مقالات

الإسلام منهج قوام البشرية.. أصل التكافل والتضامن.. الجزء (9) والأخير.

أديب الحاج عمر/ لبنان

“المدارنت”..
التعاون ظاهرة مُحببة من ظواهر الروح الجماعية الاجتماعية، التي نمّاها الإسلام داخل قلوب الأفراد، وفرضها في الحياة العملية وفي المعاملات ايضا، فالمسلم مطالب بتحقيق هذا الأصل، وهذا المبدأ مع من يتعامل معهم، لأن ذلك مرتبط بدائرة تكامل العمل بين عناصره التي ستؤدي، حتما، إلى نوعية الإنتاج وجودته.
فالتعاون وسيلة تحقيق أهداف العمل. لقوله تعالى: “… وتعاونوا على البرّ والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان….” المائدة/2، وهكذا، تظهر الآية الكريمة عناصر قيام أصل التكافل والتضامن في العمل، ويتمثلان: بـ”البرّ والتقوى”، هذان العنصران اللذان يحددان ملامح شخصية الإنسان الإنساني المسلم.
انطلاقا من ضرورة تحقق اصل التكافل والتضامن بين أفراد المجتمع (إسلامي وغير اسلامي). يدعو الإسلام إلى إقامة مبدأ الولاية بين المؤمنين استنادا عل اصل التكافل والتضامن. لقوله تعالى: “والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض….” التوبة/71، وتعني الولاية إلى بناء علاقات محمودة تقوم على النصح والتعاون المتبادل، إضافة إلى تحمل المسؤولية المتبادلة، لقوله تعالى:
“انما المؤمنون اخوة “الحجرات/10، كما ويصفهم الرسول (ص) في تكافلهم وتضامنهم كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا، فاصل التكافل والتضامن ليس علاجا لأزمة اجتماعية، أو وقاية من ثورة الفقراء التي تهدد الاغنياء، ولكنه صفة موضوعية من صفات المجتمع الصالح، وهذا دليل ما بينه ابن الخطاب: “إني حريص على أن لا ادع حاجة إلا سددتها ما اتسع بعضنا لبعض، فإذا عجزنا
تاسينا في عيشنا حتي تستوي في الكفاية”.. (ص/ 149، من كتاب “المجتمع الاسلامي”، /جمال الدين محمود).
فالتكافل والتضامن من الأصول التي ينبغي تحققها في المجتمع وفي أي مؤسسة أو ادارة، والسبب في ذلك، هو الضرورة والواجب في إلتزام كل فرد قادر أن يعين كل محتاج، ماديا أو معنويا، ما دام يكونان معا مجتمعهما. فالتكافل لهو اصل أوسع وأشمل واثبت من مفهوم التعاون، إذ به (التكافل) تتحقق مصالح المجتمع، أفرادًا وجماعات، بكل أنواعه واطرافه، المدنية منها والدينية، بلا مقابل ولا شرط، بينما التعاون يجسد النفع بيت طرفيه. لذلك نجد كل عمل منتج وعلى درجة من الجودة العالية، إنما يقوم على تجانس العمل الفريقي الأسلوب مترابط متواصل.

التكافل والتضامن مظلة تشمل جميع انواع الرعاية والخدمات الاجتماعية، إضافة للضمانات الصحية والاقتصادية والأمنية، وما إلى ذلك …
فالتكافل والتضامن في التشريع الإسلامي، ما هو الا تنظيم مقونن لأي حال من الأحوال، المالية أو الاجتماعية أو الدينية أو الثقافية او الإدارية.. حيث يعمل لتهيئة سبل عيش كريم، لجميع أفراد الامة الذين يتظللون مظلة دولة الإسلام، والمقصود أي دولة آخذة بالتشريع الاسلامي.
ينطلق اصل التكافل والتضامن من مبادئ متداخلة المعنى والأهداف، وعلى أسس من التعاون والتضامن، والتآزر والتآخي، والتراحم والتودد، حيث تصبّ الغاية والأهداف مَصبّ صون كرامة الإنسان الفرد، ثم تلبية احتياجاته الضروري، إضافة لحفظ حقوقه الأساسية.
فالمسؤولية عامة، وايضا موزعة على جميع عناصر المجتمع، من الفرد إلى الجماعات ثم إلى الدولة، يعني أن المسؤولية هي ايضا تكافلية تكاملية، وليست تكافلية خاصة لا تخرج عن إطار نفس وذاتية الفرد، إنما هي مسؤولية عامة تعم المجتمع، والإدارة، ثم الامة، فالكل مسؤول ومن مظاهر تلك المسؤوليات التكافلية نذكر:
تكافل الفرد مع نفسه اولا، يعني ضرورة العمل والسعي اليه، ثم واجب إتقانه. لقوله تعالى: “فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله…”.. الجمعة/10، ومن جهة ثانية فقد أثنى (جلّ شأنه) على طالبي الرزق والمجاهدين في سبيل الله: “… وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبل الله….”، المزمل/20، كما ويبين الله تعالى أمره في النهي عن الشهوات والنزوات، عن طريق تحقق تزكية النفس وتطهيرها: “فاما من طغى وأثر الحياة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى…”، النازعات/37 — 41.
وهكذا يتبين أن اصل التكافل يفرض على الفرد واجب رعاية الآخرين، والتعاون معهم على الخير، ثم السعي لسد حاجاتهم وحل مشاكلهم، المادية والمعنوية، امتثالا بامر الله وتنفيذا لوصاياه.
وجراء تحقق ذلك، يسمو المجتمع ويرفعه عن مجرد المشاركة المادية، إنما في ذلك تحقق الإنسانية العليا بكل أبعادها ومعانيها، العملية والعلمية.
يتمثل اصل التكافل، بنوعيه، المادي والمعنوي، ويتمثل المادي بالصدقة والزكاة: “.. خذ من أموالهم صدقة….”، التوبة/103.
“.. إنما الصدقات للفقراء والمساكين… فريضة من الله والله عليم حكيم” التوبة/60.
اما التكافل المعنوي، فيتمثل في صورة الولاية المتبادلة، كحق النصيحة، وحق العلم، وحق الجوار.. لأن التكافل قد تاأسس على قاعدة الاخوة الإنسانية، ولم يكن نتيجة لظروف فرضت نفسها على المجتمع، إنما اصل التكافل وليد شر يتهدد الأسرة والمجتمع والدولة، يعني أنه وقاية علاجية لخطر متوقع. فالمسؤولية التكافلية واجبة في الاسلام، الذي يريد بناء جماعة أو أمة قوية متماسكة، تتمحور حول مفهوم الأسرة الواحدة، يحنو قويها على ضعيفها، وكبيرها يرحم صغيرها، وغنيها يكفي فقيرها.
وهذا ما ورد عن الرسول (ص): “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى..”، مسلم/ 6751.

إن التراث الإسلامي، لهو مليء بالنصوص المؤكدة على مسؤولية التكافل والتضامن، وإرساء قواعده المتمثلة في بث روح الأمن في النفوس، ثم حفظ الحدود والكرامات، وإقامة العدل والمساواة، وتحقيق حق العلم والمعرفة، أي تحقق الرعاية الشاملة العامة، لجميع أفراد المجتمع والامة.
من تلك النصوص، نذكر مما جاء بخطبة ابن الخطاب في معنى الولاية وابعادها الإنسانية “ألا وأني لم أبعثكم أمراء ولا جبارين، ولكن بعثتكم أئمة هدى يُهتدى بكم، فاجروا على المسلمين حقوقهم، ولا تضربوهم فتذلوهم، ولا تحمدوهم فتفتنوهم، ولا تغلقوا الأبواب دونهم، فياكل قويهم ضعيفهم، ولا تستأثروا عليهم فتظلموهم، ولا تجهلوا عليهم….”، كتاب: (الرعاية الاجتماعية في الاسلام) ص/ 505 (عمر الشيباني).
هذه صورة إنسانية أخرى لأبي بكر الصديق، الذي أوصى قائد جيشه — أسامة بن زيد بن حارثة-
لقتال الروم: “لا تخونوا، ولا تغدروا، ولا تفعلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا طفلا، ولا شيخا كبيرا، ولا امراة، ولا تعقروا نخلا ولا تحرقوه، ولا تقطعوا شجرة مثمرة، ولا تذبحوا شاة ولا بقرة ولا بعيرا….”، كتاب: (تاريخ الاسلام) ص/125، حسن إبراهيم.
مع النهاية، نؤكد أن الأصول والقواعد والمفاهيم تبقى هي هي، ولا تتغير، وعليه نذهب قولا أن الإسلام براء مما يقوم به وينفذوه أولئك المتأسلمون الذين من خلفهم مسؤولون متسترون، على كافة المستويات العلمية والعملية، والدينية والمدنية، فقد هدّوا الأصول والمبادئ، وبعثروا القيم والفضائل.
إننا نحيا عصر الظلمات، عصر التفاهة، والاشد نفاقًا، عصر لم يعهده التاريخ من قبل، لهو الأسوأ بشهادة التاريخ نفسه.

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى