الدستور والعلمانية.. 4/4..

خاص “المدارنت”..
… إن كل الدساتير السابقة التي أشرنا إليها وتوقفنا عندها، وكلها ـ باستثناء تركيا/ لدول غربية “مسيحية علمانية” توكيد على حرية العقيدة، وحرية الإيمان، ومعظمها يتبنى استقلالية المؤسسات الدينية عن الدولة، ورأس هذه المؤسسات هي الكنيسة على اختلاف طوائفها، فيما ذهب بعضها إلى تحديد مذهب الدولة الديني ومذهب رأس الدولة، وهي في معظمها تؤكد على الحق في التعليم الديني، وحق الوالدين في تعليم أولادهم دينهم، والتزام مؤسسات الدولة في توفير هذه الحقوق، ومنع التعدي عليها.
ولم تعتبر الدساتير التي أعطت لكنيسة ولمذهب ما وضعا خاصا، أن في ذلك تمييزا يخل بمبدأ المساواة أمام القانون أو بالمواطنة، أو بالحرية العقيدية، فالدستور في جوهره تعبير عن تركيب المجتمع وخصائصه وتأريخيته.
ونص العديد من هذه الدساتير على حظر وجود أحزاب سياسية على أساس ديني، أو لغوي، أو مناطقي، أو عرقي، باعتبار أن المواطنة تعني المساواة أمام القانون كما تعني سلامة ووحدة أرض الوطن. وشددت هذه الدساتير على كل ما يوفر وحدة الوطن: الجغرافيا والمواطنة.
في الانتقال إلى الدساتير في المجتمع العربي الإسلامي، ـ ومثلها في المجتمعات الإسلامية ـ فإن هذه الدساتير توفر قاعدة حرية العقيدة، وكل ما يتصل بهذه الحرية، ومع ذكر دساتير هذه الدول لدين الدولة أو دين رئيس الدولة فإنها حرصت على توكيد عدم التمييز بين المواطنين على أساس من الدين أو الطائفة، وعلى المساواة أمام القانون وعلى وحدة حقوق المواطنة لجميع المواطنين بغض النظر على الفوارق والتمايز الديني او العرقي او الا اللغوي أو أي تمايز آخر، كما حظرت إقامة أحزاب على أساس ديني، أو مناطقي، أو عرقي، أو لغوي.
وغم هذا الإطار المشترك في التعاطي مع المسألة الدينية فإن هناك اختلافا واضحا في تعاطي هذه الدساتير مع هذه المسألة، ومرد هذا الاختلاف إلى الاختلاف في الفكر الاجتماعي والقانوني بين الإسلام والمسيحية.
فقد حدد الإسلام بوضوح وبتفصيل الكثير من القضايا الاجتماعية ” قضايا الأسرة، ومسائل الحلال والحرام، والعبادات، والشعائر الجماعية التي تحتاج إلى قاعدة تعامل جماعي، كما حدد معايير وسمات لقضايا اجتماعية وسياسية، وباتت هذه كلها تحتاج إلى آليات تضمن عملها وتحقق الغاية من وجودها، وتوفر التكامل في تجسيدها وأدائها، وفي الوقت نفسه افتقد الإسلام لوجود مؤسسة كهنوتية كمثل “الكنيسة” تقوم بمثل هذه المهام، ما جعل هذه الوظيفة تعود إلى الدولة، أو إلى جهات تحددها الدولة.
أي أن للدولة دورها ووظيفتها في الرعاية المباشرة للدين الإسلامي، وفي تحقيق أغراضه في المجتمع، وإذا ما أدارت الدولة ظهرها لهذه المهمة / الوظيفة، أو تعاملت معها باستخفاف أو قصور فإنها تفتح بذلك المجال لقيام “مؤسسات وهياكل بديلة وموازية” لتقوم بهذا الدور، ومن هذه الثغرة تدخل “أحزاب، أو جمعيات دينية” يكون معيار وجودها ووظيفتها الأساسية أن توفر للمسلم هذا الجانب المفتقد الذي تخلت عنه الدولة.
ولأهمية “الدين” في المجتمع ولدى المؤمنين، فإن هذه الأحزاب والجمعيات تصبح من الناحية الفكرية والعقدية ممثلة لدولة هؤلاء، أو على الأقل تصبح بمثابة “المؤسسة الدينية / الكنيسة” لهؤلاء المؤمنين، إليها يتطلعون في حل اشكالاتهم الدينية، وإليها يتوجهون لإشباع حاجاتهم الدينية، والمشكلة في كل ما سبق أن الإسلام ليس فيه كنيسة.
واستيلاد مثل هذه البنية الكنسية من خلال أحزاب وجماعات دينية يعني أن الدولة التي تتخلى عن دورها الديني تكون في حقيقة الأمر قد قسمت المجتمع الذي تقوم عليه إلى قسمين، فهي تدير مجتمعا غير ديني من جهة، وتتحكم من جهة أخرى بمجتمع آخر ديني، ونقول تدير وتتحكم لأنها مع المجتمع الأول تدير مقدراته وفق نظرة ورغبة مكونات هذا المجتمع، ومع المجتمع الثاني تقهر مكوناته لتتحكم فيه، وهذا ما يولد نظرة عداء وصراع بينها وبين المجتمع الذي تتحكم فيه. وسينجم عن هذا الافتراق “هجرة” أتباع هذه الأحزاب والجماعات من مجتمعهم العام إلى داخل أحزابهم وجمعياتهم، وسيتحكم الظرف العام والبيئة المحيطة في جعل هذا الافتراق توجها نحو العزلة والانعزال فقط، أو توجها نحو الصراع والصدام العنيف الدموي، أي محاربة الدولة، بل والمجتمع باعتباره وعاء لوجود مظاهر الدولة وممارساتها.
دساتير الدول العربية ودساتير دول إسلامية تناولت القضية الدينية من زاوية حرية العقيدة والاعتقاد، وتنوع العقائد واختلاف الشرائع الدينية، وكذلك من زاوية أن مجتمعها مجتمعا مسلما على الغالب، وبالتالي فإن على السلطات والمؤسسات والقوانين أن تجسد هذه الحقيقة الاجتماعية وتلبي احتياجاتها وهي في الوقت نفسه متسقة مع مفهوم حرية الاعتقاد وتنوعه. وقد أسندت للمؤسسات الدينية غير الإسلامية رعاية الاحتياجات الدينية للمواطنين المعنيين.
وتتباين الدول الإسلامية والعربية في التشديد على جوانب العقيدة وتفريعاتها بقدر تباين ظروف ولادة وتركيب هذه المجتمعات. وسنرى هذه التباين بالنصوص الدستورية التي حرصت تلك المجتمعات على صياغتها، وفي هذا الإطار سنقف سريعا على دستور دولة باكستان الاسلامية، وجمهورية اندونيسيا، قبل الانتقال الى الجزائر ومن ثم جمهورية مصر العربية.
أولا: جمهورية باكستان الإسلامية
على الرغم من أن ولادة دولة “باكستان الإسلامية” جاءت في إطار ديني ابتداء فإن دستورها الذي أقر في العام 1973 وأعيد تفعيله في العام 2002، وعدل في العام 2012 يؤكد في ديباجته وفي نصوصه المعاني السابقة الخاصة بحرية الاعتقاد وصون هذه الحرية، ويؤكد في الوقت نفسه على إسلامية الدولة والمجتمع، وعلى أن السيادة في الأصل لله، وأن ممثلي الشعب يمارسون مهامهم في إطار هذه السيادة، وقد حدد الدستور في مادته الثانية من جزئه الأول أن “الإسلام دين الدولة” وشددت المادة 20 على “الحرية الدينية وحرية المؤسسات الدينية “، وعلى حق كل أصحاب دين بالمجاهرة بدينهم، وتلتزم الدولة بتوفير ما يمكنهم من ذلك، وحددت المادة 22 الضمانات التي توفرها الدولة والخاصة بالمؤسسات التعليمية فيما يخص الدين. كما يؤكد الدستور على الالتزام بتدريس القرآن والدراسات الإسلامية للمواطنين المسلمين، وتشجيع تعلم اللغة العربية وتيسيره، ولعل الدستور الباكستاني يتميز بهذا الموقف من اللغة العربية باعتبارها لغة القرآن والدين، ومنع الدستور أي تمييز من أي نوع بين الناس وبين المؤسسات الدينية على أساس العقيدة، فالجميع أفرادا ومؤسسات متساوون أمام القانون لهم ولمؤسساتهم المزايا نفسها، ولا يجوز منع أي مواطن من الالتحاق باي مؤسسة تعليمية تتلقى الدعم العام بسبب العرق، أو الدين.. الخ…..
دستور جمهورية باكستان الإسلامية
ديباجة
لما كانت السيادة على العالمين لله تبارك وتعالى وحده، ولما كانت السلطة التي منحها لشعب باكستان ليمارسها في حدود ما شرعه أمانة مقدسة، ولما كانت إرادة الشعب الباكستاني هي ان يقيم نظاما، حيث تمارس الدولة صلاحياتها وسلطتها من خلال ممثلين يختارهم الشعب … وينظم فيه المسلمون حياتهم فرادى وجماعات وفقا لتعاليم الإسلام واحكامه المنصوص عليها في القران الكريم والسنة النبوية، وتتخذ فيه التدابير اللازمة لتجاهر الأقليات وتمارسها وتنمي ثقافاتها.
الجزء الأول.. 2 ـ الإسلام دين الدولة.
الإسلام دين الدولة في باكستان.
20 ـ الحرية الدينية وحرية المؤسسات الدينية
رهنا بأحكام القانون وبالنظام العام والأخلاق:
أ ـ لكل مواطن الحق في المجاهرة بديانته وممارستها والدعوة اليها.
ب ـ لكل طائفة دينية ومذاهبها الحق في انشاء مؤسسات دينية والحفاظ عليها وادارتها.
22ـ الضمانات المتعلقة بالمؤسسات التعليمية فيما يخص الدين، وأمور أخرى
1 ـ لا يجوز ان يطلب من أي شخص منتظم في مؤسسة تعليمية ان يتلقى تعليما دينيا او ان يشترك في احتفال ديني او ان يحضر أي طقس ديني إذا كان ذلك التعليم او الاحتفال او الطقس تابعا لديانة غير ديانته.
2 ـ لا يجوز التمييز ضد أي جماعة دينية في منح المزايا والاعفاءات الضريبية للمؤسسات الدينية.
3 ـ لا يجوز الآتي مع مراعاة القانون:
أ ـ منع أي جماعة او طائفة دينية من تقديم التعليم الديني للتلاميذ من أبنائها في أي مؤسسة تعليمية تابعة لها بالكامل
ب ـ لا يجوز منع أي مواطن من الالتحاق باي مؤسسة تعليمية تتلقى دعما من المال العام بسبب العرق، أو الديانة، أو الطبقة الاجتماعية، أو محل الميلاد.
26 ـ منع التمييز في دخول الأماكن العامة.
27 ـ منع التمييز في الأجهزة الحكومية.
28 ـ الحفاظ على اللغات وابجديات الكتابة والثقافة
رهنا بأحكام المادة 251 لأي قطاع من المواطنين له لغة أو أبجدية كتابة، أو ثقافة مميزة الحق في الحفاظ عليها وتعزيزها وانشاء المؤسسات الهادفة لذلك وفق القانون.
31 ـ منهج الحياة الإسلامي
1 ـ تتخذ الخطوات اللازمة لتمكين مسلمي باكستان فرادى وجماعات من تنظيم حياتهم وفقا للمبادئ والمفاهيم الأساسية للإسلام….
2 ـ فيما يتعلق بمسلمي باكستان تعمل الدولة على ما يلي:
أ ـ الالزام بتدريس القرآن والدراسات الإسلامية وتشجيع تعلم اللغة العربية وتيسيره، وضمان طباعة القرآن الكريم ….
ب ـ وتشجيع وحدة الصف واحترام المعايير الأخلاقية الإسلامية.
ج ـ ضمان التنظيم السليم لزكاة العشر والاوقاف والمسجد.
الثاني: جمهورية إندونيسيا
أما اندونيسيا وهي أكبر دولة إسلامية من حيث عدد السكان وتضم في جنباتها أكثر من سبعة عشر ألف وخمسمائة جزيرة، ونسبة المسلمين من مجموع سكانها الذي يتجاوز 260 مليون تزيد على 88%، وفيها نحو 10% مسيحيين وديانات أخرى مثل البوذية والكونفوشية، فقد قام دستورها على تأكيد أنها دولة سيادية قائمة على الإيمان بالله الواحد الأحد، والإنسانية العادلة المتحضرة، والوحدة الاندونيسية، والحياة الديموقراطية.
وضمنت اليمين الدستورية التي يؤديها رئيس الجمهورية أو نائبه هذا المعنى:” اقسم بالله العظيم ان أقوم بمهام رئيس (نائب رئيس) جمهورية اندونيسيا بأحسن ما يكون وأعدله…..”.
وشدد الدستور على حرية المعتقد، وتعدد المعتقدات، وعلى صون هذه الحرية، وهذا التعدد، وتوفير ما يستدعيه هذا التعدد والتنوع من إجراءات.
وتضمن الدولة حرية العبادة لكل أصحاب الديانات، كل وفق ديانته، ويدخل تعزيز الإيمان الروحي والورع والأخلاق الكريمة في صلب نظام التعليم القومي الواحد.
الدستور الاندونيسي المعدل 2002
المادة 28 هـ.. 1 ـ لكل إنسان ذكر أو أنثى حرية اعتناق وممارسة دينه واختيار تعليمه …الخ
2 ـ لكل إنسان ذكر أو أنثى الحق في حرية الإيمان بعقيدته وفي التعبير عن آرائه وأفكاره، وذلك وفق ضميره.
المادة 29/ تقوم الدولة على أساس الإيمان بالله الواحد الأحد.
2 ـ تضمن الدولة لكافة الأشخاص حرية العبادة كل وفقا للديانة والعقيدة التي يعتنقها…الخ
المادة 31/ 3 ـ تدير الدولة وتنظم نظاما واحدا للتعليم القومي يكون من شانه الارتقاء بمستوى الايمان الروحي والورع والأخلاق الكريمة …
الثالث: الجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبية
الجزائر الدولة العربية الاولى من حيث المساحة، إذ تبلغ مساحتها أكثر من مليونين وثلاثمائة وثمانين كيلو متر مربع، وهي الثانية عربيا من حيث عدد السكان بعد مصر حيث بلغ عدد سكانها 45 مليون نسمة، والدولة العربية الأولى من حيث فترة الاستعمار الغربي الذي خضعت له، والذي امتد منذ العام 1830 حتى استقلالها عام 1962 وامتاز الاستعمار الفرنسي بأنه كان استعمارا استهدف هوية البلد وانتمائها الوطني، والديني، والثقافي، والجغرافي.
ولا يعرف في الجزائر وجود لغير الإسلام، وان كان هناك من يذكر وجود اقلية من اتباع المذهب الأرثوذكسي، وقدر تعداد هؤلاء بنحو04%، وبالتالي فإن الإسلام يمثل دين الشعب الجزائري وهو إلى جانب العربية يمثل هوية المجتمع الجزائري التي يشارك في رسم معالمها اللغة الامازيغية.
من أجل ذلك كان الإسلام وكانت العربية مركز استهداف من المستعمر الفرنسي على مدى مئة واثنين وثلاثين عاما.
ديباجة دستور الدولة الجزائرية التي حققت استقلالها بعد حرب تحرير مجيدة انطلقت في الأول من نوفمبر 1954 احتوى على كل المعاني السابقة، مؤكدا لها ولدورها ومكانتها في تأسيس المجتمع الجزائري المستقل. وحدد الدستور أن الإسلام دين الدولة، وكذلك دين رئيس الدولة، وأن اللغة العربية هي اللغة الوطنية والرسمية، وتبقى هي اللغة الرسمية للدولة، وأن التمازيغت كذلك لغة وطنية ورسمية. وشدد الدستور على رفض وجود أحزاب على أساس ديني، أو لغوي أو عرقي.. الخ، وتضمن اليمين الدستورية قسما بالله العلي العظيم على احترم الدين الإسلامي وتمجده،
دستور الجمهورية الجزائرية الديموقراطية الشعبية
ديباجة.. الشعب الجزائري شعب حر ومصمم على البقاء حرا….. لقد عرفت الجزائر في اعز اللحظات الحاسمة التي عاشها البحر الأبيض المتوسط كيف تجد في أبنائها منذ العهد النوميدي والفتح الإسلامي حتى الحروب التحريرية من الاستعمار روادا للحرية والوحدة والرقي، وبناة دول ديموقراطية مزدهرة طوال فترات المجد والسلام، وكان أول نوفمبر نقطة تحول فاصلة في تقرير مصيرها وتتويجا عظيما لمقاومة ضروس واجهت بها مختلف الاعتداءات على ثقافتها وقيمها والمكونات الأساسية لهويتها وهي العروبة والإسلام والامازيغية، التي تعمل الدولة دوما لترقية وتطوير كل واحد منها….
المادة 2/ الإسلام دين الدولة
المادة 3/ اللغة العربية هي اللغة الوطنية والرسمية
تظل العربية اللغة الرسمية للدولة …..
المادة 4/ تمازيغت هي كذلك لغة وطنية ورسمية
المادة 42/ لا مساس بحرمة حرية المعتقد وحرمة حرية الراي
المادة 52/ …… لا يجوز تأسيس الأحزاب السياسية على أساس ديني، أو لغوي أو عرقي أو جنسي أو مهني أو جهوي. ولا يجوز للأحزاب السياسية اللجوء إلى الدعاية الحزبية التي تقوم على العناصر المبينة في الفقرة السابقة.
المادة 87/ لا يحق أن يترشح لرئاسة الجمهورية إلا المرشح الذي:
ـ يدين بالإسلام.
المادة 90/ يؤدي رئيس الجمهورية اليمين حسب النص الاتي: “بسم الله الرحمن الرحيم.. وفاء للتضحيات الكبرى ولأرواح شهدائنا الابرار، وقيم ثورة نوفمبر الخالدة، أقسم بالله العلي العظيم أن احترم الدين الإسلامي وأمجده، وأدافع عن الدستور وأسهر على استمرارية الدولة، وأعمل على توفير الشروط اللازمة للسير العادي للمؤسسات والنظام الدستوري، وأسعى من أجل تدعيم المسار الديموقراطي، وأحترم حرية اختيار الشعب ومؤسسات الجمهورية وقوانينها، وأحافظ على سلامة التراب الوطني ووحدة الشعب والأمة واحمي الحريات والحقوق الأساسية للإنسان والمواطن واعمل بلا هوادة من اجل تطوير الشعب وازدهاره واسعى بكل قواي في سبيل تحقيق المثل العليا للعدالة والحرية والسلم في العالم”.
جمهورية مصر العربية
ينظر إلى جمهورية مصر العربية باعتبارها الدولة العربية المركزية راهنا وتاريخيا، وتحملت في التاريخ المعاصر دورا متميزا في تحرر واستقلال البلاد العربية، وفي رعاية ودعم كل حركات النهوض والبناء العربية، وسطع دورها على المستوى القومي والإقليمي والعالمي في ظل ثورة 23 يوليو وقيادة جمال عبد الناصر، وعلى المستويات السابقة كلها نظر اليها كنموذج يحتذى.
وحرص الدستور المصري في مقدمته على التأكيد على أن مصر العربية بعبقرية موقعها وتاريخها قلب العالم كله، ولها علاقة خاصة بالدين وبالرسالات السماوية، وأن المصريين يؤكدون في دستورهم أن مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.
وصدًر الدستور مواده الثلاث الأولى بالتأكيد على أن الشعب المصري جزء من الأمة العربية، وأن مصر جزء من العالم الإسلامي، وأن الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، وجعل من وظائف الدولة صيانة هذه اللغة ودعمها، وأكد أن مبادئ الشريعة المصدر الرئيسي للتشريع، وأن شرائع المصريين من المسيحيين واليهود هي المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية وشئونهم الدينية واختيار قياداتهم الروحية. ونص الدستور على الدور الخاص والمميز والمستقل للأزهر الشريف وعلمائه فيما يخص الدين الإسلامي والمجتمع المصري،
ومن خلال هذا التزام الذي أكده وعززه الدستور شدد على حرية الاعتقاد، وعلى المساواة بين المصريين جميعا أمام القانون في الحقوق والواجبات، وعلى رفض قيام أحزاب على أساس ديني أو عرقي… الخ،
واشترط الدستور على رئيس الجمهورية ونوابه أن يؤدي يمينا يتضمن القسم بالله العظيم على الالتزام بالدستور ومقتضياته، وما يتضمنه من التزامات. كما فرض الدستور تعليم اللغة العربية والدين في مختلف مراحل التعليم ما قبل الجامعي، وشدد على حفظ وصيانة تراث مصر الحضاري بجميع تنزعه ومراحله الكبرى المصرية القديمة، والقبطية، والإسلامية، باعتبارها ثروة قومية وإنسانية.
الدستور المصري المعدل 2019
في مقدمة الدستور
…. بسم الله الرحمن الرحيم.. هذا دستورنا مصر هبة النيل للمصريين، وهبة المصريين للإنسانية.
مصر العربية ـ بعبقرية موقعها وتاريخهاـ قلب العالم كله، فهي ملتقى حضاراته وثقافاته….. مصر مهد الدين وراية مجد الأديان السماوية.
… ونحن ـ المصريين ـ ….. نكتب دستورا يؤكد أن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع، وأن المرجع في تفسيرها هو ما تضمنه مجموع أحكام المحكمة الدستورية العليا في ذلك الشأن…
الباب الأول/ الدولة/ المادة 1/ جمهورية مصر العربية دولة ذات سيادة موحدة لا تقبل التجزئة، ولا ينزل عن شيء منها… الشعب المصري جزء من الامة العربية يعمل على تكاملها ووحدنها، ومصر جزء من العالم الإسلامي …
المادة 2/ الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع.
المادة 3/ مبادئ شرائع المصريين من المسيحيين واليهود المصدر الرئيسي للتشريعات المنظمة لأحوالهم الشخصية وشئونهم الدينية واختيار قياداتهم الروحية.
المادة 7/ الأزهر الشريف هيئة إسلامية علمية مستقلة، يختص دون غيره بالقيام على كافة شؤونه، وهو المرجع الأساسي في العلوم الدينية والشؤون الإسلامية، ويتولى مسئولية الدعوة ونشر علوم الدين واللغة العربية في مصر والعالم، وتلتزم الدولة بتوفير الاعتمادات المالية الكافية لتحقيق أغراضه، وشيخ الأزهر مستقل غير قابل للعزل، وينظم القانون طريقة اختياره من بين أعضاء هيئة كبار العلماء.
المادة 10/ الأسرة أساس المجتمع، قوامها الدين والأخلاق والوطنية، وتحرص الدولة على تماسكها واستقرارها وترسيخ قيمها.
المادة 24/ اللغة العربية والتربية الدينية والتاريخ الوطني بكل مراحله مواد أساسية في التعليم قبل الجامعي الحكومي والخاص …
المادة 50/ تراث مصر الحضاري والثقافي، المادي والمعنوي، بجميع تنوعاته ومراحله الكبرى، المصرية القديمة، والقبطية، والإسلامية، ثروة قومية وإنسانية، تلتزم الدولة بالحفاظ عليه وصيانته…..
المادة 53/ المواطنون لدى القانون سواء، وهم متساوون في الحقوق والواجبات، لا تمييز بينهم بسبب الدين، أو العقيدة، أو الجنس، أو الأصل، أو العرق، أو اللون، أو اللغة، أو الإعاقة، أو المستوى الاجتماعي، أو الانتماء السياسي، أو الجغرافي، أو لأي سبب آخر…..
المادة 74/ للمواطنين حق تكوين الأحزاب السياسية …. ولا يجوز مباشرة أي نشاط سياسي أو قيام أحزاب على أساس ديني أو بناء على تفرقة بسبب الجنس أو الأصل أو على أساس طائفي أو جغرافي ….
المادة 144/ يشترط أن يؤدي رئيس الجمهورية قبل أن يتولى مهام منصبه أمام مجلس النواب اليمين الاتية: “أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصا على النظام الجمهوري وأن احترم الدستور والقانون وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة وأن أحافظ على استقلال الوطن ووحدة وسلامة أراضيه”….” ويؤدي نواب الرئيس حين تعيينهم اليمين نفسه.
الختام/خلاصات عامة..
بعد هذا الاستطلاع الموسع لعينة من الدساتير للدول الغربية العلمانية ولدول عربية وإسلامية، من المفيد أن نسعى لاستخلاص المشترك والمختلف بين هذه الدساتير، وسنضع هذا في نقاط محددة من شأنها أن تساعد في التعرف على ما يمكن اعتباره فارقا بين الدساتير العلمانية وغير العلمانية.
1 ـ تتفق هذه الدساتير دونما استثناء على النص على حرية العقيدة وحرية العبادة ومسؤولية الدولة على تمكين المؤمنين من أداء شعائرهم وإقامة المؤسسات التي تمكنهم من ذلك، وتشير هذه الدساتير الى العمل على منع تعدد الاختلاف العقدي الى حالة صراع اجتماعي.
2 ـ عدد من الدساتير الغربية” العلمانية” لم تكتف بتحديد دين الدولة وإنما حددت المذهب المتبع، وافترض بعضها أن يكون رأس الدولة من أصحاب هذا المذهب. كما حددت صلة الدولة بهذا المذهب ” الكنيسة” وناظم العلاقة بينهما، فيما حددت دساتير الدول العربية والإسلامية إما دين الدولة، أودين رأس الدولة، أو حددت الاثنين معا.
3 ـ الكثير من الدساتير الغربية بالإضافية الى الدساتير العربية والإسلامية حملت التقدير والاعتزاز بالإيمان بالله والدعوة الى تعزيز قيم هذا الايمان بين أفراد المجتمع. وضمنت هذا التقدير والالتزام في مقدمات دساتيرها وفي القسم الذي يؤديه مسؤولها الأول ونائبه.
4ـ اتفقت الدساتير كلها على مساواة المواطنين أمام القانون في الحقوق والواجبات بغض النظر عن اختلافاتهم الدينية، أو العرقية، أو اللغوية، أو الجهوية، أو … إلخ، وحظرت ومنعت أي عمل أو إجراء يستهدف التمييز بناء على تلك الفروق.
5 ـ اتفقت هذه الدساتير على رفض أي شكل من أشكال الإجبار أو الاكراه المادي والمعنوي على اتباع عقيدة محددة، أو القيام بممارسة دينية لا يريد الفرد أن يمارسها، ويعتبر هذا الاتفاق أثر من آثار المبدأ الخاص بحرية العقيدة.
6 ـ معظم هذه الدساتير نص على أهمية التعليم الديني، وضمان هذا التعليم في مناهج التعليم العمومية، وكذلك على مسؤولية الوالدين عن تحديد طبيعة التعليم الديني لأبنائهم القصر.
7 ـ الاتفاق على رفض إقامة أحزاب على أساس ديني أو أي أساس يؤدي الى التفرقة بين المواطنين. وجاء هذا الرفض في إطار رفض قيام أية أحزاب على أساس لغوي أو عرقي أو مناطقي… الخ.
8 ـ وإذا كانت دساتير الدول الغربية قد نظمت المسألة الدينية في مجتمعاتها بإسناد المهمة الى “الكنيسة”، أو إلى المراجع الدينية للأقليات لديها من غير أتباع الديانة المسيحية أو مذاهبها، فإن الدستور التركي الذي ينظم علاقات مجتمع معظم أعضائه مسلمون نص على إيجاد مؤسسة دينية تعنى بالجانب الروحي الخاص بالمسلمين، وبما يتصل بهذا الجانب من مهام وعلاقات، لكنه قيد ذلك كله بأن يكون خاضعا للمفاهيم العلمانية ومتقيدا بها.
9 ـ امتازت الدساتير العربية والإسلامية بتحديد أن الشريعة الإسلامية هي المرجعية الأساسية للقوانين الوطنية وأن للمواطنين من أصخاب الشرائع الأخرى العودة إلى شرائعهم في هذا الشأن.
10 ـ أولت الدساتير جميعها أهمية خاصة للغة القومية، والتزمت بتعزيزها وتنميتها، واعتبراها اللغة الرسمية للدولة والمجتمع، كما أنها أكدت على أهمية دعم اللغات المحلية الخاصة بالأقليات، وامتازت الدساتير لعربية والإسلامية بإيلاء اللغة العربية أهمية مميزة باعتبارها لغة الكيان القومي، أو لغة دين المجتمع، لغة القرآن، حتى ولو كانت لغته القومية مختلفة، أو للسببين معا.
11 ـ اهتمت الكثير من الدساتير بتأكيد الوجه الحضاري التاريخي للمجتمع والدور والطبيعة الدينية له، باعتبار ذلك من مميزات المجتمع، ومما ساعد على صمود المجتمع وانتصاره أمام ما واجهه من تحديات، وكذلك ما أسفر عنه ذلك من تجليات عطائه الحضاري.
12 ـ اختصت الدساتير العربية والإسلامية بالنص على الشريعة الإسلامية ودورها في المجتمع، ومسؤولية الدولة تجاهها، واختلف تشديد هذه الدساتير على هذا الجانب باختلاف التحديات التي تواجه هذه الدول والمسؤوليات التي تقع على عاتقها، أي أن هذه الفقرة تكاد تكون بشكليها الموسع والمختصر تكاد تكون اختصاصا لدساتير المجتمعات العربية والإسلامية.
(إنتهى)…