الروائي عمر سعيد يكتب إلى إبنه في ذكرى مولده
“المدارنت”..
إلى داني في ميلاده.. أتدري يا ولدي ما يحصل عندما يكبر الأبناء؟!
نفقد نحن الآباء كثيراً من الأشياء التي كنا نلهو بها أيام كنتم صغاراً.
أذكر أنك كنت لعبتي الأحب والأجمل. أستمتع حين تعتلي ظهري لأكون حمارك.. كنت أحب ذلك الحمار الذي يسعدك، ويجعلك تضحك وتفرح.
أذكر أنك كنت كُرَتي التي أقذف بها عاليًا لألتقطها وأقبلها وأعانقها.
لا أذكر أني لعبت الكرة في صغري. لكني لعبتها بعد أن بتّ أبًا يا صغيري.
كبرت يا داني وغادرت كل ملاعبي. وما عاد يستهويني اللعب.
كبرت ورحت تسابق عمرك وحلمك وطموحك.
وتركتني في نصف الطريق.
أنظر إلى الأمس، إلى داني الصغير الذي كان يصفعني. يبصق علي.. يبول على ملابسي. يعضني. يغفو على ذارعي.. يتسلل إلى فراشي ليلاً لينام في حضني.
وأنظر إلى داني اليوم. ما عاد يُغريه عالم أبويه.
أعلم أن ذلك من سُنن الطبيعة.. وأدرك وبرضًا أنها حياتكم..
لكني وحين يأتي عيد ميلادك، أفتقد كل شيء.
كنًا نحتفل به معاً.. نخطط له.. نجهز له.. ندعو اجدادك.. نجتمع حول شموعك الصغيرة التي لم تكن تتجاوز أصابع اليد.
نغني لك. تطفئها ضاحكا. فأعانقك.
كان العناق وقتها اشهى مما نضع من حلوى..
كان له كثير من طعم الحب. كثير من طعم الطفولة.. كثير من طعمك.
ها أنا أرسل لك المعايدة برسالة صوتية.
لا عناق فيها ولا “كاتو” (حلوى) ولا شموع..
ألعب دور الأب الكذّاب. الأب الذي يدعي التجلد والرجولة.
لكنني يا ولدي أكذب عليك.
فأنا أب ضعيف. تنحره العاطفة. تعزلني بعد منتصف الليل. تجلسني وحدي. تبكيني. أفتش عن أهل عن أطفال. فلا أجد إلى وسادتي والغطاء.
قالت لي أمك أن عمرك بات 23 عاماً. أخبرها من خارج قلبي أني فرح وفخور بك.
لكن الحقيقة أني أب أناني.. ما أردت يومًا أن يكبر أبنائي.. أردتهم أن يبقوا أطفالاً.
لا أدري يا داني ما هو خطئي حتى كبرت أنت وأخوك.
لا أدري كيف غافلتماني وكبرتما.
والمصيبة الأكبر أني كبرت أيضًا، وجدًا.
سأعيش على أمل أن تعوض عليّ بداني صغير.. يُعيدني رغم سنّي الكبيرة جدًا حماراً.. يركبه ويضحك.. ويفرح..
أرافقه إلى كثير من أماكن رافقتك إليها..
أستعيد بعناقه عناقك.. ورائحة البودرة وشامبو وصابون الطفولة..
يوقظني ليلاً وقد تسلل إلى فراشي فأحضنه وأهمس: حبيبي داني. تعال إلى قلبي.
يسخر مني.. يعتقد بأني قد خرفت..
ثم نغفو معاً.
أحبك وكل عيد وأنت صغيري.