السويداء بعد الاغتيال إلى أين؟!
“المدارنت”..
دأب نظام المقتلة الأسدية طيلة سنوات الثورة السورية، ثورة الحرية والكرامة، على الإمساك بخياره العسكري والأمني، هذ الخيار الذي مازال يعتقد أنه الأنجع والأفضل لمحاربة ثوار سوريا، ووأد الثورة في مكانها، أو لعله في أمكنتها، على امتداد الجغرافيا السورية واتساعها.
هذا ما فعله في كل الساحات السورية وهو الذي ساهم في دفع الناس دفعًا ممنهجًا ومبرمجًا لحمل السلاح دفاعًا عن أنفسهم، ومواجهته بهذا السلاح، وصولًا إلى لي عنق الثورة السلمية، وتحويل مسارات الثورة، إلى ثورة مسلحة، كي يسهل عليه كبح جماحها، ومن ثم يعطي لنفسه كل المبررات داخليًا وخارجيًا، باعتباره يقاتل ويدمر الإرهاب المحلي والدولي كما يقول، ومن أجل الإجهاز عليها، فيما لو استطاع إلى ذلك سبيلًا.
ويبدو أن كل ما فعله ويفعله مؤخرًا ضد انتفاضة وحراك أهل السويداء وجبل العرب، يأتي ضمن هذه السياقات، وليس خارجًا عنها، فهو يتحرك من قتل إلى سواه، ومن اغتيال إلى آخر، عبر اشتغالاته ومحاولاته المستمرة، في أتون محاولة إثر محاولة، للتعاطي مع الحراك السلمي المشهود له عالميًا وإقليميًا، وفق نفس السياسات، وعلى هدي عين الأدوات، وأعتقد جازمًا أن ارتكابه الجريمة في عملية اغتيال قائد فصيل “لواء الجبل” مرهج الجرماني، قد جاء في نفس المنحى، وفي جوانية النهج الأمني الذي اتبعه في كل الساحات السورية.
وهنا علينا أن لا ننسى اغتيال النظام السوري وأجهزته الأمنية لأحد قيادات وناشطي الحراك في مدينة دوما الدكتور عدنان وهبي، وأيضًا اغتياله للناشط بسام بصلة في مدينة التل قرب دمشق، مع بدايات الثورة السورية، وهو باغتياله مرهج الجرماني حاول استعجال الضغط المباشر، وإحراج الثوار في السويداء، تهيئة لظروف أخرى، نحو الاشتغال بالثورة المسلحة واستخدام السلاح المتوفر، وهذا ما سوف يفسح المجال أمام النظام السوري لمواجهة الحراك ضمن نفس أدواته التسليحية كي يتمكن من الدخول على خط المواجهة المسلحة، وكبح تحركات حراك السويداء وإنهائه كليًا، فيما لو تمكن من ذلك تباعًا.
لكن المتابعين لحراك السويداء والمطلعين على طبيعة الحراك يدركون أن وعي نشطاء وقادة الحراك، وعقلانية أهلنا في السويداء وجبل العرب، لماهية الطريق وكنه هذا المسار الذي يعمل عليه النظام السوري، وكذلك الإمساك من قبل ثوار السويداء بحالة الهدوء وضبط النفس، وعدم السماح لأدوات النظام بالدفع نحو الانجرار إلى متاهات وطرق لا تحمد عقباها، ولا يعرف أحد منتهاها، سوف يساهم في عملية قطع الطريق على كل أجهزة النظام الطغياني وأساليبه. وهذا في الواقع رهان ما زال قائمًا وممكنًا، ويشير إلى كينونة وأهمية الوعي الشعبي في السويداء، وإدراكهم بأن أي خطوة أو تحرك ميداني باتجاه الانتفاض المسلح، سيكون لصالح النظام الأسدي، وليس ضده.
