مقالات

الإسلام.. وأهل الكتاب!

الشيخ د. حسان محيي الدين/ لبنان

“المدارنت”..
تتعالى الأصوات اليوم، وفق التغيرات الإقليمية والإيديولوجية والديموغرافية، بدءاً من سوريا الحديثة، وإنتقالاً إلى دول الجوار، كالعراق ولبنان وفلسطين، تنادي بحماية الأقليات، وهي تعني بالأساس أهل الكتاب وبالخصوص (المسيحيون في الشرق الأوسط). فكان لا بد من توضيح فكري، وتبيان ديني عقائدي لنظرية وتطبيق الشريعة الإسلامية، في المعاملة مع أهل الكتاب وخصوصاً المسيحيين.
إن المجتمع الإسلامي، إتخذ الإسلام، منهاجاً لحياته ومصدراً لتشريعه وتوجيهه في كل شؤون الحياة، وكل الذين يدينون بالإسلام، يعيشون في هذا المجتمع الإسلامي، راضين بأحكام الإسلام ، مطبقين لشريعته، خاضعين لدستوره باستثناء البعض من دعاة العلمانية والإلحاد والمثلية.
ولكن ذلك لا يعني أن المجتمع المسلم، يحكم بالإقصاء على جميع العناصر التي تعيش في داخله وتدين بدينٍ آخر غير الإسلام، لأنه يقيم علاقة طيبة بين أبنائه المسلمين وبين مواطنيه من غير المسلمين على أسس وطيدة من التسامح والعدالة والبر والرحمة والمودة، وهي أسس لم تعرفها البشرية من قبل….
وأساس هذه العلاقة مع غير المسلمين، قوله جلّ وعلا:
“لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8)* إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَىٰ إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ ۚ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (9)”.

