مقالات

التربية المفقودة..!

د. عبد الناصر سكرية/ لبنان

خاص “المدارنت”
منذ أن تأسس “المجلس الوطني للبحوث والإنماء” في لبنان، سنة 1972، وحملات التغريب الثقافي للمجتمع اللبناني، باتت أكثر كثافة وعمقًا ووضوحًا أيضًا..
بداية، مع إلغاء مادة التربية الوطنية من المدارس الرسمية، وهي المادة التي كانت تسهم بقدر كبير؛ في تشكيل وعي وطني بلبنان، كوطن لكل أبنائه وبهويته العربية، مما ترك الأجيال الشبابية من دون أي توجه تربوي لرؤية ثقافية تربوية تقارب الشباب اللبناني بعضه من بعض..
الامر الثاني، تمثل في تهميش المؤسسة التعليمية الرسمية (مدارس وجامعات)، وترك الإهتمام بها وإباحتها لكل أشكال الوصاية والتدخل من أطراف نظام المحاصصة الطائفية الفاسد، مما أدى إلى تدهور مستواها التعليمي بعد أن غاب دورها التربوي والتثقيفي.. وكان من نتيجة هذا التدهور، إنتعاش سوق التعليم الخاص بكل مستوياته، فإنتشرت المدارس الخاصة، وصولا الى الكليات والجامعات والمعاهد، فكان كثير منها يفتقد إلى المستوى المهني الجيد، فتحول إلى مؤسسات تجارية هدفها الأول كسب الربح المادي دون أية ضوابط قانونية أو وطنية أو أخلاقية..
وفي غياب أيّ رقابة رسمية، راحت المؤسسات التعليمية الخاصة تبث أنماطا من الثقافة المتفككة والوعي المشوّه، كلّ منها على طريقتها.. مع إفتقادها جميعا لأيّ روابط مشتركة، تربوية أو ثقافية، الأمر الذي ينشىء أجيالا من الشباب اللبناني، لا يعرف طريق أو أساسا لوعي وطني أو ثقافة وطنية جامعة، وكانت النتيجة، تفكك ثقافي إجتماعي لدى الشباب، مما سهّل على أطراف نظام المحاصصة الطائفية هيمنتها على وعي غالبية الشباب اللبناني، وإستيعابه في رؤاها التعصّبية المنغلقة على ذاتها الطائفية والمذهبية والفئوية والحزبية، وهذا سهّل لها إستقطابه لصالح أعمال وأنشطة ذات بعد غرائزي منغلق لا تجمعه صلة بالإنتماء الوطني القويم..
أما ما بقي مشتركا بين تلك المؤسسات التعليمية، فقد تمثل في أمرين أساسيين:
الأول: محاربة اللغة العربية بأساليب متنوعة؛ بإضعافها وتسخيفها وتعقيد وسائل تعليمها وتحريضه على نزع ثقته بها وصولا إلى زرع إنفصال نفسي بين الطالب وبينها، يترافق هذا بالتركيز على اللغة الإنجليزية تحديدا، وتسهيل تعلمها وترغيب الطالب بها وتعزيز الدوافع الذاتية فيه، للتعلق بها حتى تصبح هي وحدها لغته التي يستسهل التعبير بها عن ذاته وحاجاته ومشاعره، فتصبح لغته العربية الأم لغة غريبة عليه والإنجليزية أداته التعبيرية السلسة..
الثاني: تشجيع التوجه السلوكي للطالب نحو التحلل الأخلاقي، وأيضا بوسائل متعددة، ولكنها شديدة الإغراء والجاذبية، وتطبيع النفوس والعقول مع سلوك الإنحلال تحت مسميات خبيثة، كما في:
– الإنعتاق من قيود العادات والتقاليد الإجتماعية، بحجة التطور والحداثة والتمدن..
– ربط الإنحلال الأخلاقي بالحرية الشخصية، وتصويره كحق طبيعي للإنسان في أن يفعل ما يشاء وما يحلو له، من دون إعتبار لقيم ومفاهيم إجتماعية “بالية”..
وكان أكثر عنصر في هذا التوجيه نحو الإنحلال، التركيز على المرأة – الطالبة – وتحريضها على “مَشاعية” العلاقات الجسدية، تحت شعار الحرية الشخصية، وأن جسدها ملك لها وحدها وهي حرّة التصرف به كما تشاء، مع ما يعني هذا من إباحة العلاقات الجسدية من دون زواج، ومن دون ضوابط أخلاقية وإجتماعية..
صاحب هذه الحرب على القيم الأخلاقية والتربوية نشاط محموم من دوائر “نسوية” – ممولة من جهات خارجية غامضة أو غاضبة منا وعلينا – تتشابه أطروحاتها مع متطلبات تلك الحرب؛ كما نشاط محموم جدًا من مؤسسات إعلامية عبر برامج هادفة خبيثة، وفن هابط، ومسلسلات (تلفزيونية) مدروسة، لتطبيع السلوك الإجتماعي العام مع مفاهيم الإنحلال الأخلاقي..
وهكذا أبيحت أجيال متعاقبة – ولا تزال – لغزو ثقافي مكثف ومدروس ونافذ، مدعوم بإمكانيات ضخمة، وصولا إلى إستبعاد كل مقومات الإنتماء الوطني للبنان الواحد، وكل القيم السلوكية الأخلاقية وصولا إلى مجتمع مفكك وأسرة مفككة ثم إنسان مفكك، وهكذا يقع الجميع في براثن أيّ قوة أجنبية تمتلك الإمكانيات والمشروع والخطط المدروسة والأهداف الخبيثة، وهو الحاصل حاليا..
وقد تخلت وزارة التربية، خلال العقود الماضية عن مسؤولياتها في هذه المجالات التربوية والتثقيفية، لا بل سهّلتها في كثير من الأحيان..
كما تميزت مؤسسات تعليمية فوق غيرها؛ بحرص أكبر وتخطيط أخبث؛ في التحريض على تلك المفاهيم والسلوكيات المشوهة الفاسدة، كما هو الحال مع الجامعة الأمريكية.
أما وقد وصل الأمر إلى التحريض المباشر على الشذود المُسمّى “مثلية”، وإلى الحديث المباشر إلى الطالبات والطلاب في المدارس، عن حرية العلاقات الجنسية وطبيعية “المثلية”، كما حصل في مدارس طرابلس، مؤخرًا (محاضرات من الجامعة الأميركية تحرّض الطالبات على الإباحية الجنسية).
فهذا بمثابة إعلان حرب صريحة على لبنان، ومجتمعه وقيمه الأخلاقية، وهي قيم مشتركة بين كل الطوائف والأديان والمناطق، والخطورة أيضا في سماح وزارة التربية لمثل هذا الخطاب المنحل..
إنها حرب على المسيحية والإسلام، وقيمهما الأخلاقية الإيمانية، يستدعي الأمر مواجهة واضحة جريئة مسؤولة، وإلّا، فالنتائج كارثية على الوطن وعلى أبنائه..
الأمر مسؤولية رئيس الحكومة شخصيًا، بعدما تبيّنت لا مبالاة وزارة التربية، حيال ما يجري إن لم يكن تسهيلها!

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى