الروائي.. الرواية.. في أريتريا
خاص “المدارنت”/ لا خلاف ان الكتابة هي موهبة، أداتها الألفاظ والاستعارات والإيقاع، تماما كما يتلاعب الرسام بالألوان والخطوط، والموسيقي بالحانة، تبقى الكتابة فنا ايضا وليس مجرد الهام، فلا وجود للكاتب الملهم الذي يجلس امام الورقة منتظرا هبوط الوحي من السماء، فالكتابة مثل كل فن؛ هي عملية تقتضي العمل والالتزام بالتطوير والتحسين المستمر.
بهذة المقدمة، أود أن أتحدث عن ظهور الكتّاب الإريتريّين المكثف في العشرة سنوات الأخيرة، بالرغم من ان الروايه الأريترية الاولى عمرها يقارب المئة عام، ومثال على ذلك “رواية رحلة شتاء” (قصة صالح) لعميد الكتّاب والروائيين الإريتريّين محمد سعيد ناود، إلا انهم تأخروا كثيرا عن اللحاق بالعميد لظروف ربما تكون موضوعية إذا ما نظرنا اليها بتعمق.
صحيح أن المنبع لا يدر بالماء ما لم يكن خلفه بركة ماء محجوزة، ليس لها مخرج إلا من خلال فتحة النبع، وبالمثل كل الكتاب او الروائيّين الذين ظهروا لم يكن ظهورهم من فراغ بل هنالك رصيد معرفي وذاكرة مخزن بها سلسلة من احداث ضمن واقع ووقائع لأكثر من ستون عاما، بين نضالات في سبيل استرداد الارض المسلوبة عنوة من معتدي خارجي، وبين مقاومة من اجل الحفاظ على عرض منتهك وموارد مستغلة من معتدي داخلي، احداث مؤلمة مرّ بها الآنسان الإريتري، ممزق في كيانه، مشتت في وجوده، مبعثر في كل جغرافية العالم، كل هذة الذكريات كامنة في ذاكرة كل فرد بتفاصيلها الحية، ويكفي ان يدوّن اي شخص قصة حياتة بأسلوب ادبي شيق لتصبح سرديتة رواية تمثل حياة كل إنسان اريتري بغض النظر عن مكان اقامتة لان الظروف مشتركة.
كما حدث في “رواية سمراويت” للروائي المبدع حجي جابر والتي صدرت في 2012، كيف انه اجمع كل من ولد خارج اريتريا بانها تمثله وتتحدث عنه تماما، وكان حجي جاب، يتحدث عن كل من يماثله في الظروف من دون ان يدري.
اما ان يظهر تواتر الكتّاب برواياتهم بالأعداد الملحوظة هذة، وعلى الرغم من ان الظاهرة صحية وايجابية من النظرة الأدبية الإبداعية، وتدوين ثروة من العلومات لتمليكها للاجيال الحاضرة والحفاظ في ارشيف “الميديا”، ان هنالك ظروفًا مهيأة تسهل إظهار الانتاج بان يصبح واقع مدوّن علي الورق، ويعرض في معارض الكتب، وهو ما شجع كل من له رصيد مخزون وله المقدرة على الكتابة بان يبادر في طرح إنتاجه مطبوعا.
والفضل يعود في سهولة التوثيق والنشر عبر الشبكة العنكبوتية، والرعاية المحفظة والحضن الآمنة من دار الطباعة والنشر، متمثلا في اداراتها الواعية بأهمية نشر الثقافة في سبيل التواصل الابداع الإنساني المكتوبة بالعربية، وهذا لا يعنى بان كل ما ينشر عمل ادبى متكامل بعيد عن النقد والتعليق المتخصّص، انما النقد الايجابي والتصحيح والتصويب الخلاق يفيد الكاتب والقاريء معا، ويثري المحتوى الادبي ويدفع بالإنتاج الهادف، فمرحبًا بالنقد المنهجي والناقد المحترف.