الغزو الروسي لسوريا.. الغرب سيواجه بوتين مضطرًا.. الجزء (23)

خاص “المدارنت”..
صحيح أن هناك اربع فيتوات روسية سابقة في مجلس الأمن الدولي أحبطت اربعة مشاريع قرارات تتعلق كلها بمحاولات المجتمع الدولي وقف الجرائم التي يقترفها نظام الاسد وحلفاؤه ضد الشعب السوري, إلا أن الفيتو الخامس الذي استخدمته روسيا يوم السبت الماضي (8 ت1/ اكتوبر ) كان له وضع ووقع مختلفان جدا, بل إن جلسة مجلس الامن نفسها كانت مختلفة على صعيد اللغة المتبادلة بين مندوبي الدول الكبرى , وحتى تعابير الوجوه كانت مختلفة . والذين تابعوا وقائع الجلسة عبر البث المباشر لا بد أنهم لاحظوا أن ملامح وجه المندوب الروسي فيتالي تشوركين بعد التصويت واستخدامه الفيتو اختلفت, إذ أطرق للاسفل ولم يعد يرفع عينيه الى “زملائه” ليواصل دوره كرئيس للجلسة , ومرت عشر دقائق وهو على هذه الحالة, يستمع الى كلمات المندوبين القاسية والتي تضمنت اهانات غير مباشرة له كمندوب لروسيا!. كان ذلك بمثابة اعتراف بالدور الشائن الذي كلفته قيادته القيام به ووضعته في هذا الموقف الحرج . هذا رغم أن تشوركين عرفت عنه سلاطة اللسان وبجاحته في الدفاع عن مواقف حكومته وسلوكها غير اللائق , ولكن الوضع في هذه المرة كان أصعب من أن يحتمل.
وثمة ملاحظة شكلية ثانية ذات دلالة لافتة أيضا, وهي أن تشوركين قام بوظيفتين في آن واحد , رئاسة الجلسة من ناحية , وتمثيل بلاده من ناحية ثانية, ولم يطلب من نائبه الحضور ليقوم بوظيفة ممثل روسيا , وهذه الملاحظة تدل على حرص تشوركين أو رئيسه سيرغي لافروف أن يقوم بالوظيفة الثانية بنفسه نظرا لأهمية وحساسية الجلسة والاستحقاق.
لم يسبق أن وجهت كلمات قاسية لتشوركين ولروسيا ولبوتين كالتي وجهها هذه المرة مندوب بريطانيا الذي وصف الفيتو بأنه عار على اصحابه , واتهم الروس بالاستخفاف بالمسؤولية التي يمنحها مجلس الامن للدول التي تملك حق الفيتو عن السلام الدولي. وبدت روسيا معزولة, ولم يقف معها سوى فنزويلا , بينما ابتعدت الصين خطوة للوراء عنها, فلم تستخدم الفيتو كما فعلت في المرات الاربع , وفعلت أنغولا نفس الامر وهي دولة افريقية ثانوية بلا وزن, بينما أيدت شقيقتها السنغال وهي دولة ديمقراطية مع بقية الدول مشروع القرار الفرنسي – الاسباني.
أما مشروع القرار الروسي ففشل لأنه لم ينل سوى موافقة ثلاث دول هي الصين ومصر وفنزويلا اضافة لروسيا. وهكذا عزلت روسيا نفسها , وواجهت حملات عنيفة من جميع الاطراف استهلها الرئيس الفرنسي اولاند الذي قال قبل الجلسة إن من يعترض على مشروع القرار سيفقد صدقيته ويتحمل مسؤولية جميع الانتهاكات. وقال وزير خارجيته جان جاك ايرولت عقب التصويت (على من يقف مع النظام السوري ان يتحمل العواقب) وكان ايرولت الذي قدم مشروع القرار قد قصد موسكو قبل الجلسة وأجرى محادثات مع نظيره الروسي لافروف للوصول الى صيغة وسط بين موقف روسيا ومواقف الدول الاخرى, ولكنه فشل في زحزحة الروس.
خمسة فيتوات لأزمة واحدة
اضافت روسيا الى سجلها دليلا خامسا وجديدا على عدوانيتها ومناوأتها للشعب السوري وللعالم , دفاعا عن الارهاب غير المسبوق لنظام الاسد وايران, ولإرهابها هي بعد تدخلها المباشر في الصراع السوري قبل سنة ونيف.
