الانتخابات الأميركية.. والعواقب الخطيرة!
“المدارنت”..
تمّ عرض سيناريو اغتيال المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية دونالد ترامب، وسقوط أمريكا المخطط له مسبقاً في سلسلة مسلسل سيمبسون الشهيرة.
قد يبدو هذا الأمر مستغرباً ومستبعداً، إلاّ أنه وفي فترة حكم ترامب، تم عرض حلقات هذه السلسلة الشهيرة وتمّ فيها عرض هذا السيناريو الذي انتهى باغتيال ترامب، وسقوط تمثال الحرّية، رمز الولايات المتحدة.
ولئن كانت المواقف تختلف بين من يعتبر أنّ حادثة محاولة الاغتيال هي أمر مدبّر من فريق ترامب لتعزيز حظوظه في الفوز بالانتخابات القادمة وأنّها من ألاعيب الدولة العميقة في أمريكا، وبين من يرى أنّ الاغتيال السياسي في أمريكا هو أمر قد وقع فعلاً عندما تم اغتيال أربعة رؤساء سابقين أشهرهم إبراهام لينكلون وجون كينيدي. وهذا يؤشر إلى أنّ عملية الاغتيال كانت مدبّرة فعلاً نظراً إلى مواقف المرشح الرئاسي ترامب من قضايا دولية، خاصة العلاقة مع روسيا وحرب أوكرانيا ومصير حلف “الناتو”.
فالرصاصة الّتي أخطأت جمجمة دونالد ترامب، يوم السبت الماضي، أثناء إلقائه خطاباً في مهرجان انتخابيّ بولاية بنسلفانيا، ستصبّ المزيد من الوقود على حالة داخليّة باتت تفتك فيها أمراض الإمبراطوريّة. وبدل أن تغيّبه عن المشهد السياسيّ، بات من شبه المؤكّد أن يعود رئيساً لأمريكا، هذا ما يتّفق عليه أغلبيّة المحلّلين والمراقبين.
لكن ما كان لافتاً وما عبّر عنه في فترة رئاسته، هو إقدامه على فضح جوانب خطيرة في الإمبراطوريّة الأمريكيّة، تحديداً حروبها التوسّعيّة والدمويّة اللانهائيّة، وانتقد عبثية هذه الحروب. هذا النقد لحروب الإمبراطوريّة الأمريكيّة لنهجها الإمبرياليّ الهمجيّ، كان يأتي عادة من اليسار الراديكاليّ تحديداً، مع أنّ المنطلقات الإيديولوجيّة لليمين واليسار هي على طرفي نقيض.
ويعزو المحلّلون صعود ونموّ اليمين الشعبويّ واليسار الشعبويّ على حساب يسار الوسط ويمين الوسط اللّذين انجرفا إلى مستنقع النظام النيوليبراليّ الّذي تقوده الإمبرياليّة الأمريكيّة، يعزونه إلى أزمة هذا النظام الرأسماليّ المتوحّش الّذي تتعمّق أزماته بصورة متسارعة. ويكتب محلّلون غربيّون من خلفيّات فكريّة مختلفة، ومنذ سنوات طويلة، أنّ الديموقراطيّة الليبراليّة الغربيّة باتت مهدّدة مع تغوّل سيطرة الشركات الكبرى على مؤسّسات الحكم والسياسيّين.
وظهرت أطروحات في العقدين الماضيين، مثل «موت الديموقراطيّة» و«موت السياسة» وغيرهما من التنظيرات. ويرى الدبلوماسيّ الإيطاليّ السابق والمثقّف ماركو كارنيلوس، أنّ صورة الغرب المزيّفة للواقع تنهار. ففي أحدث مقال له لموقع «ميدل إيست آي» بتاريخ 11 يوليو/ تموز الجاري كتب أنّه «لسنوات طويلة بنت الديمقراطيّات الغربيّة قرية بوتمكين الخاصّة بها، لدعم سياسات وسرديّات منفصمة عن الواقع. واليوم يؤطّرون كلّ شيء كنضال ملحميّ بين الديموقراطيّة والثيوقراطيّة.
ولكنّ قرية بوتمكين خاصّتهم تنهار تدريجياً، والإشارات لذلك جليّة». وقصّة قرية بوتمكين تعتمد لوصف القرى الزائفة الّتي بنيت للإبهار فقط.
وتبعاً للقصّة، الّتي تعود إلى أواخر القرن الثامن عشر، فقد أنشأ القائد العسكريّ الروسيّ غريغوري بوتمكين، العاشق السابق للملكة كاترين الثانية، مستوطنات أو قرى زائفة في منطقة القرم على جانبي ضفّتي نهر الدنيبر أثناء رحلتها إلى هناك. وتضيف القصّة أنّ بوتمكين كان يأمر بتفكيك مجسّمات القرية، وإعادة تركيبها في موقع آخر في مواكبة مستمرّة لرحلة الإمبراطورة.
ومع مرور الزمن تحوّلت القصّة الى مثل أدبي وسياسي عالمي، بحيث أصبح بناء قرية بوتمكين يشير إلى أيّ بناء يكون له غاية وحيدة، وهي الإبهار عن طريق وضع واجهة مخادعة للبلد لتزييف الواقع وإيهام المواطنين بأنّ البلد بخير.
بعد حادثة محاولة الاغتيال، قال ترامب في تصريح لصحيفة «نيويورك بوست» إنه أعدّ «خطاباً قاسياً جداً» عن «إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الرهيبة. لكنني رميته» لاستبداله بخطاب يأمل بأن «يوحد بلادنا». إلا أنه أضاف «لكنني لا أعرف إذا كان ذلك ممكناً.
الناس منقسمون جداً». وحول ذات الموضوع ذكر موقع «فوكس» الأمريكي في تقرير له: «يجب أن نشعر جميعاً بالرعب حيال ما هو قادم، إذ أصبحت السياسة الأمريكية مؤخراً محاصرة بين حالتين من الاستقرار وعدم الاستقرار في الوقت نفسه، وأصبحنا نرى انقسامات حزبية محددة بوضوح، ولا يمكن زعزعتها على ما يبدو، ولكن أيضاً حيث نمت انقسامات بحدة تهدد العقيدة الأساسية بالتعايش السياسي الذي تحتاج اليه أي ديموقراطية للبقاء».
ويقول مُعد التقرير زاك بوشامب، مراسل موقع «فوكس» الأمريكي: «قبل عامين اقتربت من بعض الخبراء البارزين حول العالم في مجال انهيار الديموقراطية وسألتهم عما هو قادم، فقلت: كيف تنتهي الأزمة الظاهرية التي تعيشها الديموقراطية الأمريكية؟ فردّ العديد منهم محذرين من تصاعد العنف السياسي.
فكلما ازدادت كراهية الناس وخوفهم من خصومهم السياسيين، زادت احتمالات خروجهم على القانون». يضيف معد التقرير أن «الانتخابات الرئاسية هي نقطة الاشتعال الأكثر ترجيحاً» لتصعيد العنف.
ولكن يمكن القول إنه كان من الواضح أن خطر حدوث شيء من هذا القبيل سيرتفع أثناء الانتخابات، كما سيرتفع خطر العواقب الخطيرة التي لا يمكن التنبؤ بها، بما في ذلك المزيد من العنف.