التاجر: كيف يواجه نتنياهو ترامب؟
“المدارنت”
تلقّت حكومة بنيامين نتنياهو الإسرائيلية مجموعة من الصدمات التي سبقت ورافقت وتبعت زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المنطقة.
أول هذه الصدمات كانت استدعاء ترامب لنتنياهو الشهر الماضي على عجلة إلى واشنطن لإبلاغه حضوريا عن تغيير استراتيجي أمريكي يتمثل في بدء مفاوضات أمريكية مع إيران لإبرام اتفاق جديد فيما يخص مشروع الجمهورية الإسلامية النووي، وهو ما عنى، عمليا، مطلبا بوقف مساعي حكومة نتنياهو لشن حرب على طهران. أنهت المفاوضات، حتى الآن، جولتها الخامسة، وواضح أنها بلغت منعطفا حاسما يتعلق بحسم قضية التخصيب.
تمثلت الصدمة الثانية بإعلان واشنطن اتفاقا لوقف إطلاق النار مع الحوثيين في اليمن، من دون الاتفاق على منعهم من مهاجمة إسرائيل، بالتزامن مع الامتناع عن زيارة الدولة العبرية (وهو ما حصل مع زيارة مقررة لنائبه جي دي فانس أيضا).
يظهر أن ترامب أراد أن يظهر أيضا تغيير موقف واشنطن من «الفيتو» الذي كانت ترفعه إسرائيل على تسليح الدول العربية، مما يعني حرمانها من التحكم في القرار الأمريكي بصفقات التسلح العربية وتجلى بإقرار صفقة أسلحة للسعودية بقيمة 142 مليار دولار مترافقا مع إعلان أن «لا شريك للولايات المتحدة أقوى من السعودية».
فاجأ ترامب إسرائيل أيضا بمقابلة الرئيس السوري أحمد الشرع وبإعلان عزمه رفع العقوبات الأمريكية، ثم بإعطاء تصديق للدور التركي الوازن في تيسير أوضاع الحكم الجديد في دمشق عبر تعيين توماس باراك السفير الأمريكي في أنقرة مبعوثا إلى سوريا، ومسارعة الأخير إلى لقاء الرئيس التركي رجب طيب اردوغان ونظيره السوري أول أمس السبت.
لا يمكن، في الوقت نفسه، عدم ملاحظة أن دعم ترامب للتقارب مع الرئيس التركي يحصل رغم المواقف القوية المعلنة لاردوغان ضد إسرائيل، ورغم علاقات بلاده الجيدة مع حركة «حماس». لا يمكن أيضا، في هذا الصدد، تجاهل أهمية الدور القطري الذي رعى حصول تفاوض منفصل بين أمريكا والحركة الإسلامية أثناء زيارة ترامب إلى المنطقة أفضت إلى إطلاق الأسير الأمريكي ـ الإسرائيلي ألكسندر إيدان.
يمكن اعتبار خطوات إدارة ترامب المتلاحقة الآنفة استراتيجية أمريكية لكنها، تعبر في الوقت نفسه، عن طبائع ترتبط بشخصية ترامب، وغرائزه كتاجر عقاري. ترتكز هذه الاستراتيجية على اعتبار أن ما يمكن تحقيقه للمصالح الأمريكية العليا عبر التفاوض (المسنود بالقوة العسكرية) وعقد الصفقات الكبرى، من دون شن الحروب (الباهظة التكاليف والمفتوحة على احتمالات خطيرة) هو خيار أفضل بكثير لأمريكا، وهو خيار أثبت نجاحه في صفقاته الخليجية، كما طبّقه جزئيا في إقرار اتفاق المعادن مع أوكرانيا، وعبر التوصل الى اتفاقات تجارية لصالح أمريكا مع الصين، وبريطانيا ودول أخرى.
رغم التكامل الكبير بين ترامب ونتنياهو، على صعد أمريكية داخلية وخارجية، ورغم الدور الأساسي الذي تلعبه إسرائيل عسكريا وسياسيا في تطبيق سياسات أمريكية، فمن الواضح أن استراتيجية ترامب، تاجر العقارات، قد تضاربت، مع خطط نتنياهو، البلطجي الأكبر لأمريكا في منطقة الشرق الأوسط، في أكثر من موقع.
فيما يخص حرب إسرائيل الإبادية في غزة، تحدث ستيف ويتكوف، المبعوث الشخصي لترامب مع عائلات الأسرى الإسرائيليين قائلا: «نحن نريد إعادة الرهائن إلى منازلهم، لكن إسرائيل لا تريد إنهاء الحرب. إسرائيل تطيل أمد الحرب».
صار واضحا، لإدارة ترامب وللحكومات الأوروبية، وحتى لنسبة كبرى من الجمهور الإسرائيلي، أن نتنياهو يرفض وقف إطلاق النار لأسباب تخصه شخصيا، فاستمرار الحرب يعني استمرار ائتلافه المتطرّف، ومواصلتها تعني تصعيد الإبادة والتجويع، وتصاعد الغضب الدولي ضد إسرائيل.
شهدنا، خلال كل ذلك، خطوات لنتنياهو في مواجهة ضغوط ترامب وسياساته في المنطقة.
في الموضوع الفلسطيني، تستمر حكومة نتنياهو بخطط الإبادة والتطهير العرقي والتجويع، وتواجه المطالب الأمريكية بمزيج من الممانعة والتحدي والتلاعب، كما هو حاصل بقضية إدخال المساعدات إلى غزة ومنها سرقة الشاحنات بعد إدخالها إلى غزة!
تلاعبت حكومة نتنياهو أيضا مع الضغوط الداخلية المطالبة بصفقة لإطلاق الرهائن عبر إطلاق خبر أن هناك إجماعا داخل الأجهزة الأمنية بشأن إمكانية التوصل إلى صفقة مع «حماس» غير أن شرح هذه الأجهزة لهذه الإمكانية يؤكد مجددا أن «الضغط العسكري خلق ظروفا مناسبة لإعادة المختطفين» ولتثبيت أن ما يحصل هو تلاعب فعلا، قامت حكومة نتنياهو بسحب وفدها للتفاوض من الدوحة!
حاولت إسرائيل أن تتلاعب أيضا بطرفي المفاوضات، الإيراني والأمريكي، عبر القيام بتحضيرات عسكرية لقصف المفاعلات النووية الإيرانية، وبالتهديد بتنفيذ هذا القصف إذا لم تقبل طهران بالتخلّي بشكل مطلق عن التخصيب!
هناك لعبة شطرنج شديدة التعقيد بين ترامب، الذي يعرف مكامن قوته ولا يتردد في استخدامها، ونتنياهو، الذي يرفع سقف رهاناته، بتصعيد الإبادة ضد الفلسطينيين، وفي مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية، وسلاحه الأساسي هو شن مزيد من الحروب، ولا نعلم، متى يبلغ مدى التضارب بين هذين اللاعبين!