مقالات

الرواية الفلسطينية… طور جديد!

“المدارنت”..
كانت صدفة جيدة أن التأم منتدى فلسطين الدولي للإعلام والاتصال مع دخول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة حيز التنفيذ فالمنتدى الذي احتضنت إسطنبول دورته الرابعة يومي السبت والأحد الماضيين شكّل مناسبة التقى فيها أكثر من 600 من صحافيين ومدوّنين ونشطاء مواقع تواصل ومخرجين وصانعي محتوى من كل أنحاء العام.

جاء هؤلاء من معظم الأقطار العربية وكذلك من إفريقيا وأوروبا وأمريكا الشمالية والجنوبية لحضور المنتدى الذي انعقد في دورته الرابعة تحت شعار (الرواية الفلسطينية… طور جديد) لا يجمعهم رابط أقوى من كونهم جميعا وقفوا مع غزة طوال محنة الإبادة الجماعية التي تعرّضت لها لخمسة عشر شهرا، ومن بينهم أجانب أبدعوا في مساهماتهم المختلفة عبر وسائل الإعلام المتنوّعة في فضح الاحتلال وجرائمه وتسفيه سرديته والدفع نحو محاسبته دوليا على كل ما اقترفه.
على امتداد يومين كاملين عقدت ثماني جلسات نقاشية خاض فيها هؤلاء في الأداء الإعلامي الذي صاحب حرب غزة والوقوف عند إنجازاته ونقاط ضعفه مع حرص شديد على فضح الكم الهائل من الكذب والتضليل الذي وقع فيه معظم الإعلام الغربي وجزء من الإعلام العربي الذي لم يخجل طوال أشهر العدوان من الانزياح نحو رواية الاحتلال والتحيّز في أولويات التغطية وفي العناوين والشريط الإخباري على شاشاته، مع مراوغات في الصياغة والانطلاق من سرديات مضلّلة ومضامين مرغوبة عبر ضيوف مختارين وتعميم رسائل الاحتلال للأهالي، وكل ذلك تم تفصيله في كتيب وزع خلال المنتدى بعنوان «دليل تواطؤ دعائي مع الاحتلال والإبادة..هكذا تتجنّد وسائل إعلام ناطقة بالعربية كأبواق تحريض ومنصّات تشويه».
توقف الحاضرون مطوّلا عند التضحيات الرهيبة التي قدّمها الصحافيون الفلسطينيون على الأرض في غزة لنقل بشاعة ما جرى والذي لولاهم لمضى كل شيء في عتمة التضليل والكذب الإسرائيليين. استشهد 207 من هؤلاء الصحافيين والعاملين المختلفين في المجال الإعلامي، فأقام المنتدى لهم معرضا يضم صورهم وأسماءهم مع كتيبات عنهم وروزنامات تحمل أسماءهم، من باب أبسط ما يمكن أن يقدّم له من عرفان بالجميل. وقد تحدّث الصحافي الفلسطيني فايد أبو شمالة الذي كان مراسلا للبي بي سي لسنوات طويلة في القطاع عن الأسباب التي جعلت الاحتلال يمنع الإعلام الدولي من الدخول إلى غزة لتغطية الحرب:

صمد هؤلاء الصحافيون رغم استهدافهم الممنهج من قبل قوات الاحتلال التي لم تعتذر عن ذلك ولو لمرة واحدة كما أنها منعت علاج الجرحى منهم والسماح لهم بالمغادرة إلى الخارج لهذا الغرض

لقد أراد الاحتلال من خلال تغييب هؤلاء أن يكون في وضع يسمح له بالطعن في الرواية الفلسطينية، حين يقدّمها فلسطينيون من أبناء القطاع، وهو ما لا يستطيع فعله حين يكون مراسلون أمريكيون وغربيون الناقلين لوحشية الجرائم المرتكبة هناك. الهدف الآخر هو نزع الحماية عن الصحافيين المحليين ليسهل اقتناصهم واغتيالهم، بل وقتل أهاليهم كذلك لترهيبهم والانتقام منهم، فلطالما كان حضور الصحافيين الأجانب واختلاطهم الطبيعي ببقية الصحافيين الفلسطينيين والعرب يشكّل نوعا من الحماية لكل هؤلاء حيث كانت إسرائيل تقرأ حسابا لما يمكن أن يجلب لها من الويلات قتلها صحافيين غربيين.
ومضى أبو شمالة في إحدى جلسات المنتدى إلى القول إن جيل الشباب من الصحافيين الفلسطينيين الذين بقوا في القطاع «رضعوا المهنة» من جيل سابق منحهم هذه البنية القوية التي لولاها لكنّا، كما قال، أمام رواية أخرى غير التي نقلها هؤلاء ولتمّت فعلا الإبادة الكاملة. لقد صمد هؤلاء الصحافيون رغم استهدافهم الممنهج من قبل قوات الاحتلال التي لم تعتذر عن ذلك ولو لمرة واحدة كما أنها منعت علاج الجرحى منهم والسماح لهم بالمغادرة إلى الخارج لهذا الغرض.
ما ميّز المنتدى كذلك حضور شخصيات غربية أبدعت في وقفتها الإعلامية مع غزة من أبرزها الصحافية الأمريكية «أبّي مارتن» التي كانت شرسة في فضح الكذب الإسرائيلي والتضليل الأمريكي واستطاعت أن تخرق بكل ما استطاعت جدار الانحياز في الولايات المتحدة، وكذلك الناشطة الرومانية في مواقع التواصل «نيكول جينس» التي استطاعت عبر فيديوهات تمثيلية رشيقة ساخرة من إظهار متى تهافت وانتهازية الغرب في وقوفه الأعمى مع جرائم الاحتلال.
لم يكتف المنتدى بعرض الأداء الإعلامي المختلف الخاص بغزة وإنما سعى كذلك إلى محاولة إلقاء نظرة مستقبلية لما هو مطلوب في الفترة المقبلة، ولهذا خصّص جلسته الأخيرة إلى «التوجّهات الاستراتيجية للرواية الفلسطينية» حتى يتم البناء على المنجزات التي حصلت في التأثير على الرأي العام الدولي الرسمي والشعبي، خاصة في صفوف الشباب. ومما جاء في وثائق المنتدى أن «الطور الجديد الذي دخلته قضية فلسطين يفرض تطويرا نوعيا في التفاعل الإعلامي معها، فلا يصحّ الاكتفاء بتفاعل إعلامي نمطي أو ضمن مستويات محدّدة أو وفق قوالب جامدة».
ذلك أنه «من المهم العناية بصياغة مضامين خطاب فعّالة تواكب الأحداث وتراعي مقامات التواصل وتتحرّى الاستجابات المنشودة من خلال ذلك وتقع على عاتق وسائل الإعلام والفاعلين في مجالات الإعلام والاتصال والمنصّات الشبكية والمجتمع المدني والحياة الثقافية مسؤوليات مهمّة في عالم تشتدّ حاجته إلى سياسات ومواقف تمتثل لمقتضيات العدالة وحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي».

المصدر: محمد كريشان/ “القدس العربي”
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى