مقالات

الخطر الذي يهدد الأردن!

الملك الأردني عبد الله الثاني

“المدارنت”..
منذ سنوات ظهر تيار انعزالي في الأردن يرفع شعار مفاده أن الأردن لا علاقة له بفلسطين، ولا يهمه ما يجري فيها، ولا في المنطقة، وأنَّ على الأردنيين الالتفات إلى شأنهم المحلي الداخلي، والالتفات لمصالحهم الخاصة والتوقف عن دفع ثمن الأزمات التي تعيشها المنطقة، خاصة القضية الفلسطينية التي لا يلوح في الأفق أي حلٍ لها.

التيار الانعزالي ذاته تضخم بصورة غير مسبوقة، خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، وبدأ بالترويج لفكرة فاسدة مفادها، أن هذه الحرب هي نتيجة «مغامرة قامت بها حركة حماس»، وأن «المقاومة هي سبب مآسي الفلسطينيين»، وأن الأردن لا علاقة له بما يجري في فلسطين، وأن على الفلسطينيين أن يتولوا شؤونهم بأنفسهم..
إلى آخر ما في هذه الطروحات من تفاصيل تؤدي إلى النتيجة نفسها. وكان الهدف الأساس لتضخم هذا التيار الانعزالي ونشاطه خلال الحرب، أنه يريد القضاء على موجة الاحتجاجات الشعبية اليومية التي تستهدف السفارة الإسرائيلية، وتُطالب بإغلاقها وطرد سفيرها وإلغاء «معاهدة وادي عربة».
التصريحات الأخيرة التي أدلى بها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وقبلها بسنوات طرح مشروع «صفقة القرن»، الذي بدأ ترامب بتنفيذه فعلاً خلال فترة ولايته الأولى، كل هذا يؤكد أن الأردن لا يُمكن عزله عن محيطه ومنطقته، ولا يُمكن أن يكون بمنآى عن الصراعات التي تشهدها المنطقة، ولا يُمكن الاعتقاد بأن الأردن لا يواجه التهديد ذاته، الذي يواجه الفلسطينيين ومصدره هو الاحتلال الإسرائيلي الذي يطمع بالتهام المنطقة برمتها. والحال ذاته ينسحب على مصر وسوريا ولبنان والعراق ودول الخليج العربي، إذ إنَّ المنطقة كاملة تدفع ثمن الاحتلال الإسرائيلي.
وليس من المنطق ولا المعقول أن يُقال للفلسطيني «إذهب أنت وربكَ فقاتلا إنا هاهنا قاعدون»، لأن المعركة التي يخوضها الفلسطيني بمجرد أن تنتهي ستنتقل إلى مرحلة أخرى وستكون ضد طرفٍ عربي جديد، وسينتهي الأمر بأن الجميع سيدفع ثمن هذا الاحتلال، لأن هذه المنطقة كلها في مركب واحد، وهذه حقيقة الأمر، شاء من شاء وأبى من أبى.

الخطر الذي يهدد الأردن اليوم ليس له علاقة بالحرب الأخيرة على غزة، وإنما هو استكمال لمشروع «صفقة القرن» الذي طرحه ترامب قبل خمس سنوات (يناير/كانون الثاني 2020) والذي حمل عنوان «السلام من أجل الازدهار»، وهو مشروع لتحقيق سلام على أساس اقتصادي ومالي، أي تحسين معيشة الفلسطينيين تحت الاحتلال، مقابل تخليهم عن فكرة إقامة دولة مستقلة.
وكذلك تهجير أعداد كبيرة منهم إلى دول أخرى مقابل إغداق المعونات المالية على هذه الدول بما يؤدي إلى إنعاشها اقتصادياً.
ما يحدث الآن هو أن نتنياهو بعد أن فشل في حرب الابادة التي استمرت 15 شهراً في قطاع غزة، فإنه اليوم وبدعم من ترامب يريد استبدالها بـ»ترانسفير جماعي»، أي إنها عملية تهجير تُشبه تلك التي حدثت في عام 1948 وعام 1967، ومشروع التهجير هذا هو الذي سيضمن للإسرائيليين التفوق الديمغرافي في السنوات المقبلة، ويُشكل حلاً قسرياً للقضية الفلسطينية.
وهذا ما يُفسر أيضاً مخطط ضم الضفة الغربية، الذي تعمل عليه اسرائيل منذ عام 2020، ويُفسر أيضاً التغريدة التي نشرها وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش قبل عدة شهور وقال فيها إن «عام 2025 سيكون عام السيادة الإسرائيلية على يهودا والسامرة» (الضفة الغربية يُسميها الإسرائيليون يهودا والسامرة).

ثمة خطر كبير يواجه الأردن بلا شك، وهذا الخطر مصدره هو الاحتلال الإسرائيلي الذي يريد حل أزماته على حساب دول المنطقة، ويستهدف المنطقة برمتها وليس الفلسطينيين وحدهم، ومواجهة هذا الخطر يتطلب الإيمان أولاً بأن الجميع في مركب واحد، وأن المعركة التي يخوضها الفلسطينيون هي معركة الأمة بأكملها، وأنَّ صمود الفلسطينيين هو الضمانة الوحيدة لتعطيل وعرقلة المشروع الإسرائيلي، وأن الأردنيين والفلسطينيين شعبٌ واحد ولديهم همٌّ واحد وأي طرح يريد تمزيقهم والقول بأن «لا علاقة لنا بجيراننا» هو طرح مدمر يؤدي بالضرورة إلى إضعاف الجميع وإتاحة الفرصة للإسرائيلي حتى يقوم باستكمال مشروعه.

المصدر: محمد عايش/ “القدس العربي”
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى