التطبيع بين تركيا والأسد.. إلى أين المسير؟!
“المدارنت”..
الحكومة التركية وكذلك المعارضة في تركيا، يبدو أنها باتت تسابق الزمن وصولًا إلى إعادة وصل ما انقطع، بينها وبين نظام بشار الأسد. وإذا كانت الوساطة الروسية سابقًا قبل أكثر من سنة ونصف، قد انحسرت وتقهقرت، فإن الوساطة العراقية هذه المرة، وبدعم إيراني روسي، يبدو أنها أصبحت قاب قوسين أو أدنى من الإنجاز، ومن ثم الاشتغال على عملية وضع العربة وراء الحصان، وعلى سكة قطار التطبيع إن صح التعبير. حيث تسارع المعارضة التركية أيضًا لتسبق الخطوات الحكومية الجادة، نحو ذلك، عبر الإعلان عن لقاء قريب في دمشق يجمع بين زعيم المعارضة التركية ورئيس حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزيل، وهو إن حصل فلن يؤتي أُكله، ولن يسهم في أي توافقات ميدانية وعملاتية، باعتبار أن حزب الشعب الجمهوري خارج الحكم، بل وخارج إمكانية التوقيع على أي اتفاق أو تفاهمات، أو الالتزام بها تنفيذيًا. لكنه في تحركاته هذه ومحاولاته الديناميكية، إنما يعطي انطباعات في أنه بصدد تحصيل نقطة السبق في فتح الأبواب الموصدة مع نظام بشار الأسد، وصولًا إلى حل إشكالية اللاجئين السوريين الأكثر قلقًا بالنسبة للمعارضة والحكومة على حد سواء، وعلى هذا الأساس فقد استعجل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الحديث عن إمكانية دعوة بشار الأسد والرئيس الروسي بوتين إلى أنقرة وكسر الجليد، وفتح الباب واسعًا للحوار والمفاوضات بين الطرفين وإنجاز اللقاء التاريخي بينهم برعاية روسية.
لكن واقع الحال السياسي يقول: إن هذا النظام السوري المهترئ، والفاقد للشرعية وللسيادة، والعاجز عن تأمين قوت يوم الشعب السوري تحت حكم الأسد، وهو من أوصل سوريا بمجموعها إلى حالة الدولة الفاشلة اقتصاديًا وسياسيًا وأمنيًا، لن يكون في مقدوره إعطاء أو منح أو تلبية أي من متطلبات التطبيع المفترض مع الدولة التركية، والتي باتت تنحصر وتتأطر في أمور أساسية ثلاثة نذكر منها:
_ موضوع العودة الطوعية للاجئين السوريين، الموجودين حاليًا ضمن الأراضي التركية، حيث جاوز عديدهم حسب الإحصاءات الرسمية الثلاثة ملايين ونيف من السوريين الموضوعين تحت قانون الحماية المؤقتة التركي.
– المسألة الثانية والمهمة كذلك بالنسبة للأتراك هي مسألة تلبية متطلبات الأمن القومي الذي يقض مضجعه الانتشار الكثيف في شمال شرقي سوريا، ميليشيات منظمة الـ“PKK” الإرهابية، وعلى مقربة من الحدود الجنوبية الشرقية للدولة التركية.
– النقطة المهمة أيضًا كانت وما تزال بالنسبة للأتراك، القضية الاقتصادية، حيث تستمر الليرة التركية في الهبوط وفقد قيمتها الشرائية، كما تزداد معدلات التضخم باضطراد في تركيا، وقد يجد الأتراك أن إعادة فتح تجارة الترانزيت والمعابر المقفلة منذ أكثر من ثلاثة عشر عامًا ونيف، قد تسهم في حالة الدفع إيجابًا بسوية الوضع الاقتصادي التركي، الذي مازال يعاني كثيرا من آثار القطيعة والإغلاق، ناهيك عن الزلزال وما تركه من آثار سلبية على الواقع الاقتصادي برمته، وهو الذي ضرب العام الماضي أكثر من 13 ولاية تركية جنوبية وأدى إلى خسائر اقتصادية كبرى تعجز أي حكومة عن تحملها وحدها.
إن القراءة الموضوعية الواقعية، لطبيعة تركيبة النظام الأسدي، وما آلت إليه أحوال سوريا عبر 13سنة مضت، جعلت من احتمالات تنفيذ ذلك من قبل النظام السوري صعبة جدًا، بل تصل إلى درجة الاستحالة، حيث لا يستطيع نظام بشار الأسد إعادة ثلاثة ملايين سوري إلى حوزته وهو الذي يعجز حاليًا عن تأمين لقمة العيش الأساسية للمواطن السوري، داخل مناطق سيطرة النظام، حيث لا دواء ولا غذاء ولا كساء ولا كهرباء، وليس هناك من وجود أية آفاق مستقبلية توحي باحتمالات حلحلة ذلك الوضع، ضمن واقع داخلي وإقليمي ودولي، غاية في الصعوبة، وضمن سياسات أوروبية وأميركية تمنع إعادة الإعمار وتشترط الدخول في تطبيق القرارات الدولية ذات الصلة، من قبل النظام، للتفكير في ذلك جديًا.
كما أن عجز النظام السوري عن الوصول إلى مناطق شمال شرقي سوريا بوجود “قسد” والقواعد الأميركية التي تحمي الأخيرة كما تحمي مصالح الإدارات الأميركية المتعاقبة، كل ذلك يحول دون إمكانية إعطاء أي وعود من نظام الأسد للمفاوض التركي بتحقيق الأمن القومي التركي المبتغى.
ناهيك عن أن الدولة الفاشلة في سوريا، وانتشار العصابات التشبيحية، وتجار الكبتاغون يجعل من إمكانية إنفاذ أي اتفاق لتجارة الترانزيت، وفتح المعابر حالة مستحيلة، وغير آمنة البتة ومع إدراك أن تفعيل خطوط الترانزيت التجارية من دون وجود دولة قوية تحمي أمنها، لا قيمة له، ولا يوجد من يجازف واقعيًا بأمواله وتجارته، للمرور في طريق غير آمنة، وتحكمها وتسيطر عليها وعلى مساراتها العصابات التشبيحية، وليس مؤسسات الدولة.
بالإضافة إلى تمنع النظام السوري المستمر عن الولوج ضمن أية عملية سياسية تفاوضية جدية مع المعارضة السورية، وتسويفاته الدائمة، التي حالت سابقًا دون إنجاز أي خطوة حقيقة ملموسة على طريق إنتاج الدستور السوري، ولجنته الدستورية، طيلة ثماني جولات متتابعة، حتى تم إيقافها كليًا، من دون إحراز أي تقدم يذكر. حيث يريد النظام السوري البقاء على خياراته العسكرية والأمنية، في التعاطي مع المسألة السورية، ولن يدخل في سياقات سياسية حوارية، ولن يقبل بتطبيق القرارات الأممية ذات الصلة.
كل ذلك ومعه كثير من العوامل سوف تقف مانعًا جديًا دون نجاح أي تفاوض تركي أسدي، ناهيك عن أن متطلبات النظام بانسحاب الأتراك من الأراضي السورية، لن يكون بالإمكان أن يحصل ما دام النظام السوري عاجزًا عن إنفاذ المتطلبات والشروط التركية المشار إليها.
من هنا كانت العملية التطبيعية فاشلة منذ البداية، وغير قادرة على النفاذ إلى خطوات متقدمة أخرى. أما المعارضة السورية الرسمية، فهي تنتظر الفرج عساه يأتيها من مفاوضات سواها مع نظام بشار الأسد، وسوف تبقى عاجزة عن أي فعل حقيقي يمكن أن يؤدي إلى إحراز أي جديد جدي، يحافظ على المصلحة السورية أولًا، إدراكًا موضوعيًا يدرك أن للأتراك مصالحهم وللسوريين كذلك، وهذا حق طبيعي ومشروع لكل الشعوب، ويفترض بهذه الشعوب والأمم أن تتحرك وفق أجنداتها ومصالحها وليس وفق مصالح أصدقائها وأجنداتهم بالضرورة.