الحركات الإسلامية بين الواقع والطموح.. “2/1”..
خاص “المدارنت”..
منذ حقبة زمنية لا بأس بها، شاعت ظاهرة الحركات الإسلامية داخل المجتمع العربي الإسلامي، وذاع صيت التنظير فيها، وكثرت الأبحاث والدراسات، ودارت حولها المقالات وعُقدت عنها المؤتمرات، وتيجة لذلك، ذهبت المقارنات بين دلالاتها وبين دلائل مظاهر الحياة العامة للمجتمعات الإسلامية المختلفة، مما دفع الفكر إلى طرح جملة تساؤلات، كي تستطيع تحديد واقع تلك الحركات من الواقع الإسلامي العام، وعلى الرغم من أن التنظير والاجتهاد كعمل فكري، في الفكر التشريعي الديني واجب وفرض، وعلى ديمومة واستمرار، ما دامت الحياة البشرية تسير نحو قيام الساعة.
فما هي الشواهد الدالة على فعاليتها كعمق فكري اجتهادي وأين نتلمسها؟ كيف حددت أهدافها القريبة والبعيدة، وما هي؟ ما مدى مكانتها داخل النفس الفردية وفي عمق النفس الجماعة؟ ما هو الحيّز الذي تشغله من الوجود المادي والمعنوي في الفكر الإسلامي؟ كيف نستطيع قياس ادلتها لمعرفة افاقها، القريبة والبعيدة، وكيفية تحقيقها؟ هل يمكن اعتبار هذه الحركات الإسلامية يقظة أو صحوة، على ذمّة التحقق، ام اعتبارها نوعاً من رفض للواقع والتململ منه؟ هل يمكن تحويل هذه اليقظة إلى حقيقة فاعلة متحركة، وما هي شروط تحقيقها داخل مجتمعاتنا العربية الإسلامية المختلفة؟
سنحاول الإجابة على مثل هذه الأسئلة، من دون تخمين أو تقدير، من حيث أن الواقع الإسلامي ينتشر فوق أرض شاسعة واسعة، على نحو ثلث مساحة الكرة الأرضية. فهل هذا الواقع يعكس صورة لطموح تلك الحركات؟ ان مصداقية ملامح التحرك الفكري أو السياسي او الاجتماعي السليم، لا يمكن له أن يقتصر النظر على المجتمع الإسلامي وحده، انما يتطلب الأمر، مقارنته مع المجتمعات المعاصرة الأخرى، إذ أن المقارنة هذه وكنتيجة لها، هي التي تحدد الأبعاد لتمايز النتائج، وانعكاساتها الإيجابية أو السلبية، داخل المجتمع، وهذا يعني ضرورة اعتماد النسبية كسبيل إلى تصحيح مسار الفكر ثم إصدار الحكم، وعليه يتم تقدير الأشياء، تقديرا سليما، لأن المقارنة العملية والفكرية تؤدي إلى انعدام جزئية النظرة بل إلى شموليتها، وأيضا إلى انعدام تقديرنا الخاطئ.
لقد أحدث العلم ثورة علمية كبرى، على المستوى العام، وعلى سبيل المثال، ثورة الاتصالات، والتقنية الإلكترونية، والتكنولوجيا، فاحدثت هزة، أثرت في جوانب المجتمع الإنساني عموماً، والمجتمعات الإسلامية بعض منها، وفي هذا البعض، تخيلنا اننا في صحوة أو يقظة ذاتية متفردة، والحق أنه قدر مشترك بيننا وبين غيرنا من المجتمعات، هنا ينبغي ملاحظة نوعين من المجتمعات، المختلفة منها والمتخلفة، اولاها: مجتمعات ذات سابقة حضارية، وتاريخ بالمنجزات العلمية والإنتاج الفكري. ثانيها: مجتمعات ليس لها في تاريخ الحضارة ،اي إسهام أو انماء.
وفي هذه الحالة، يجب أن نرى لدى النوع الأول، من هذه المجتمعات، الأسبقية والسرعة نحو اليقظة والصحوة والنهضة، ولكن الواقع اظهر عكس ذلك، لأننا نجد أن تلك المجتمعات التي ليس لها قدم سابق في تاريخ الحضارة، لها النصيب الأكبر في التقدم الحضاري، من بعض تلك المجتمعات العريقة في الحضارة، وأمام هذه الحالة، نجد أنفسنا مضطرين إلى التواضع ، وإلى الحد من الطموح نحو ما يسمى يقظة ونهضة، ومن ثم لزم التوجه إلى ضرورة إعادة النظر إلى خطوات ما انتهجناه، من تنظير واجتهاد خيالي، ثم تدارك الأمر إلى ضرورة الفهم العميق والتمحيص الدقيق لما جاء به النص القرآني.
