مقالات

الصومال تستنجد بالعرب.. فتلبّي تركيا!

الكاتب العربي الراحل محمّد خليفة/ سوريا

“المدارنت”..
أعترف سلفا أنني واقع في “حب” الشعب الصومالي, منحاز له, حب نابع من معرفة علمية أولا, وتغذيه معايشة طويلة للصوماليين ثانيا تمتد لربع قرن تقريبا, ولكنني مع ذلك لا أستحث العرب حاليا على التدخل السريع لنجدته وحمايته من مخططات ايران بدافع الهوى الذاتي, بل بدوافع قومية موضوعية وانسانية, لأن الصومال اليوم مستهدف في الصميم, ويحتل المرتبة التالية لليمن في مخطط التوسع الايراني في دول الاقليم العربية.
يتميز الصوماليون بخصائص ومزايا فريدة جدا بين العرب والافارقة على حد سواء, ويرى باحث أمريكي من اصل اثيوبي يدعى بيركيت هيلاسيلاسي أنهم الشعب الوحيد في افريقيا الذي لا يعرف الانقسامات او التعدديات الاثنية أو الدينية أو اللغوية, فالجميع فيه لهم قومية واحدة ويتحدثون لغة واحدة, ويدينون دينا واحدا على مذهب واحد, وهي ميزة جوهرية لا تتوفر في أي شعب أو بلد من بلدان القارة المنهكة بالانقسامات الدينية والعرقية, ولم يسبق أن ظهر أي شكل من أشكال الانقسام في مجتمعهم أو في بلادهم التي تسمى الصومال التاريخي الذي يعد ثلاثة أضعاف مساحة دولة الصومال الحالية.
وفي مرات عديدة قابلت شيخ المؤرخين الصوماليين المعاصرين (شيخ جامع عمر) حدثني الرجل العلامة عن قومه, فقال لي إن جميع أبحاثه انتهت الى أن الصوماليين جميعا ينحدورون من أب واحد وأم واحدة, وأصلهما من الجزيرة العربية هاجرا قبل الاسلام بعدة قرون.
هذه الميزة لم يفسدها سوى الانقسام القبلي الذي اشعل حربا أهلية في العشرين سنة الأخيرة, ولكن هذه الحرب قابلة للإطفاء من دون أن تترك آثارا عميقة, لأن الصوماليين بجميع قبائلهم متحدون في الثقافة والهوية والمصالح القومية, وينحصر نزاعهم حول السلطة والسياسة لا غير.
هذه الوحدة التاريخية العميقة جعلت منهم قوة مرهوبة في محيطها, ومكنتهم من الوقوف في وجه جيرانهم الأكثر عددا والاقوى عسكريا, بخاصة اثيوبيا التي احتلت اقليم أوغادين الغني بالبترول, وفي حرب 1977 استطاع الصوماليون هزيمة الاثيوبيين وتحرير أراضيهم, ولكن خيانة حليفهم السوفياتي وخذلان الأمريكان لهم قلب نتائج الحرب لصالح العدو التاريخي. الاستعمار الاوروبي في مراحل قوته اهتم بالصومال من زاوية الموقع الجغرافي الحساس الذي يوفر لهم ميزة التاثير على باب المندب وسواحل المحيط الهندي القريبة من طريق الهند, فضلا عن تهديد الأمبراطورية الاثيوبية التي لعبت تاريخيا دور القاعدة والحليفة للقوى الأوروبية المسيحية التاريخية الثابتة, فسعت فرنسا وايطاليا وبريطانيا خلال احتلالها للدول المجاورة نشر المسيحية وخلق فئات موالية لها ثقافيا واقتصاديا, لكنها باءت بفشل ذريع على كل المستويات ويقال إنه في كل مرة وصلت بعثة تبشيرية الى الصومال كان أفرادها يلقون المصير الحتمي بسرعة: القتل! حتى لم يعد أي كاهن أو مبشر يجرؤ على الاقتراب, إلا أن هذه الدول الغازية نجحت بفضل القوة المسلحة بتقسيم أراضي (الصومال التاريخي) فسمحت ايطاليا لأثيوبيا باحتلال القسم الأكبر, ثم قدم البريطانيون القسم الغربي الذي اختلوه لكينيا, أما فرنسا فلعبت لعبتها التقليدية وأنشأت دويلة صغيرة أسمتها (جيبوتي) لتكون كيانا ضعيفا يرتهن لمعوناتها ويجعلها قاعدة عسكرية وسياسية دائمة لها.
أما المخطط الايراني اليوم فيحاول النجاح فيما فشل الآخرون فيه بواسطة نشر التشيع وخلق قطاع من الصوماليين موال لإيران دينيا وثقافيا وسياسيا, كما فعلت في اليمن تماما وتفعل في سوريا.
وحدثني مثقفون وناشطون سياسيون عن الأمر فقالوا: إن الايرانيين نجحوا نسبيا حتى الآن لأنهم يقدمون أنفسهم للصوماليين كمسلمين لا يميزهم عن بقية المسلمين سوى حبهم الزائد لآل البيت, من دون التعمق ببقية المسائل المذهبية, ويضيفون إن الحوثيين اليمنيين لعبوا دورا مهما في هذا المجال في أوساط اللاجئين الصوماليين في اليمن الذين يناهزون النصف مليون, فروا من المجاعة والنزاعات العسكرية التي اعقبت انهيار دولتهم في عام 1991 وحتى اليوم.
ويرى المتحدثون أن ما أغرى الايرانيين بالعمل على السيطرة على بلادهم مؤخرا أسباب عديدة, في مقدمتها أن الصومال يحتوي على اليورانيوم الذي يبحث عنه الايرانيون في كل مكان من القارة, وكون الصوماليين مقاتلين أشداء, وموقع بلادهم الحيوي بين البحر الاحمر والمحيط الهندي وقربهم من باب المندب, وأما الأهم مما سبق فهو أن الصوماليين يتبعون المذهب السلفي الحنبلي, وكل أئمتهم ومثقفيهم يدرسون في السعودية ويتبعون مذهبها مما يتيح للايرانيين فرصة توظيفهم في الداخل السعودي إذا نجح مخطط تشييع بعضهم, وبالتالي صيد عصفورين بحجر واحد!
للصوماليين تجارب سابقة مريرة وسلبية مع العرب, فرغم عضويتهم في الجامعة العربية منذ الاستقلال في نهاية الستينيات لم يقدم لهم “الاشقاء” أي معونات مهمة, وسبق أن حدثني مسؤولون سابقون في نظام الرئيس سياد بري أنهم عندما وضعوا خطة التعريب في منتصف السبعينيات طلبوا مساعدتهم بتقديم كتب التعليم والمدرسين على الاقل ومع ذلك لم تستجب سوى مصر, وتكرر الخذلان عندما قاتلوا اثيوبيا لاسترداد اراضيهم فلم يحصلوا على أي عون عسكري, بل إن نظام اليمن الجنوبي في ذلك الوقت ساند الاثيوبيين ضدهم بأوامر من موسكو !اليوم يطلب الصوماليون في داخل وخارج البلاد من العرب, وخاصة السعودية ومجلس التعاون الخليجي مساندتهم لاحباط مخطط ايران الساعي أولا لنشر التشيع وتفتيت الصوماليين لإيجاد مرتكزات ثابتة لنفوذها في بلادهم, وهو ما يرى فيه الصوماليون خطرا كبيرا لم ينجح فيه المستعمرون الاوروبيون سابقا, نظرا لأن ايران تستغل حاليا انهيار الدولة والاحتراب القبلي وحاجة الفرقاء للسلاح والمال وظروف المجاعات التي حطمت اقتصاد الصومال.
الغريب أن دولة عربية خليجية تتصل اليوم بالصوماليين وتعرض عليهم تجنيد خمسين الف صومالي في جيش هدفه القتال على ارض اليمن ضد الحوثيين والمخطط الايراني, بينما لا تهتم هذه الدولة بالتصدي للمخطط نفسه داخل الصومال!
الطرف الوحيد الذي هب لمساعدة الصوماليين مؤخرا وفق خطة استراتيجية شاملة هو تركيا التي تعمل حسب روايات بعض المسؤولين الصوماليين للتصدي للتمدد الايراني في هذه المنطقة . ويقول أكثر من مصدر إن الرئيس اردوغان زار مقديشو العام الماضي واطلع مباشرة على مخططات ايران, ووضع امكانات بلاده لاحتواء الدور الايراني هنا وحماية باب المندب, فتعهد باستثمار مئات ملايين الدولارات لاحياء بنيات الدولة والمجتمع التحتية, وبالفعل تعمل الان عشرات الشركات التركية باعادة بناء المشروعات الاساسية كالاسكان (تم انجاز بناء 10,000 وحدة سكنية) وانشاء طرق المواصلات في مقديشو بما فيها مطار العاصمة, وتسيير رحلات يومية لشركة الطيران التركية, وتقديم معونة نقدية للحكومة الشرعية مقدارها 200 مليون دولار كل شهر, وتدريب قوات الجيش والشرطة.. إلخ.
الصوماليون يطالبون الدول العربية بمساندتهم لوجود مصلحة أمنية قومية مشتركة قبل أن يحقق الايرانيون أهدافهم ويستفحل مخططهم, وهم يؤكدون وجود مؤسسات ومنظمات ايرانية فاعلة تنشط وتعمل في الصومال وتقيم علاقات مع مجموعات مسلحة, ومسؤولين في دولة أرض شمال الصومال مقابل الاموال, وتركز الان على التعليم وتستقبل مئات الطلاب سنويا لتعليمهم في ايران, وخاصة التعليم الديني.

المصدر: “الشراع” اللبنانية/ 2015
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى