مقالات

الرأي العام ولعبة الكبار..!

عبد الناصر طه/ لبنان

خاص “المدارنت”..
عند اشتداد الصراعات الاقليمية او العالمية، وتطور النزاعات السياسية الى حروب عسكرية طاحنة، يسعى كل فريق من فرقاء النزاع الى تحشيد المؤيّدين والمناصرين، من دول ومنظمات وأحزاب من شتّى انحاء الكون، لتشكيل رأي عام مساند، يعمل بقوة للضغط على الخصوم والاعداء؛ وقد تتغير قيمة الرأي العام، حسب مكانة الدول وتموضعها الجغرافي والسياسي والعسكري، وقد يكون وقعه حطيرا على دول تعتمد النظام الديموقراطي أسلوبا في الحكم، بما تتضمن دساتير تلك الدول من مبادىء ومواد تكرس سيادة الفانون واحترام حقوق الانسان، من دون تمييز (عرقي أو ديني أو سياسي)، إذ أن رأي الشعب الذي يختار ممثليه في صناديق الاقتراع يساوي بين فريقيّ السلطة والمعارضة في مجالات الحقوق والواجبات، والجميع تحت سقف الفانون، حيث يعاقب الفاسد مهما كان انتماؤه.
فيما لا تتعدى حدود الرأي العام في الدول المتخلفة أو النامية، أبعد من الصراخ الإعلامي، واعتماد الفوضى عند الحركات المعارضة التي تكون ذا وجهين غالبًا، وتميل حسب موازين القوة، ضاربة عرض الحائط بالشعارات البراقة التي تعتمدها في إثارة غرائز وعواطف الجماهير، ومشاركة في بازارات العرض والطلب، ما يصيب الثائرين والمنتفضين على الأمر الواقع السيّء بكل أنواع الأذى من تعذيب وسجن واعتقال وإخفاء وما شابه من صفوف العقاب.
بما يخصّ الرأي العام العربي، فهو جزء لا يتجزأ من الرأي العام في دول العالم الثالث؛ يعبر عن ذاته بما يتوافق مع سياسة السلطة الحاكمة، وذلك يكشف التناقض الصارخ بين الواقع من جهة والحقيقة من جهة أخرى؛ الواقع المبني على استقطاب الطبقات الفقيرة والمتوسطة، ثم تجييشها للمطالبة بحقوقها المسلوبة من قوى الأمر الواقع (وزراء ونواب وسياسيون ونافذون من اجهزة أمنية أو قضائية)، والحقيقة التي تتمثل في تكرار المحاولات الضائعة الهادفة الى التغيير قولا لا يتعداه الى الفعل، ضمن منظومة يصوغها المثقفون غالبا، ويتخلون عنها أمام مطرقة الترهيب وسندان الترغيب.
لذلك، نحن أمام فشل شعبي ذريع، وبالتالي، استحالة تغيير الطبقة السياسية الفاسدة التي تهدر طاقات الأمة، وفشل الطليعة المثقفة في تعميم مفاهيم الحرية والديموقراطية وحقوق الانسان، وبتعبير يختصر تلك المفاهيم السامية، وهو: احترام المواطنة والتساوي أمام القانون، رغم التغني بتلك المبادىء صباحًا ومساءً على وسائل الاعلام المتعددة، في عملية مسرحية كاذبة تتوزع الادوار فيها بين المسؤول الفاسد والمواطن المغفل. من هنا نستنتج أنه لا رأي عام في العالم العربي الا بما تسمح به السلطة الحاكمةوما يتناسب مع مصالحها.
والرأي العام، مرتبط ارتباطا عضويا بوسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة، نرى الصغار ينسخون ما يصدر عن وسائل الاعلام العالمية في العواصم الكبرى، في تقليد أعمى ومشاركة في معارك يخطط لها، ويقرر مصيرها الكبار؛ وهكذا نراهم يجنون على بلادهم في تلك التبعية العمياء، وخصوصا عندما يستخدم الاعلام سلاحا لتدمير الشعوب.
الرأي العام، باختصار، هو خدعة الكبار لايهام الصغار أن بمقدورهم المشاركة الفعلية في الحياة العامة، وفي صنع القرار؛ وما يحصل هو أننا نقوم بدور المتلقي على أحسن وجه، والتقليد الأعمى أصبح من صميم حياتنا المعاصرة، من دون أن نغفل أو ننسى تورط أجهزة اعلام الدول المتخلفة والدول النامية مع أصحاب القرار في الدول العظمى، وأن وسائل اعلام دول العالم الثالث تعيش على موارد من صناع القرار العالمي. وهنا نتوقف عند السؤال الكبير: أين هو الرأي العام العربي والدولي مما جرى ويجري من مجازر وابادة على امتداد الأرض العربية؟!
والجواب، هو أن القابضين على وسائل الإعلام والتواصل العالمية، هم الرأي العام الذي لا يهمه سوى المال والسلطة، ولديهم استعداد مطلق لممارسة أبشع أنواع الاجرام والقتل، والتحالف مع الدكتاتوريات والمافيات لتدمير أي جانب إنساني يخدم البشرية.

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى