البيدق المجهول..
//خاص المدارنت//..
من يدخل في عالم الشطرنج، ويبدأ خطواته الأولى في خططِ اللعبة، سيقف ملياً عند تسميات وأهمية أحجارها.
تلك الصراعات والجولات بين لونين، وكأنها حرب أبدية بين الخير والشر، ولا مكان للصدفة، وحدهما، الخطأُ او خللٌ في استراتيجية الأحجار سيحددان مصير الحرب.
فهذا هو الملك أو الشاه، ثقيل في حركته، متقاعص، لأنه يدرك تماماً أن في موته موت الأمة، وهو يعرف جيداً، ومتأكد من استماتة باقي أفراد اللعبة في الدفاع عنه، والزود عن عرشه بكل ما استطاعوا من قوة. إذا، فليمت الجميع وتنتهي الامبراطورية، ولا ملك يُخنق أو شاهنشاه تحبِسه في قلعة.
أما حرمه المصون الملكة، أو الوزير الأول، فهي لغز الالغاز في اللعبة، وسيّدتها ولبوءتها، تجيد أداء كل الأدوار، من ثقل الملكِ وصولاً الى جنونِ البهلول، وفيها صلابة القلعة، وتواضع البيدق، وتأنف نفسها العزيزة التقلّد بحيوانٍ، فترفض دور الحصان، فهي تصول وتجول، وتقرر في الرقعة الحرب والسلم، ولكن كبرياء العظماء والعظيمات قاتل أحياناً، فربّ بيدق عند نقطة ضعف، ينهيها ولا تنتهي اللعبة.
أما نبيل اللعبة، الفريد في قفزاته، المتحكم بزوايا المعركة الأربعة والأنيق في كرّه وفرّه، ها هو الحصان يتألق، عندما يُقدّمُ قرباناً لخطط اللعبة، وقد تفقد اللعبة مرونتها، إن رحل أو مات خنقاً في حصار، ولكنها تستمر.
وبهلولنا، هو مهرّج السلطان، وله طرقه الملتوية في القتال والجدال، وأصحاب القرار، وعلى الرغم قدراتهم الخارقة، سيبقون ضعافاً أمام جرأة المجنون، فلكلّ ملك بهلوله المستشار، ولكل ملكة بهلولها المفضّل، وقد يغيب المهرّج عن خشبة المسرح، فهل تنتهي المسرحية؟
والقلعة أو الرخ، فتلك بيوت الملوك الشامخة في الصيف والشتاء، صلابتها فيها ديمومة الإمبراطورية، وإضعاف المدن يبدأ بدكِّ قلاعها، فالقلاع تقف شامخةً كالحارس الأمين لأرض المعركة، وكأنها مخازن التاريخ، وسقوط القلعة في المعركة يُعد انتصارا ً لنصف الحرب، وكمّ من امبراطورية آلت قلاعها قبوراً دروساً، بعد أن سُرق تاريخها، ولكن يبقى للقلاع الشرف في أسر الملوك.
ومن هو الأقرب إلى الأرض؟ غير فلّاحيها، والمصانع إن كبُرت فبِعرق عمّالها، والخطط العسكرية ستبقى رسوماً على الرمال من دون جندي مجهول، أو حامل راية. تلك البيادق او الجنود، ينطلقون بصمتٍ الى أرض الحديد والنار، اللعبة تبدأ بهم، الخطط تبنى على لحومهم وعظامهم، يتقدّمون ولا يعرفون عار التقهقر والتراجع، كثر، ولا تُعرفُ أسماؤهم، يحمون الملك وحرمه ومُلكَه، بقلاعه وأحصنته ومجانينه، ويعطون أرقى الأوصاف للعمل، يعملون كالنمل، وأجمل ما في النمل دبيبه الصامت.
البيدق، وحده المخلص في اللعبة، وحده يرافق الملكَ الى ما بعد الموت، ليعود ملكة، بهلولاً، حصاناً أو قلعة،ً ليكتب التاريخ واللعبة من جديد. ولا يُعرف اسمه، فيُرفع له تمثالاً.. وسيبقى مجهولاً.
فلا تنظر باحتقارٍ الى بيدقٍ في الرقعة، فالبيادق نصف الأحجار، ونهاية اللعبة.