السَّنة التي غيّرت الشرق الأوسط والعالم!
“المدارنت”..
شهد عام 2024 أحداثا استثنائية غيّرت الشرق الأوسط والعالم، كان آخرها، والأكثر مفاجأة فيها، الإطاحة بنظام بشار الأسد في سوريا، إثر هجوم سريع ومباغت من «هيئة تحرير الشام» وفصائل سورية معارضة أخرى، تمكّنت خلاله، وفي أقل من أسبوعين، من إسقاط نظام حكم البلاد بالقمع الوحشيّ لأكثر من 54 عاما تحت شعار «الأسد إلى الأبد»!
كانت العملية خطيرة جدا، لأن احتمالات فشلها بعد حصول هجوم معاكس مدعوم من روسيا وإيران على محافظة إدلب، ستؤدي إلى مجازر هائلة، وإمكان فرار ملايين آخرين من اللاجئين السوريين إلى تركيا المجاورة، لكن ما حصل هو انكشاف مهول لانهيار قدرات النظام، ومعنويات قواته، وجبن رئيسه، الذي فرّ بعد أن خدع كبار قادته، وأخيه حتى، بأن المعونة الروسية قادمة، فيما كان متجها إلى قاعدة حميميم الروسية، حيث أقلعت طائرته نحو موسكو (بالتنسيق مع إسرائيل لمنع إسقاطها، حسب ما زعمت وسائل إعلام غربية).
لكن هذا الحدث النهائي، الذي اختتم ثورة السوريين المديدة التي اعتبرها الجميع «مستحيلة» لما تراكب عليها خلال 14 سنة من ظروف معطّلة وأعداء أشدّاء كثر متناقضين وجوديا ومتفقين على منع زوال حكم الأسد، لم يكن غير آخر النقلات التي عاينّاها في العام 2024، حيث تحرّكت «أحجار الدومينو» بفعل عملية «طوفان الأقصى» مما اضطر «محور المقاومة» إلى قلب استراتيجياته، من تفعيل جبهات غزة ولبنان واليمن وسوريا في حال حصل هجوم إسرائيلي على إيران، إلى الدخول في «معارك مساندة» لحركة «حماس» في غزة.
صبّت إسرائيل، بعد العملية الآنفة، نيران حممها على رؤوس الفلسطينيين، وساندتها الولايات المتحدة الأمريكية، وأهم الدول الغربية، في حرب إبادة الغزاويين تحت يافطة «حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها». حسب تحليلات إسرائيلية، فإن استغلال «حزب الله» لتلك الفرصة التاريخية لاجتياح شمال فلسطين كان سيجعل خيارات الدولة العبرية أصعب بكثير، مما قد يفضي لحرب أكبر، ولكن مع احتمالات أكثر لحصول تسوية أكثر شمولا وعدالة للفلسطينيين.
ما حصل أن «حرب المساندة» أعطت إسرائيل، على ما ظهر لاحقا، الوقت الكافي لتنفيذ عملياتها الاستخبارية الخطيرة في طهران، باغتيال إسماعيل هنية، ثم بتنفيذ خطة تفجير «البيجر» التي كانت مخططة منذ سنوات ضد أعضاء «حزب الله» واغتيال قيادات الصف الأول والثاني، بمن فيهم حسن نصر الله، الأمين العام للحزب، وتوجيه ضربات هائلة لوجود إيران و«حزب الله» في سوريا، فيما كان نظام الأسد، يحاول الحفاظ على «حياده»، واستمرّت المواجهات مع «أنصار الله» (ميليشيا) الحوثيّين في اليمن، بينما هدأ الوضع بين إيران وإسرائيل، بعد مواجهتين خطيرتين.
دفنت هذه «التقاطعات» غزة تحت الركام، ورغم أنها كانت العنصر المحرّك للأحداث، لكنها كانت الطرف المحاصر، والمتروك لوحده، أما فراغ القوى الذي حصل في سوريا، وانكشاف تلاعبات نظام الأسد، ووصول منظومته إلى انحطاطها الأقصى، ففتح الطريق لانهيار النظام ودخول قوات المعارضة إلى دمشق، ليفتح نافذة أمل، من حيث لم يحتسب أحد.
لعب انتخاب دونالد ترامب، وهو الحدث الاستثنائي العالمي الآخر، دوره، في انفلات التوحّش الإسرائيلي على آخره، وفي انحسار يد إدارة جو بايدن عن المنطقة، وهو أمر قد يكون له فعله أيضا في وصول المعارضة السورية إلى النتيجة القصوى، أما باقي البلدان العربية، وخاصة السودان، فبقيت تنوء تحت آلام الصراع الدامي بين الجيش السوداني و«قوات الدعم السريع» المدعومة من الإمارات، في حرب أجبرت 11,5 مليون سوداني على ترك أراضيهم، واضطر 3 ملايين منهم للفرار إلى بلدان مجاورة.
يؤشر قدوم ترامب، على ما يظهر، إلى احتمال الوصول إلى هدنة، أو تسوية، أو حل ما في غزة، إلا إذا جنحت حكومة الإرهاب الإسرائيلية إلى مزيد من الإبادة والتطهير العرقيّ وهو خيار سيُفضي، بالضرورة، إلى تداعيات خطيرة، في فلسطين نفسها، وفي المنطقة العربية، وفي العالم.