ولأهل الكتاب من بين غير المسلمين، منزلة خاصة في المعاملة والتشريع، والمراد بأهل الكتاب من قام دينهم في الأصل على كتاب سماوي، وإن حُرِّف وبُدِّل فيما بعد. فالقرآن ينهى عن مجادلتهم إلا بالحسنى، حتى لا يوقد الجدل نار العصبية والبغضاء في القلوب.
والإسلام، يبيح مؤاكلة أهل الكتاب والأكل من ذبائحهم، كما أباح مصاهرتهم والتزوج من نسائهم المحصنات العفيفات، وهذا في الواقع تسامح كبير من الإسلام.
لقد جرى تسمية المواطنين من غير المسلمين في المجتمع الإسلامي بـ(أهل الذمة) أو (الذميين)، والذمة كلمة تعني العهد والضمان والأمان، لأنه عهد من الله ورسوله والمسلمين، ليعيشوا في حماية الإسلام آمنين مطمئنين، وهذه الذمة تشبه في عصرنا (الجنسية السياسية) التي تعطيها الدولة لرعاياها. وعقد الذمة عقد مؤبد يتضمن إقرار غير المسلمين على دينهم، وتتعهد بحماية الحكم الإسلامي بشرط دفع الجزية كنفعٍ عام لهم على حمايتهم ورعايتهم وحقوقهم،،وعليهم الإلتزام بأحكام القانون الإسلامي في غير الشؤون الدينية، كما أن لهم حقوق نوجزها كالتالي:
1/ حق الحماية من كل ظلم أو عدوان خارجي أو اعتداء داخلي،
2/ حماية الأبدان والدماء والأنفس فعن النبي عليه الصلاة والسلام (من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة)،
3/ حماية الأموال والأعراض، وخير ما ورد في ذلك ما أعطاه النبي عليه الصلاة والسلام لأهل نجران من عهد (ولنجران وحاشيتها جوار الله وذمة محمد النبي على أموالهم وملتهم وبيعهم…)، وعرض الذكي كعرض المسلم لا يسبّه ولا يشتمه ولا يتهمه بالباطل.
4/ التأمين عند العجز والشيخوخة والفقر.. منه ما كتب خالد بن الوليد، لأهل الحيرة بالعراق، وكانوا نصارى (وجعلت لهم، أيما شيخ ضعف عن العمل أو أصابته آفة أو افتقر، طرحت عنه الجزية وفرضت له ولعياله كسائر المسلمين)،
وكفرض الفاروق عمر للشيخ اليهودي المتسول راتباً شهرياً من بيت المال .
5/ حرية التدين، فالإسلام يحمي حرية الإعتقاد والتدين، وأساس ذلك قوله تعالى”لا إكراه في الدين”، وقوله جلّ وعلا: “أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين”.
6/ حرية العمل والكسب بالتعاقد معهم أو بحرية التجارة والملكة الإقتصادية فيما بين أيديهم، ويمنع عليهم الإتجار بالمحرمات كحانات الخمر وبيعه ولحم الخنزير وما حُرِّم في الإسلام كالربى.
يقول المؤرخ د. آدم ميتز: “لم يكن التشريع الإسلامي يغلق دون أهل الذمة أي باب من أبواب الأعمال، وكانت قدمهم راسخة في الصنائع التي تدر الأرباح الوافرة، فكانوا صيارفة وتجاراً وأصحاب مزارع ومعامل وأطباء”، وللعلم كان للنصارى دور فعال في الخلافة العباسية من خلال توزير العلماء والمفكرين منهم.
كما أن لأهل الذمة الحق في تولي وظائف الدولة كالمسلمين، إلا ما غلب عليه الصبغة الدينية، كالإمامة ورئاسة الدولة والقيادة في الجيش والقضاء والولاية.
لم يكن الإسلام يوماً، سيفاً مسلطاً على رقاب أهل الذمة، أوجب عليهم الجزية باختيارهم بين اعتناق الإسلام وسقوطها عنهم، وبين البقاء على ديانتهم وتأديتها بحق، وألزمهم باحترام أحكام وشرائع القانون الإسلامي، وأن لا يسبّوا الله ورسوله ولا يغدروا ولا يخونوا ولا يكونوا عوناً للأعداء على المسلمين…
ومن المفارقة أن الإسلام، منع زواج المسلم من أهل الكفر، وسمح له الزواج من أهل الكتاب، وان تبقى الكتابية على دينها شرط أن لا تندخل في ديانة أبنائها..
الإسلام دين حياة، عالج جميع المشكلات، ولم يستثنِ شيئاً، لقد أراد الله للمسلمين أن يظلوا المنارة التي يهتدي بها سائر الناس في معاشهم وسلوكهم وعصمة أمورهم.
إن نظرة الإسلام الى أهل الكناب، تؤكد أن هذا التشريع من لدن حكيم خبير، تشريع بعيد كل البعد عن المصالح والأهواء والغايات، والتاريخ يشهد على مر العصور كيف عامل الفاتحون والحاكمون المسلمون غيرهم من أهل الذمة، حتى أن المستشرقين الغربيين أنفسهم، اعترفوا في مؤلفاتهم ودراساتهم بعدالة الإسلام، ومعاملته الحسنى لأهل الكتاب وخصوصاً المسيحيين..
فكفى بأصوات نشاز تخرج من هنا وهناك، تنادي بإنصاف الأقليات، خصوصاً بعد إنتصار الثورة السورية المباركة، واستلامها دفة حكم ظالم لأكثر من نصف قرن، صادر الإنسانية من المجتمع، وتفنن في تعذيب شعبه وقتله شرّ قتلة، أين كانت تلك الأصوات القلقة على الأقليات؟!
أم أنها اعتادت على الدوس لإسكاتها؟ وما هي مشكلتها مع الإسلاميين كما تحب أن تسميهم؟!
كفاكم بثّ السموم واستجرار الفتنة، يا بعضاً من أقليات، ومدوا أياديكم إلى من أعطاكم الأمان والأمن والهدوء والإستقرار! أم تريدون أن تبقوا على محاربة الإسلام، الناصع الوادع، مذهب أهل السنة الواجهة الحقيقية لدين الإسلام الحق…

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى