الرواية الأفريقية.. السّمات والتطوّرات..
قطر/ خاص “المدارنت”..
تُعدُّ الرواية الأفريقية إحدى أعمق تجليات الهوية الثقافية والحضارية في أفريقيا، حيث تُعطي للمتلقي الفرصة لفهم التجارب التي عاشتها وما تزال تُعاصرها الشعوب الأفريقية.
وعلى الرغم من أن الأدب الأفريقي، قد بدأ مسيرته تحت وطأة التأثيرات الغربية والاستعمارية، إلا أن الرواية الأفريقية، قد تطورت سريعًا لتُصبح أداة مُستقلة للتعبير عن الذات وعن الثقافة الأفريقية بحد ذاتها، تتسم بسمات متفردة ومستقلة قد نشأت معها وصاحبتها على طول خط مسيرتها.
سمات الرواية الأفريقية، والتي من اليسير أن يقف المتلقي عليها من خلال اطلاعه المجرد، البعيد عن البحث والتقصي.
الاعتماد على التراث الثقافي والشعبي
التراث الشفهي جانب لا ينفصل عن الثقافة الأفريقية، فهو الأساس الذي تعتمد عليه العديد من الروايات الأفريقية؛ إذ تنقل الروايات التراث من خلال حكاية الأساطير أو الحكايات الشعبية، إلى جانب العادات التي تُميز كل مجتمع.
التعبير عن التجربة الاستعمارية
رسم الاحتلال الأوروبي لأفريقيا نقطة تحول في تاريخ القارة، وأثَّر بشكل كبير على أدبها، الكثير من الروايات الأفريقية؛ سواء المكتوبة باللغة المحلية أو العربية أو المترجمة تتناول هذه التجربة، وتعبر عن الاضطرابات السياسية والاجتماعية التي نتجت عن الاحتلال، فقد تجد الرواية تعكس تعقيدات الصدام الثقافي بين الشرق والغرب، وتأثير الاستعمار على الهوية الذاتية للمجتمع الأفريقي.
الواقعية الاجتماعية والسياسية
تتناول العديد من الروايات الأفريقية قضايا معاصرة تعكس الواقع الاجتماعي والسياسي في القارة الأفريقية، إذ تعكس الروايات واقع الوطن ما بعد الاستقلال، وكذلك التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجه القارة، كما نجد التجسيد لقضايا الفقر والفساد السياسي الذي يعاني منه معظم المجتمع الأفريقي، مما يعطي المتلقي فهمًا أعمق للتحديات التي تواجه الشعوب الأفريقية.
التنوع اللغوي والثقافي
هناك تنوع ثقافي ولغوي في القارة الأفريقية، وهذا ينعكس بشكل واضح في الأدب الأفريقي، فهناك العديد من الروائيين الذين يكتبون بلغات مختلفة مثل العربية، أو المحلية، أو الإنجليزية، والسعي للترجمة بلغات متعددة، وفي الوقت الذي يعتمد فيه بعض الكتاب على اللغة الغربية للتواصل مع المتلقي العالمي، نجد أن آخرين يفضلون التعبير بلغاتهم الأصلية أو المزج بين اللغات.
تطوارت الرواية الأفريقية.. البدايات والتأثيرات الخارجية
في بداية ظهور الرواية الأفريقية، كانت التأثيرات الخارجية من الأدب الغربي ظاهرة بوضوح، نتيجة لعقود من الاحتلال والتواصل مع الثقافات الأوروبية، ومع ذلك، استطاع الروائيون الأفارقة استيعاب هذه التأثيرات وإعادة صياغتها بما يتناسب مع السياقات الأفريقية، على سبيل المثال، رواية: “أشياء تتداعى”، للكاتب النيجيري تشينوا أتشيبي، تُعتبر نموذجًا للتعامل مع التأثيرات الغربية؛ حيث يبرز الصدام بين الثقافة الأفريقية التقليدية والهيمنة الغربية.
في الأدب المكتوب بالعربية، نجد تأثيرًا كذلك؛ فقد استلهم العديد من الكتاب من تجارب الاحتلال والتفاعل مع الثقافة الغربية، وقدموا أعمالًا تستعرض الصراع بين الحداثة والعادات المجتمعية، وتجسد تأثير التغييرات الاجتماعية التي جلبها الاحتلال وما بعده.
فترة ما بعد الاستقلال
مع نهاية حقبة الاحتلال، برزت الرواية الأفريقية كوسيلة للتعبير عن التحديات الجديدة التي تواجه الدول الأفريقية التي نالت استقلالها، تناولت الروايات في هذه الفترة قضايا بناء الدولة والهوية الوطنية، والتحديات المتعلقة بالفساد السياسي والانقسامات العرقية والطبقية.
الرواية الأفريقية النسائية
شهد الأدب الأفريقي، وبخاصة الرواية، صعودًا واضحًا للأصوات النسائية التي تناولت قضايا المرأة الأفريقية، والتحديات التي تواجهها في مجتمعات يسيطر عليها الذكور، ومن أبرز الكاتبات الأفريقيات اللواتي كتبن باللغة العربية، نذكر الكاتبة السودانية ليلى أبو العلا، التي تميزت بأعمالها التي تناولت قضايا المرأة السودانية والإسلامية في ظل الهجرة والبحث عن الهوية.
الرواية الأفريقية المعاصرة
في العقود الأخيرة، شهدت الرواية الأفريقية تنوعًا كبيرًا في الموضوعات والأساليب، مع التركيز على قضايا عالمية، مثل الهجرة، العولمة، والهوية في عالم معاصر يتّسم بـ”التكنولوجيا” والتغيرات السريعة، كذلك نجد في العديد من الأعمال السردية تسليط الضوء على تحديات الاندماج في المجتمعات الجديدة.
الرواية الأفريقية اليوم لم تعد تقتصر على القارة فقط؛ بل أصبحت تحتل مكانة بارزة على الساحة الأدبية العالمية، والجوائز الأدبية العالمية.