وهنا بالضبط تكمن القدرة العقلانية في السويداء، التي تعودنا عليها، من تصرفات رؤوس الحراك وقادته ونشطائه، هو الذي سيفعل بشكل حثيث وجدي لوقف أي مسارات أو منعطفات ودهاليز لا تريدها ثورة الحرية والكرامة لهم، وهم في الحقيقة سبق أن وعوا ذلك وشاهدوا ماذا حصل في ساحات سوريا ومحافظات أخرى، ومن ثم سيعرفون ويدركون كم أن الهدوء والوعي المطابق، هو الذي سيحمي ثورة السويداء وحراكها، وسيدعم بقاءها ووجودها السلمي المميز، الذي يفتخر فيه السوريين جميعًا، وهم يتابعون حراك السويداء الجميل، في كل الجغرافيا السورية، وعلى امتداد محافظات سوريا المنتفضة منذ 15 آذار/ مارس 2011.
لقد كان حراك السويداء منذ أن بدأ مع منتصف شهر آب/ أغسطس من العام 2023، وطيلة فترة حراكه المتتابع، واجتراحه الكثير من أدوات الثورة والانتفاض مثالًا يحتذى به بحق، نحو مزيد من حالات إنجاز العمل الوطني الديمقراطي الهادئ والعاقل، والمعتمد على الله أولًا، وقدرات الشعب السوري ووعي الناس ثانيًا، ضمن عمل وطني سوري ديمقراطي لا يأس معه ولا تراجع، بل تصميم وإرادة قوية لا يخيفها شيء.
ومن ثم فإن العمل الوطني المتحرك صعودًا نحو غاياته في بناء دولة المواطنة والديمقراطية وصولًا إلى إنجاز العقد الاجتماعي السوري الجامع والجديد، سوف يظل طريقًا سليمًا وعاقلًا ورصينًا لا مناص من ذلك، وهو الذي سوف يؤدي بالضرورة إلى إنجاز غايات الثورة السورية ثورة الحرية والكرامة، على طريق وحدة ساحات العمل الوطني السوري بكليته.
ويُعتقد أن المسار الوطني الذي سلكه أهل السويداء وجبل العرب منذ بداية حراكهم السلمي السوري، يؤشر وبموضوعية إلى أهمية عدم الانجرار نحو دهاليز العمل العسكري الأمني العصبوي الذي يريده نظام الإجرام الأسدي، ومتاهاته، وهم كانوا ومازالوا يحاولون بجدية واضحة الحفاظ على استمرار الحراك السلمي، وهو ما أكده غير مشارك وناشط وقائد في هذا الحراك الوطني السوري الملفت. ولعل أهمية العض على مسارات الحراك سلميًا بالنواجز، كما يقال، ينبع من مدى حرص المنتفضين في السويداء، على استمرار هذا الحراك حتى منتهاه، هذا المنتهى الذي ينجدل بكل تأكيد مع جملة مسارات الثورة السورية الواحدة والموحدة، ونحو جمع ولم وعدم تفكيك الحراكات وأدوات الثورة السورية في كل المحافظات السورية المنتفضة والتي ما انفكت مستمرة في ثورتها المظفرة، وهي تتوجه نحو إتمام عامها الرابع عشر من عمر الثورة السورية، ثورة الحرية والكرامة، وعدم السماح لنظام العسف والكبتاغون الأسدي من النيل من هذا الحراك مهما كانت التضحيات.
إن إرادة أهلنا في السويداء وجبل العرب، ووعيهم العقلاني الذي لا ينضب، سوف يحافظ على استمرار سلمية الثورة والحراك بكل تأكيد، وسوف ينبئ ويؤشر إلى مآلات أرحب، ونهايات أنضج لثورة السوريين في كل مكان ضد الطغيان والفاشيست الأسدي، والذي أوصل سوريا الى حالة الدولة الفاشلة بكل تبعاتها وواقعها الصعب والمر ضمن حالة من اللا دولة، وبيع السيادة كل السيادة إلى إيران/ الملالي والاتحاد الروسي وسواهما.