تربية وثقافة

الانهزامية في العقلية العربية الحاضرة

خاص “المدارنت”..

د. محمد الحسامي/ اليمن

… إن الانهزامية والشعور والإحساس بها, وعيا وثقافة وفكرا وعقلية, ومن ثم قولا وفعلا وسلوكا وتصرفا, من قبل فرد أو جماعة أو شعب أو أمة.. إلخ, سواء كانت تلك الانهزامية أمام الذات أم أمام الآخر, في إطار الذات أو مغاير لها, سواء كانت تلك الانهزامية نفسية روحية, وهي الأخطر, أم جسدية مادية, وسواء كانت جزئية أحادية أو ثنائية، أو شاملة ومتكاملة, وسواء كانت بسيطة أو مركبة, ماضوية أو حاضرية أو كليهما معا.. إلخ, بما تمثلة من ظاهرة خطيرة وكارثية حقيقية وخيمة على من يصاب بها ويعيشها, وبما ينتج عنها ويترتب عليها من آثار سلبية وخيمة وخطيرة عليه, تعتبر إحدى الظواهر وإحدى الإشكاليات العديدة والمتنوعة التي تعاني منها، وتعيشها العقلية العربية الحاضرة, كصورة من صور الوعي العربي بجزئه الانهزامي (الوعي الانهزامي), ان لم تكن أهمها وفي مقدمتها وأخطرها..

هي، مصدر ومنبع كل فعل سلبي أو ردة فعل سلبية تجاه الذات أو تجاه الآخر.., والمحرك الأساسي والرئيسي لكل ذلك. إن العقلية الانهزامية وفي غمرة شعورها وإحساسها, وفي ظل إنعدام وغياب الأمل لديها للخروج منها, غالبا ما تلجأ إلى الإنكفاء على الذات، والانغلاق عليها وغلقها (الإنكفائية والانغلاقية), متمسكة ومتثبتة ومتشبثة بما لها وبما تملكه، في وعيها من إنتصارات ماضوية والعيش فيها، وبها والتمجيد لها والتغني بها(الماضوية), بل وحتى تقديسها (التقديسية), وذلك تعويضا معنويا نفسيا عما تعانيه وتعيشه وتعايشه في حاضرها, وكذلك سلوى بها تحكيه لنفسها ولإبناءها قصصا وروايات وحتى خيالات وأساطير, بل إنها تضيف إليها الأشياء الكثيرة التي لم تكن بها وتتوارثها جيلا بعد جيل.

كل يضيف ما يحلو له وما يستطيع إضافته…, وهذا يجعلها تشعر بنشوة وبعظمة تلك الإنتصارات، وكأنها حدث يومي في حياتها,وترى نفسها أفضل من ذلك الآخر..بماضيه وحاضره,حتى ولو كان حاضره إنتصارات تلو الإنتصارات, تتعامل معه من منظور العظمة والتمجيد لنفسها والاحتقار له والتقليل من شأنه (العظمية والتمجيدية/الاحتقارية والتهميشية)… وهي كذلك ترى نفسها أفضل منه وأعلى منه (الأفضلية والاستعلائية/الاقبحية والدونية)….إلخ.

إن لتلك الانهزامية مظاهر عديدة ومتنوعة, فهناك انهزامية حضارية بشكل عام، تتمثل بالانهزامية العسكرية والثقافية والعلمية والتكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية والحقوقية…إلخ, وقبل ذلك إنسانية, حتى أن تلك الانهزامية تتجلى واضحا من خلال التعامل مع الظواهر الطبيعية للكون، وعدم القدرة على فهما واستيعابها، ومن ثم التعامل معها والنظر إليها وفقا لذلك وفي إطاره, إما إنكارها ونكرانها، وإما اعتبارها نوعا من الدجل والسحر والشعوذة وفقا للمفهوم “الميتافيزيقي” لها.

وهناك انهزامية تاريخية وحاضرية، والتي بدورها تؤدي إلى انهزامية مستقبلية. فالانهزامية في العقلية العربية هي خليط ومزيج من الانهزامية التاريخية والحاضرية المتكررة التي أصابتها، وتوالت عليها مع فشل أغلب المحاولات المتكررة للتخلص منها, مما أدى كل ذلك إلى تعميقها وتجذيرها وتأصيلها، في الوعي الجمعي الاجتماعي عموما والنخبوي منه على وجه الخصوص, والذي أدى بدوره أخيرا، إلى الشعور والإحساس بالانهزامية الذاتية أمام الذات، ومن ثم أمام الآخر. كنتيجة حتمية وطبيعية للانهزامية الذاتية وانعكاسا لها, مما أدى إلى إعاقة العقلية العربية نتيجة لذلك، عن التطور والنماء، بعد أن صارت جامدة ومشتتة وفاقدة لذاتها وذاتيها وشاعرة بالدونية تجاه الآخر المغاير عموما.

أي أنها أصبحت وصارت عقلية مقهورة ومهدورة, وذلك بعد أن أجهضت وفشلت كل المشاريع النهضوية العربية، منذ بداية القرن التاسع عشر الميلادي وحتى الآن وما زالت، حيث يقول المفكر والروائي المغربي محمد برادة في بعض ذلك، إنّ “ثقافة الانهزام تجتاح المجتمعات العربية، كما أدت إلى استحالة مواكبة التطور، وغيّبت معنى ومفهوم الانتصار عن العقلية العربية، التي هي انهزامية بطبعها”.

وأوضح أنّ الفضاء العربي بما هو عليه من تباينات في التفاصيل، هو فضاء موسوم بـ”الانهزام”، كونه لم يفلح في بناء مجتمعات ديموقراطية تترجم تطلعات الدولة المدنية. التي نقلت تاريخ وقيم الإنسانية من مستوى حضارة الزراعة والصناعة إلى مستوى غير مسبوق في جميع المجالات، يعتمد الرقمية والذكاء الاصطناعي”.

إن الشخصية العربية العربية بما تحمله من عقلية انهزامية كصورة من صور الوعي الانهزامي, وعلى الرغم مِمّا هي فيه وعلية، وما صارت إليه وآلت وأصبحت, إلا أنها لا تريد أن تعترف وتقر بأنها منهزمة, لا أمام ذاتها, وهو الأهم, ولا أمام الآخر المغاير، مما جعلها أسيرة لذلك كله, فهي لا تعرف التوسط في ذلك, وكأن لسان حالها يقول كما قال الشاعر الكبير أبو فراس الحمداني: “ونحن أناس لا توسط بيننا … لنا الصدر دون العالمين أو القبر.

إن لذلك كله أسباب وعوامل كثيرة وعديدة ومتنوعة, ذاتية وغير ذاتية, تاريخية موروثة وتاريخية حاضرية, زمانية ومكانية، مترابطة مع بعضها البعض أو مزيجا منها أو الكل. إن الخروج من ذلك كله، ومن ثم الإنطلاقة نحو حركة نهضوية عربية جديدة, لا يمكن له بأن يكون ويتم ويتحقق ويصير ويصبح واقعا معاشا جديدا وملموسا، إلا بالاعتراف والإقرار أولا بوجودها, بخاصة من قبل النخبة في المقام الأول, ومن ثم معرفة تلك الأسباب والعوامل التي أدت إليها، ودراستها دراسة علمية منهجية تحليلية, متخلصة ومتحررة من عقدة التفوق على الآخر, موضوعية في الزمان والمكان, ومن ثم وضع الحلول المناسبة لها والبدء في الإنطلاقة الجديدة للحاق بقطار الركب الحضاري للعالم.

تلك هي المهمة، وذلك الدور، هي مُهمة ودور النخبة، وفي طليعتها ومقدمتها، أولئك الذين أسميهم “المثقفون الإنسانيون الكبار”.

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى