التهجير.. بين القسري والطوعي!
“المدارنت”
يواجه قطاع غزة ومعه القضية الفلسطينية واحدة من أصعب مراحل الحرب الوجودية منذ نكبة 1948، إنها مرحلة حرب الإبادة من خلال الآلة العسكرية الهائلة، والتدمير الشامل لكل وسائل الحياة، وممارسة الحصار القاتل والتجويع وأوامر الإخلاء، من أجل جعل قطاع غزة غير صالح للحياة، بهدف تمرير مخطط التهجير.
بعد أن واجه مخطط الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بتهجير أهالي القطاع رفضاً فلسطينياً وعربياً ودولياً، عمدت إسرائيل بدعم أمريكي إلى استنباط ما يسمى «التهجير الطوعي»، وهو وجه آخر لـ«التهجير القسري»، ولكن بملامح إنسانية، وكلاهما يؤدي إلى نفس الهدف، وهو تفريغ الأرض من سكانها الفلسطينيين، وتحقيق حلم العودة لليهود إلى ما يسمى «أرض الميعاد».
لقد باشرت إسرائيل تنفيذ مخطط «التهجير الطوعي» بإنشاء إدارة خاصة تابعة لوزارة الدفاع مهمتها السماح للفلسطينيين بمغادرة قطاع غزة «طوعاً»، وباشرت الحكومة الإسرائيلية اتصالاتها مع العديد من الدول لتحقيق هذا الغرض. وقال وزير الخارجية الإسرائيلي يسرائيل كاتس إن هذا المخطط يتماشى مع تصريحات الرئيس الأمريكي ترامب الذي قال إنه يريد مغادرة سكان قطاع غزة.
ترافق تنفيذ هذا المخطط مع استئناف الحملة العسكرية الضارية في 18 مارس/ آذار الماضي على كل القطاع، ومنع وصول المياه والكهرباء والمساعدات الإنسانية، وملاحقة المهجرين في خيامهم، وخلق ظروف تجعل البقاء على قيد الحياة صعباً، وهو ما اعتبرته الأمم المتحدة شكلاً من أشكال الترحيل القسري الذي «يعتبر انتهاكاً خطراً للقانون الدولي الإنساني، ويشكل جريمة بموجب القانون الدولي».
لا فرق بين ما يسمى «التهجير الطوعي» و«التهجير القسري»، فكلاهما مصطلح مضلل لإخفاء جريمة الإبادة والتطهير العرقي وتصفية القضية الفلسطينية.
ووفقاً للمعلومات، بدأ الاحتلال حملة ممنهجة لبدء خطوات تهجير سكان القطاع بتوجيه رسائل إليهم لاستكشاف إمكانية المغادرة من خلال لقاء مسؤول أمني إسرائيلي في منطقة نتساريم. وبحسب مصادر إسرائيلية فإن دعوات المغادرة تترافق مع إغراءات مادية وتوفير مساكن وجنسية، وتزعم هذه المصادر أن العشرات من سكان غزة يحملون جوازات سفر مزدوجة ويغادرون القطاع أسبوعياً إلى الخارج. وتحاول إسرائيل استغلال المأساة الإنسانية بالإصرار على حرب التجويع دون الحصول على الماء والطعام والمأوى والدواء والكهرباء لحمل الغزيين على طلب اللجوء إلى الخارج.
في ظل هذا المخطط الذي يستهدف الوجود الفلسطيني المطلوب من الشعب الفلسطيني التشبث بالأرض والصمود والصبر وعدم المغادرة، ورفض كل الإغراءات التي تقدم له، ورفض التعاطي مع الرسائل التي تأتي من أجهزة المخابرات الإسرائيلية بشأن الهجرة، وعلى العرب رفع مستوى التحرك السياسي من خلال تحرك دولي فاعل وممارسة ضغط حقيقي على إسرائيل لوقف حرب الإبادة التي تقوم بها، إضافة إلى ممارسة ضغوط على الإدارة الأمريكية كي تتخلى عن دعمها المطلق للعدوان الإسرائيلي، والقبول بتطبيق القانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية للتوصل إلى حل عادل للقضية الفلسطينية بما يحقق السلام والأمن في المنطقة.