العرب وغزّة.. قرارات بلا آليات وتحدّيات بلا حلول!
“المدارنت”..
نكاد نجزم أن القمة العربية الطارئة في الخامس من الشهر الحالي، التي عقدت في القاهرة ليوم واحد كانت من أهم القمم العربية منذ عام 1964 عندما دعا الزعيم الراحل جمال عبدالناصر لأول مرة لعقد قمة عربية، لمواجهة مخططات إسرائيل الرامية لتحويل مجرى نهر الأردن. هذه المرة تنعقد القمة في ظل أربعة اعتداءات إسرائيلية متزامنة على الأرض العربية:
– حرب الإبادة على غزة، التي لم تتوقف لغاية الآن، بل سقط أكثر من 116 شهيدا منذ وقف إطلاق النار.
– الحرب على مخيمات الضفة الغربية بشكل خاص، وعلى شمال فلسطين والقدس بشكل عام وتشريد أكثر من 40 ألف فلسطيني، إضافة إلى تدمير مئات البيوت والشوارع والمباني، ويتزامن الهجوم البري بالدبابات والمسيرات وسلاح الجو مع هجمات المستوطنين، التي طالت كل قرية ومدينة، حيث تحولوا إلى قوة منفلتة من كل قانون أو حساب أو قيود.
– الهجمات على جنوب لبنان لم تتوقف يوما، ومسلسل الاغتيالات متواصل وتدمير القرى بحجة عودة عناصر حزب الله إلى قراهم في الجنوب، بل قررت إسرائيل منفردة أن تبقي على قواتها في خمس مناطق في الجنوب، دون أدنى مبرر في انتهاك سافر لاتفاقية وقف إطلاق النار.
– أما العدوان الرابع والأكثر وقاحة هو ما تقوم به إسرائيل في الأراضي السورية، من توسيع المنطقة العازلة وتحذير الجيش العربي السوري من الاقتراب من مناطق الحدود، واللعب على ورقة الدروز، تمهيدا لفصلهم عن سوريا. وقد رد عليهم زعيم طائفة الموحدين الدروز الشيخ حكمت الهجري، رافضا الحديث عن الانفصال مؤكدا أن الطائفة جزء لا يتجزأ من الشعب السوري قائلا لوفد من بلدة جرمانا ذات الغالبية الدرزية، “مشروعنا وطني سوري ومن يغرد خارج السرب فلسنا بصدد نقاشه”.
كان السؤال الذي يطرحه كل فلسطيني وكل عربي وكل مسلم وكل شريف في هذا العالم يقف مع الحق ضد الباطل وينصر المظلوم ضد الظالم: “هل سترتقي القمة إلى مستوى التحديات؟”. وما أثار الريبة في قلوب الفلسطينيين والعرب هو اجتماع القمة المصغرة التي عقدت في الرياض، بعد استبعاد الوجود الفلسطيني ما يدل على أن هناك مواضيع تم بحثها لفرضها على الفلسطينيين، وهو ما بدا واضحا في القمة. فمصر والسعودية والإمارات تتفق تماما على ضرورة شطب حركة حماس من الخطة المصرية، بينما تعترض قطر على ذلك. وبالتالي تم استبعاد دول مهمة قد يكون لها دور في تصليب الموقف العربي مثل الجزائر وعُمان والكويت.
لا يمكن لنا إلا أن نثمن الإجماع في القمة على رفض التهجير بشكل مطلق (البند 3 من البيان الختامي). وهذه رسالة مهمة يمكنها الضغط على الإدارة الأمريكية للتراجع عن خطة التهجير التي طرحها ترامب، وتلقفتها القيادات الإسرائيلية يمينا ويسارا ووسطا وراحت ترى أنها خطة حاسمة، لا بد من تنفيذها طوعا أو كرها. والنقطة الثانية المهمة، أن هناك خطة عربية لإعادة الإعمار. قد تكون المرة الأولى أن يجتمع العرب على فكرة، صحيح أنها تفتقد لآليات التنفيذ، إلا أن هناك مبادرة شبه متكاملة بمواعيد وميزانيات محددة يطرحها العرب، ردا على مبادرة ترامب للتهجير، وردا على خطة إسرائيل لإبقاء أمن غزة في أيديها وإبقاء وجود عسكري دائم على حدود غزة. ولكن يجب أن نشير إلى سلبيات المخرجات، التي تغطي على ما جاء فيها من مواقف مهمة من التهجير.
– نشعر بأن الخطة المصرية موجهة أصلا للولايات المتحدة والكيان الإسرائيلي. فلم يأت البيان على إدانة واضحة لما قامت به إسرائيل من حرب إبادة لقطاع غزة. لم يشر البيان إلى تحميل الكيان المسؤولية، وكأن غزة دمرها بركان أو زلزال. لنتذكر كم دفع العراق من أموال (وما زال يدفع) ثمن احتلاله للكويت والخسائر التي أصابت المواطنين ومواطني الدول الأخرى. في الحالة ألإسرائيلية كالعادة تدمر وغيرها يتحمل فاتورة الإعمار.
– ثم من أين تأتي أموال الإعمار التي تصل إلى 53 مليون دولار؟ حيث ينص البيان “والعمل على تقديم أنواع الدعم المالي والمادي والسياسي كافة لتنفيذها”. ثم يطالب البيان المجتمع الدولي ومؤسسات التمويل الدولية والإقليمية على سرعة تقديم الدعم اللازم للخطة. هكذا ترك الأمر مفتوحا. أين هو المجتمع الدولي الذي سيمول، وأين هي مؤسسات التمويل التي ستستجيب لنداء القمة العربية؟ إلا إذا كان المقصود الولايات المتحدة، التي ورد ذكرها في البيان مرتين في البند الثاني، حيث يؤكد التعاون مع القوى الإقليمية والدولية، بما فيها الولايات المتحدة، ويعود ويؤكد “استعداد القمة للانخراط الفوري مع الإدارة الأمريكية لاستئناف مفاوضات السلام، بغية التوصل إلى حل عادل وشامل للقضية الفلسطينية”.
لكن لماذا تغيب محمد بن زايد ومحمد بن سلمان عن القمة وهما، من المفروض، أن يكونا على قمة الجهات الممولة؟ التفسير المعقول لتغيبهما أنهما أحكما الخطة في مؤتمر الرياض واتفقا مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على كل التفاصيل ثم أوكلت المهمه إليه.
– المقاومة غائبة تماما عن البيان وكأنها غير موجودة. وهناك وضوح في دعم السلطة الفلسطينية، التي ستنشئ لجنة إعمار من غزة ثم تبدأ السلطة الاستعداد للعودة إلى غزة (طبعا المقصود بعد ترتيب إخراج حماس، أو على الأقل أسلحتها من المعادلة). وستقوم مصر والأردن بتدريب قوات الأمن الفلسطينية من أجل “حفظ الأمن في قطاع غزة على الوجه الأكمل، مع التأكيد على أن ملف الأمن هو مسؤولية فلسطينية خالصة”. ويدار الأمن من قبل المؤسسات الفلسطينية الشرعية وحدها، وفقا لمبدأ “القانون الواحد والسلاح الشرعي الواحد”، وهذا يعني نزع سلاح المقاومة، وهو ما عجزت عنه إسرائيل خلال 471 يوما من المجازر، أي تحقيق الأهداف التي عجزت إسرائيل عن تحقيقها بالقوة.
– يطالب البيان الأمم المتحدة بإرسال قوة حفظ سلام “تسهم في تحقيق الأمن للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي في كل الضفة الغربية وقطاع غزة”. وهذا يحتاج إلى قرار يصدر عن مجلس الأمن. والفيتو الأمريكي سيطيح بمشروع القرار لا محالة. نلاحظ هنا غياب القدس الشرقية من مسؤولية قوات حفظ السلام للأمن فيها، وكأن هناك اعترافا مبطنا بأن أمن القدس مسؤولية إسرائيلية. ونلاحظ كذلك أن مسؤولية قوات حفظ السلام للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي في الضفة وغزة، وهو إقرار بوجود شعب إسرائيلي في الضفة وغزة وليست قوات احتلال ومستوطنين مجرمين.
من الواضح أن ما سمي بالإصلاحات، وهي ليست إصلاحات لا من حيث الشكل ولا المضمون، بل جاءت نتيجة ضغوطات عربية على الرئيس عباس، خاصة من دولة الإمارات لإعادة تأهيل محمد دحلان وإعداده لتسلم قطاع غزة، وهو شخص مقبول إسرائيليا وأمريكيا ومصريا. الآن يعود دحلان من النافذة تحت يافطة الإصلاحات ولا نعرف كيف ستتم تلك الإصلاحات بإعادة المفصولين، ولا نعرف هل سيشمل ذلك إعادة تأهيل ناصر القدوة أم لا؟
أما النقطة الثانية في الإصلاحات فهو تعيين منصب نائب رئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية وهذه مخالفة قانونية واضحة. فليس من صلاحيات عباس تعيين نائب له في موقعه كرئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة. القانون الأساسي للمنظمة يعطي صلاحيات اختيار رئيس اللجنة، للجنة نفسها التي تختار الرئيس، وإذا شغر الموقع تقوم اللجنة نفسها باختيار رئيس جديد. أما أن يختار عباس نائبا لرئيس السلطة فهو أمر مختلف، ويستطيع أن يسمي شخصا نائبا له في السلطة وليس في المنظمة. فكيف سيكون هذا النائب قوة إصلاح؟
وأخيرا وعد الرئيس بإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية خلال سنة، وهذا وعد لا يصدقه أحد. فكم مرة تأخرت الانتخابات؟ ألم يمض على عباس عشرون سنة في الموقع؟ ألم يدع لإجراء الانتخابات عام 2021 وحدد التواريخ، ثم ألغاها بجرة قلم بعد انتخاب بايدن رئيسا للولايات المتحدة معتقدا أنه سيتقدم نحو التسوية السياسية.
بقي أن نقول إن الولايات المتحدة وإسرائيل، كلتيهما رفضت الخطة المصرية/العربية للإعمار. وفي الوقت نفسه، تقوم الولايات المتحدة بإجراء مفاوضات مباشرة مع حركة حماس. أليس من الأولى من باب تقوية الذات فتح خطوط فلسطينية وعربية على حركة حماس، التي كسرت عنفوان العدو المتغطرس وأجبرته أن يلعق وعوده بانتصار حاسم ينهي وجود حركات المقاومة في غزة؟