، أنه لا يؤيد الحديث عن الأوهام، معتبرا التصريحات «محاولة لهزّ الحكام العرب لإجبارهم على طريقة عملية للتدخل فيما يحدث في غزة»
تعاطت الدول العربية بجدية مع هذه التهديدات، فزار الملك الأردني عبد الله الثاني واشنطن والتقى ترامب، وبحث الزعيمان، حسب بيان «البيت الأبيض» «هدف الرئيس (ترامب) المتمثل في إعادة إعمار غزة بشكل جميل بعد انتهاء الصراع، وتوفير خيارات لسكان غزة تضمن لهم العيش بأمان وكرامة، بعيدا عن استبداد حماس»، فيما أكد العاهل الأردني في تغريدات على موقع «إكس»، أنه أوضح للرئيس الأمريكي «موقف بلاده الثابت ضد تهجير الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية».
من جهة أخرى، سرّبت مصادر أمنية مصرية أن الرئيس المصريّ عبد الفتاح السيسي لن يسافر الى واشنطن، إذا كان جدول الأعمال يشمل تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، وأكد السيسي وعبد الله الثاني، بعد ذلك توافق بلديهما على ضرورة «إعادة إعمار غزة بشكل فوري»، مع التأكيد على التعاون مع أمريكا «لتحقيق السلام الدائم وفق حلّ الدولتين»، فيما أكدت الخارجية المصرية (12 شباط/فبراير) التزام القاهرة بـ”بقاء الفلسطينيين في أراضيهم”، مع تأكيد ضرورة «إنهاء الاحتلال الإسرائيلي وتنفيذ حل الدولتين».
حسب تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، فإن الرد المصريّ على «خطة ترامب»، يؤكد على بقاء الغزّيين في القطاع، وتشكيل «لجنة خبراء فنّيين من مختلف أنحاء غزة» لإدارة القطاع، وتولي «قوات فلسطينية تدربها دول عربية مهمة حفظ الأمن»، و«الحصول على مصادر تمويل عامة وخاصة، وعقد مؤتمر للمانحين»، و«اعتماد خطة لإعادة الإعمار تركز في مرحلتها الأولى على استعادة الخدمات الأساسية وتوفير المأوى للسكان».
وراء الواقع الموازي الذي تصدر عنه تصريحات ترامب، والتعبيرات الديبلوماسية العربية المواربة، الأكيد أن «مطابخ» السياسة، في أمريكا وإسرائيل والدول العربية، تحاول الهبوط من المطالب الجنونية لترامب، وتركز على التعاطي مع قضية وجود «حماس»، وهو ما يمكن استشفافه من تصريح أحمد أبو الغيط، الأمين العام للجامعة العربية، الذي قال إنه «إذا كان من مصلحة الفلسطينيين أن تتنحى حماس فلتفعل ذلك»، وهو ما لقي تأييدا من أنور قرقاش، المستشار الديبلوماسي للرئيس الإماراتي محمد بن زايد، معتبرا أن على الحركة «تقديم مصلحة الشعب الفلسطيني على مصلحتها الخاصة»، «خاصة في ظل الدعوات لتهجير الفلسطينيين».
الخيار، حسب قرقاش إذن (وهو مستشار لرئيس الإمارات)، هو بين «تهجير الفلسطينيين» أو «تنحّي حماس» أي أن التهديد بـ”ريفييرا الشرق الأوسط” مقصوده إخراج «حماس» من المعادلة، متجاهلا أن حماس وكوادرها فلسطينيون، وهذه أرضهم، أما فكرة المقاومة (سواء كانت تحت اسم حماس أو غيرها) فمن المرجح استمرارها طالما يوجد احتلال.
أما بالنسبة للعتيبة، الذي لا يرى بديلا عن حلّ ترامب الداعي للتطهير العرقي لأهالي غزة (وعلى الأغلب التطهير العرقي لأهالي الضفة الغربية لاحقا)، فنأمل أن يسهم بإيجاد هذا البديل الذي يتضمن إعادة الإعمار من دون طرد الغزيين من أرضهم.