الانقسام العالمي والانتخابات الأميركية..!
“المدارنت”..
يقترب يوم الحسم في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، ولم يتبقّ إلا أسبوعان لتتضح هوية الرئيس السابع والأربعين للولايات المتحدة، بين الجمهوري دونالد ترامب (رئيس أميركي سابق) أو الديموقراطية (نائب الرئيس الأميركي الحالي) كامالا هاريس. ومن المرجح أن تكون النتيجة النهائية مدوية وشديدة الوقع على الأمريكيين والعالم بسبب ما صاحب هذه المعركة من انقسام وتوتر ومواقف دراماتيكية وصلت إلى حد محاولات الاغتيال.
قبل انطلاق السباق، توقع كثير من المتابعين أن تكون هذه الانتخابات الأمريكية الأخطر على الإطلاق، وربما تكون فاتحة مرحلة مختلفة في العصر الأمريكي الذي بلغ ذروة قوته ومجده في العقود الأخيرة، وباتت تهدده عوامل تراجع داخلية ومنافسات خارجية شديدة الجرأة. ولأن الولايات المتحدة نموذج دولة فريدة تشكلت من مهاجرين يمثلون غالبية أمم الأرض، فإن العالم كله ممثل هناك، وما تشهده تلك البلاد من صراعات وانقسامات ومفاجآت يعكس ما يتفاعل خارج حدودها الجغرافية.
وعندما يشتد الانقسام الأمريكي الحاد بين المرشح الجمهوري دونالد ترامب ومنافسته الديمقراطية كامالا هاريس، فهو يعكس هذا الانقسام العالمي الشديد. وربما للمرة الأولى بهذا الوضوح، تكون الانتخابات الأمريكية مسرحاً لتصفية الحسابات بين الأقطاب المتصارعة على مستوى العالم.
ومثلما لم يخف قادة وزعماء دوليون وشخصيات فكرية وسياسية رغبتهم في عودة ترامب إلى البيت الأبيض، اصطف كثيرون آخرون خلف هاريس وحلمها في أن تكون أول سيدة تحكم البيت الأبيض، كما انحازوا إلى مصالح دولهم المرتبطة بمصير الولايات المتحدة وقوتها وازدهارها، ومثل هذا الجدل كان معلناً بين المرشحين، فكثيراً ما اتهمت هاريس، ترامب، بأنه حليف لما أسمته «الأنظمة الديكتاتورية» في إشارة إلى الدول المناوئة للولايات المتحدة، بينما يرد المرشح الجمهوري باتهام الديمقراطيين وزعيمتهم بهدر موارد البلاد على الحلفاء، والانسياق وراء سياسات يقول إنها ستؤدي إلى حرب عالمية ثالثة تدمر الكون، خصوصاً عندما يعلق على الصراع المفتوح في الشرق الأوسط وقبله الحرب الدائرة بين أوكرانيا وروسيا.
في ضوء هذه الخلفية سيكون يوم الخامس من نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل يوماً مصيرياً للولايات المتحدة والعالم، فهذه الانتخابات لن تكون كسابقاتها على الإطلاق، وتحيط بها تهديدات ومخاطر وحتى «مؤامرات خارجية»، لأن الذي يتنافس فيها ليس مرشحين أمريكيين، بل مشروعان عالميان كل منهما يريد هزيمة الآخر بالضربة القاضية، وفي ضوئها سيتحدد مصير كثير من النزاعات والملفات، والتخوف من هذا اليوم ليس مبالغة أو جزءاً من الحملات الانتخابية.
وسبق أن حذر الرئيس الحالي جو بايدن من شعوره بأن اليوم التالي للاقتراع لن يكون سلمياً إذا خسر المرشح الجمهوري السباق، وهو الذي قال مسبقاً إنه لن يعترف بأي نتيجة غير الفوز والعودة إلى البيت الأبيض وإنقاذ الولايات المتحدة من الركود والإفلاس، والعالم من الهلاك بأسلحة الدمار الشامل. وفي المقابل يصر الديمقراطيون ومعهم الحلفاء الأوروبيون على الاحتفاظ بالبيت الأبيض دورة أخرى على الأقل تقطع الطريق نهائياً على ترامب وأجندته الشعبوية للعودة إلى السباق الرئاسي.
هذه الانتخابات الأمريكية ستكون تاريخية ولا سابق لها، لأن العالم كله، بهواجسه وصراعاته وانقساماته سيصوت فيها، وسيكون يومها التالي بداية لتاريخ جديد.