الإسلام منهج قَوام البشرية.. أصل الشورى/ الجزء (4)
خاص المدارنت”..
نظهر، بداية، الأهمية البالغة لهذا الأصل في التشريع الإسلامي، لقد أفرد القرآن العظيم سورة كاملة باسمه، ثم ذكره في أكثر من موقع داخل النصّ القرآني. وهذا قوله تعالى: “…فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر….”ال عمران/159″ …. وأمرهم شورى بينهم….” الشورى/38. انطلاقا من النص القرآني تذهب البداهة بنا، إلى أن لا قيام لامة، ولا لدولة، ولا لوطن، ولا لمؤسسة، إلا إذا كانت متماسكة البنيان والقواعد، واننا لا نحسّ ولا نشعر بهذا التماسك وهذا التضامن، إلا إذا أدركنا وفهمنا كيف يُدار وكيف يًوجه، وكيف تتصرف سلطة الإدارة العامة، لكل مكوٌن ذكر.
هذه الإدارة التي تقوم على أمور تنظيمها، وتشرف وتراقب وتوجه على العاملين والموظفين والمنفذين لمخطط قد حددته تلك الإدارة ورسمت سبل تحقق أهداف تلك المكونات، فالمنظومة الإدارية وما تهدف اليه من بناء حضاري تكويني، وما تمثله من مجتمعات إنسانية، ليست مجرد أفراد، لكل فرد منهم جهده المستقل، وسعيه المنفصل، وهدفه المختلف، إنما هي أفراد جماعية اجتماعية، تعمل معا كفريق بصورة واحد، حيث تظهر مؤكدة أهمية التعاون من خلال موقف واحد في حكم وإدارة المجتمع،،مهما تنوعت الأعمال والأهداف التي تطال كافة الشؤون الحياتية اليومية، للفرد والجماعة، والامة. وهنا تبرز تصور رسول الله (ص) لهذا التماسك الواجب في الاسلام: “مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد…..”، وايضا: “المؤمن للمؤمن كالبنيان المرصوص، يشد بعضه بعضا”.
وهكذا، صوًر الاسلام، أفراد الامة، وما دون، انهم اخوة متعاونون متضامنون متماسكون، متناصحون متازرون، فلا يستعلي احدهم على الاخر،ولا يستكبر، كما لا يظلم أحدهم الآخر ولا يحسده، فالعطاء عطاء الله، رزقا أو منفعة اوصحة، وهذا هو سبيل التاخي في الاسلام حيث يقوم على إقرار مبدأ واصل الشورى وإظهارها من خلال تحقق أمر المشاركة، العملية والفعلية، في الرأي والمواقف. ولهذا تتحقق الاهداف وتنتج الاعمال، جرًاء إيثار الأفراد وتناصحهم، والتي بها تتكامل عناصر العمل بين الافراد، فينجحون ويتقدمون، ويقدمون أفضل الإنتاج والمحصول، وقوام إتمام ذلك هو الاخلاص الذاتي والشعور العام بالوجودية. وأساس وفاء التنفيذ متمثل في جماعية الرأي المتبادل والجهد المتكامل، وهذا الأمر يظهر ما لاصل الشورى من الأهمية البالغة في تحقيق الأهداف والإنتاجية المرجوة وأفضلها، على كافة الصعد والمستويات الحياتية، للامة وما دون. لقوله تعالى: “قالت يا أيها الملأ افتوني في أمري ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون” النمل/32، “… يا أيها الملأ افتوني في رؤياي أن كنتم للرؤيا تعبرون”. يوسف/43… ” واشركه في امري” طه/32.
أن صفة اصل الشورى لهي صفة تلازم المؤمنين المستجيبين للتشريع الاسلامي، كما أن هدمه هدم لكل بناء يقوم على أسس من التفاعل والتعامل وكل ما يقوم على فعل الروابط والعلاقات بين بني البشر، من الأسرة والمجتمع والامة… من حيث البعد العلائقي في شمولية الأمور الحياتية. والتي تلامس قواعد البناء والتكوين لاي مؤسسة كانت. ولهذا فقد جعل الإسلام اصل الشورى من الدعائم الأساسية لنظام حكمه، وتعني مشورة أهل الرأي والحكمة والعلم، فيما لم يرد فيه نصّ قطعي. كما وبين التشريع الإسلامي واجب الضرورة في تحققه، من أجل ثوابت التنظيم والتكوين لروابط إيجابية ومواثيق مخلصة لين الحاكم والمحكوم، أساسها الثقة والإخلاص والمودة والعهد الحق.
كما ويظهر إلزامية والتأكيد العملي على تحقق اصل الشورى في التفاعل الاجتماعي العام في البناء السليم والتفاعل الصحيح، حيث القاعدة السليمة تبين أن في اجتماع الآراء وتعددها، تمكٍن الاختيار الأصلح والاصح بينها.
وهكذا فقد أكدت النصوص القرآنية على أهمية المشورة ووجوبها، حتى مع احتمال وقوع الخطأ أحيانا. فالمشورة واجبة وأن تعددت الاراء، وهي اصل خير، اصل أفضل بكثير من الاستبداد في فيما يتعلق بمصالح الناس، لهي ضرورية كثيرا، في يومنا هذا، لأن الحاجة له لهي الاعظم والابلغ مما سبق من العصور والأزمان. والتاريخ يشهد ما لاصل الشورى من تمثيل في أول العهد بدولة المدينة المنورة لحديث رسول الله (ص): “.. اشيروا عليً أيها الناس”. وهذا دليل حرص الرسول (ص) الشديد على تطبيق اصل الشورى في كافة المؤسسات الاجتماعية الحياتية، مدنية ودينية.
أن كلمة شورى، تعني طلب الرأي واستظهاره واستطلاعه، من الغير أو الاخر، من أجل التوصل إلى أقرب الأمور إلى الحق والحكمة. أن فكرة الشورى لهي أوسع وأشمل من مجرد نظام سياسي فحسب، إنما هي طريقة حياة اجتماعية كاملة متكاملة، فهي نظام حياة، ينبغي أن يتحقق في كافة أمور الناس جميعا، وفي جميع الأمور المتعلقة بالمصالح العامة، أيا كانت الجهة، أو المؤسسة، أو أهلية الخاضعة لهذا الأصل.
لقد عمل الرسول (ص) بهذا الأصل وامر الأخذ به وتحقيقه، لأسباب إيجابية وهي:
1/ استمالة قلوب من تأخذ مشورتهم وتطيب نفوسهم.
2/ خلط الآراء ثم استخلاص الأصلح بعد استقرار الرأي الصحيح ثم العمل به.
3/ بيان ما يتضمنه من نفع عام لتحقيق المصلحة العامة.
4/ الاقتداء برسول الله(ص) كما جاء بالنص القطعي. ومن جهة اخرى، تبيان الحاجة الضرورية لاصل الشورى من خلال: تدبير العمل وإتقان أساليبه التطبيقية، من تعاليم وقوانين ومعارف، ثانيا_ خوف وقوع الخطأ في التقدير، و قبول الآخر تصحيحا وتسديدا،.
ثالثا_ بيان المشاعر المتبادلة، حبا أو كرها، رابعا_ ستر وجوه الرأي والرؤية، فلربما يكون المستشار، محدد بعينه،او شريكا، او منفذا، فمشورته دعوة للتالف وانماء الثقة من أجل تحقق الاهداف.
بهذه الأمور كلها، يتضح لأهل السياسة خاصة، ولأهل المسؤولية عموما، أهمية اصل الشورى في التشريع الإسلامي، ثم بيان ما له من أثر بالغ في بناء إيجابيات العلاقات والروابط بين الناس في أعمالهم، ثم شد وربط وتقوية العلائق في ما بينهم، انطلاقا من اشراكهم الرأي في وضع الخطط، والأساليب، والاهداف، ثم توفق العمل على تحقيقها.
وتجدر الاشارة، إلى أن اصل الشورى، لا تنفي ولا تمنع حق المعارضة أو الرفض، لأن جوهره نابع من مشاركة الآخرين آراءهم، مع لزوم الاستماع لهم، فلربما فيه الإقناع والصواب، رغم أنه مخالف ومعارض، برأي الرئيس أو الحاكم.. فحق المعارضة، حق مقدس في التشريع الإسلامي، إذ أن هذا التعارض يأخذك إلى حق تبادل الولاية،أو المسؤولية، ولا تعني اغتصاب السلطة والحلول محلها. لقوله تعالى: “.. والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة…”، التوبة/71. فحق المعارضة في التشريع الإسلامي، أفضل واشرف غاية من مجرد العمل ،للوصول إلى سلطة قائمة،
بشتى الوسائل التخريبية العدوانية الهدامة، لأن عناصر تحقق المعارضة، غاية ومقصدا، إنما تستند وتقوم على وسائلها، وهذا يعني أن التشريع الإسلامي يناقض ويخالف، قاعدة: الغاية تبرر الوسيلة. فالحق في ذلك، إنما يعني عدم استخدام وسائل المواربة، أو الكذب، أو التآمر، أو الرغبة فى الإساءة. إذ جلّ ما نصبو إليه ترسيخ مبادئ العلاقات الإنسانية الطيبة العامة، والتي يحث على تطبيقها التشريع الإسلامي في منهجه القويم، على كافة المستويات الحياتية، فردا ،جماعة، مؤسسات بلدانا وامما.
(يتبع)