“المدارنت”..
لعل إحدى أهم المقاربات لتنفيذ خيار حلّ الدولتين، وقيام الدولة الفلسطينية، وإنهاء الاحتلال، هي مقاربة تفعيل وتطوير مكانة فلسطين من دولة مراقب في الأمم المتحدة إلى دولة كاملة العضوية تحت الاحتلال، وتفعيل حقوقها في الأمم المتحدة.
وفي هذا السياق تأتي أهمية مشروع القرار الذي قدمته دولة الإمارات في الأمم المتحدة بدعم من المجموعة العربية إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة ونال تصويتاً وتأييداً كبيراً، حيث نال تأييد 143 دولة، وامتناع 25 دولة، ومعارضة تسع دول. وأهمية الدلالة الأولى في هذا التصويت هو العدد الكبير الذي يشكل أغلبية دول العالم التي باتت مستعدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية وقيام علاقات دبلوماسية معها، وأن الامتناع وهو أقرب للتأييد يشمل دولاً لأول مرة تصوت بالامتناع مثل فرنسا وبريطانيا وكندا، والعدد القليل جداً للمعارضين ومن بينهم دول صغيرة مهمشة.
هذا التصويت وأهمية القرار أيضاً يكمن في الاعتراف الصريح بأن فلسطين تملك كل المؤهلات لتصبح دولة كاملة العضوية تحت الاحتلال ومسؤولية الأمم المتحدة في إنهاء الاحتلال. والقرار له قيمة سياسية وقانونية وإحياءً للشرعية الدولية وكل القرارات المتعلقة بالدولة الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره السياسي.
وقد يقال إن القرار لا يرقى لمستوى القبول بكامل العضوية. هذا من الناحية القانونية لأن أحد أهم شروط قبول الدولة في الأمم المتحدة أن تكون مستقلة كي تمارس حق التصويت الكامل، وحيث إن فلسطين تحت الاحتلال فقيمة القرار أنه قد اعترف بفلسطين من دون حق التمتع بالتصويت، وهنا الأهمية السياسية بأن فلسطين سوف تصبح الدولة الـ194 في الأمم المتحدة، وأن مسؤولية اكتمال العضوية مسؤولية أممية، وأهميته السياسية أنه صدر في مواجهة رفض الولايات المتحدة بقبول فلسطين عضواً في الأمم المتحدة، إذ إن صلاحية قبول فلسطين عضواً كاملاً من صلاحيات مجلس الأمن، وهذا من شأنه أن يضع الفيتو الأمريكى في محك الإختبار، وأن من شأن الإصرار على ممارسته يعني فقدان مصداقية الأمم المتحدة وعزلة للديبلوماسية الأمريكية.
وللقرار أهميته السياسية بتفعيل قرارات الشرعية الدولية والتي لا تسقط بالتقادم، وتفعيل للقرار رقم 181 لعام 1948 وهو قرار التقسيم الذي على أساسه قُبلت “إسرائيل” (كيان الإرهاب الصهيوني في فلسطين المحتلة) عضواً في المنظمة الدولية بمساحة 55 في المئة من مساحة فلسطين، و44 في المئة للدولة العربية، ووضع القدس تحت الوصاية الدولية، وهو قرار يشكل مرجعية دولية وقوة في الطلب الفلسطيني بقيام دولته، وتأكيد على أن كل الأراضي التي ضمتها “إسرائيل” بعد حرب 1967 غير شرعية، وأن استمرار احتلالها يناقض الشرعية الدولية، كما يناقض قبولها دولة عضو في الأمم المتحدة. وأهمية هذا القرار يأتي في سياق الحرب الممتدة حتى الآن على غزة.
لقد جاء دور الإمارات استجابة للتضامن الدولي دعماً للقضية الفلسطينية وتأكيداً على قوة الشرعية الدولية في مواجهة سياسة القوة التي تحاول أن تفرضها “إسرائيل” من خلال حربها على غزة. وأهمية مشروع القرار الذي قدمته دولة الإمارات أنه يفتح الباب واسعاً أمام الاعتراف المباشر من الدول التي أيدت فلسطين، كدولة، كما حال الدول الأوروبية التي أعلنت اعترافها بفلسطين مؤخراً.
ولهذا القرار معنى آخر مهم أنه ينقل فلسطين إلى مرحلة جديدة ما بين مرحلة الدولة المراقب والدولة كاملة العضوية، ويمنحها بعض الحقوق التي تتمتع بها الدول الأعضاء كمقعد دائم في الأمم المتحدة والتقدم مباشرة بمبادرات ومقترحات، لكن من دون أنه يكون لها حق التصويت وهو قاصر فقط على الدول الأعضاء المستقلة.
لقد كشف القرار حقيقة الموقف الأمريكي ومعايير واشنطن المزدوجة التي تقف في طريق قيام الدولة الفلسطينية. وقد أشار المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية إلى أن القرار«لا يعني دولة فلسطينية كاملة العضوية ولا يغير من وضعها كدولة مراقب».
يقول الدكتور مفيد شهاب أستاذ القانون الدولي المصري أن «القرار يمثل دفعة معنوية كبيرة للفلسطينيين وكفاحهم في سبيل تأسيس دولة مستقلة». ويضيف أنه رغم الاعتراف بدولة اسمها فلسطين من قبل 143 دولة لكن التنفيذ أمر آخر.
ويبقى أن نجاح هذا القرار يعكس نجاح دبلوماسية دولة الإمارات ومصداقيتها ومكانتها ودورها وصدقية نهجها للسلام، ولا شك أن هذا التصويت استثمار لهذه الدبلوماسية والعلاقات الدولية الواسعة وشراكتها الاستراتيجية، ويشكل أساساً ثابتاً لمواقف الدولة تجاه القضية الفلسطينية التي أرساها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، ونراها اليوم في الحرب على غزة من خلال الدعم الإنساني المتواصل لتمكين الشعب الفلسطيني من الصمود.
.. ورغم أهمية القرار الذي يعتبر خطوة في طريق طويل، إلا أنه يحتاج إلى مزيد من الجهد الديبلوماسي الإماراتي والعربي لترجمته على أرض الواقع.
مقالات