ترتبط اليقظة أو النهضة بالذات، وهي نسيج من نسيجها، أنه شرط من شروطها، والذي لا ينفصل عن الإنسان وعن المجتمع. اما اذا ولدت اليقظة خارج الذات، ثم تمّ نقلها إلى مجتمع ما، عبر تأثيرات خارجية، أو جرّاء إرادة برانية، أو انعكاس لموجة، غير مالوفة، من الظروف، سياسية، أو عسكرية، أو اقتصادية… يعني انها تشمل أولئك الخارج وهؤلاء الداخل، فالأمر يخرج عن كونه يقظة ذاتية، وتتعرى عن كل ما هو حقيقة، وأن ولدت فإنها بلا شك انها رداء آخر لنظرية وفكر خارجي آخر، فالحركات الإسلامية، قفي ذه الحال انما هي نوع من التململ الرافض لواقع الحال، وبالممارسة، يكون تململا خارج الدوافع الذاتية، وخارج العوامل الشخصانية. والسبب في ذلك، انما يعود للبسِ في التدبر والتفسير للنص القرآني، اضف الى اعتماد الروايات التي هي من نسج الإسرائيليات.
أبرز ما تعنيه الحركات الإسلامية، هو اللحاق بركب الحضارة والركب الانساني، وهذا ما يهدف إليه طموحها العام، ولكن واقع الحال يظهر ما تمثله، تلك الحركات، الإنسان نائم، خلفته القافلة وراءها، ثم صحت فوجد نفسه في حال من الضياع والقلق والاضطراب، فمضى يسعى وراء الركب.
هل تمثل هذه الحركات صوابية السعي؟ هل حاولت وضع أقدامها على درب الركب الحضاري، سعيا وراء استرجاع وامتلاك حضارتها؟ هل أدركت أبعاد حضارتها الخاصة وعرفتها، لتستعين بها على هذا السعي؟ هل استفادت من تاريخها واحداثه التي استفاد منها الاخرون؟ هل امتلكت معرفة تراثها الغني، أم أنه ملك من سبقها وتقدم عليها؟
وهكذا، نجد أن الذي نطلق عليه (طموح) الحركات الإسلامية، مبتور من اتجاهين:
1 – غير موصول بالذات، اي ليس استبطانا لها، ولا استعدادا منها، ولا إعتناء لها، وبهذه الحال، هي أضعف من أن تستعيد لحركتها، الحضارة السابقة، لذلك تراها متارجحة السعي للالتقاء بالحضارة المعاصرة.
2 – غير قادر للتواصل بما حوله من واقع حضاري محدث، والسبب ان هذا الواقع الحضاري المحدث، لا يريده اللحاق به، فتراه يحجب عنه كل مسالك الخير، ويضع في طريقه كل أنواع المعوِقات.
وعلى هذه الحال، أن طموح ويقظة، الحركات الإسلامية، يقظة لا تتحرك حول محور النص، المرسوم لها ولا يحقق الأهداف المعلنة من أمر ونهي. لذلك فهي لا تقوى العمل في هذا الاتجاه، أو ذاك.
وأكثر ما يقال عنها أو عن مظاهرها التي يستشهد بها عليها، انها حركات مشوشة، قلقة، مضطربة، فتحرك الأيدي فيها بغير تحرك الاكف، وحركة الرؤوس منها غير حركة العضلات، وحركة الجماهير التي للقيادة لها غير حركة القيادة التي لا جماهير لها.
وحتى لا نقف مواقف مختلفة، وحتى نتجنب تباين المصطلحات، فإن ما يمكن قوله عن يقظة الحركات الإسلامية، ونلتقي عليه، ونتحدث عنه، انما هو مظهر من مظاهر التململ، التململ الذي يحس لذع الجمرة، ولكن سباته العميق، يمنعه من وضع اليد،تماما، موضع اللذع، كما ويمنعه من أن يكتشف له الدواء، حتى أنه لا يقوى أن يرمي عن يده تلك الجمرة الحارقة. وعليه، فإذا كان هناك ما يوصف بأنه حركة، في هذا المقام، فإنها حركة نائم يحيا منزلة بين منزلين، وهي المنزلة التي تتوسط بين النوم واليقظة.
بهذا الكلام، أشعر أنني أشد من يتاذّى به، لأنني واحد ممن أفنى حياته متصلا بالجيل الناشىء، عاملا على ايقاظه، وتعليمه، وتوجيهه، وهذا أصعب ما يقال عن طموح الحركات الإسلامية، إذ أنه نوع من الإفلاس، والاعتراف بالجدب لارض بور لم تنبت، ومعذرة، أن أقول اننا نحيا إثر تخديري لاجيال مفكرينا العلماء، الذين لم يحسنوا التدبر، ليحوٍلوا الفكرة إلى عمل، ويحوّلوا اليقظة إلى نهضة، فيتحدثون عنها وكأنها طوق النجاة، فيما يحيط بنا من هياج الأمواج، وجوائح الأوبئة والأمراض.
=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=-=