ويجدر التذكير هنا بالمرات الاربع السابقة التي استخدمت فيها حق النقض, تأكيدا عمليا لوقوفها بالمرصاد ضد أي مشروع يدين نظام الاسد أو يهدد بمعاقبته, وتأكيدا لوقوفها وراء جرائمه منذ بداية الثورة عام 2011 وهي:
الاولى – في الرابع من ت1 اكتوبر 2011 حين استعملت روسيا والصين للمرة الأولى حق النقض ضد مشروع قرار تقدمت به الدول الغربية يدين استعمال النظام السوري القمع المفرط ضد المدنيين السوريين ونال تأييد 13 دولة.
الثانية – في الرابع من شباط/ فبراير 2012 استعملت روسيا والصين ثانية الفيتو ضد مشروع قرار أعدته المجموعتان العربية الاوروبية, وقال المندوب الفرنسي بعد التصويت : هذا يوم حزين , وقال المندوب المغربي : لقد خاب أملنا . وقال المندوب الروسي: مشروع القرار غير متوازن ويهدد النظام السوري ويساعد المعارضة للسيطرة على النظام .
الثالثة – وفي 18 تموز/ يوليو 2012 تصدى الفيتو المزدوج للمرة الثالثة لمشروع قرار يهدد بفرض عقوبات على النظام السوري إذا لم يتوقف عن استخدام الأسلحة الثقيلة ضد المدنيين.
الرابعة – ثم عادت الدولتان في 23 أيار/ مايو 2014 لاستخدام الفيتو، للمرة الرابعة ضد مشروع قرار، يطلب إحالة ملف الجرائم المرتكبة في سوريا إلى المحكمة الجنائية الدولية .
هكذا كانت روسيا تقف بالمرصاد دائما ضد أي محاولة لادانة نظام الاسد واتخاذ قرار ملزم بوقف جرائمه وجرائم حلفائه, ورغم مرور ست سنوات تقريبا , لم تفتر ارادة روسيا, ولم تتراجع عما كانت عليه, بل يسجل بوضوح ازدياد هذه المواقف صلابة وتعنتا , وكأنها كانت تمهد لتدخلها المباشر الذي حدث بعد خمس سنوات . وها هو يصبح كما قال مندوبو تسع دول في جلسة السبت الماضي (عار يجلل روسيا ويجلل مجلس الامن والامم المتحدة) وهو ما سبق أن قاله السكرتير العام بان كيمون, وقاله مساعده للشؤون الانسانية ستيفان اوبراين, وممثله الى سورية ستيفان دي ميستورا, وقاله آخرون. وتجدر الاشارة الى ما قاله نائب السكرتير العام يان الياسون (ووزير خارجية السويد الاسبق) في مؤتمر ستوكهولم للمعارضة السورية ( 7 – 9 اكتوبر 2011 ): أنصحكم ألا تعلقوا أي أمل على مجلس الأمن لأن روسيا لن تسمح بأي قرار يهدد أو يدين نظام الاسد. ويبدو هذا التقدير المبكر أكثر من صحيح في الماضي وفي الحاضر أيضا , بل ينبغي القول إن روسيا باتت اكثر جاهزية لاستعماله مرة بعد اخرى بصرف النظر عن مواقف الدول الغربية, وبقية دول العالم, وبصرف النظر عن شدة الاتهامات والانتقادات المنددة, لسبب بسيط هو انها لم تعد تستعمل الفيتو لحماية الاسد, وإنما لحماية نفسها وقواتها التي تخوض القتال فعلا في سورية ومصالحها الاستراتيحية في الشرق الاوسط, الامر الذي يطرح أسئلة عن معالم المرحلة القادمة للأزمة السورية:
هل ستقتصر ردود الافعال الغربية خاصة على التنديد كما حدث في المرات السابقة وطوال السنوات الست ..؟
هل يشعل الخلاف الروسي – الامريكي المتصاعد حول سورية والسلوك الروسي العام في العالم حربا باردة جديدة ..؟
ما هي النتائج المتوقعة للموقف الروسي, على صعيد الأزمة السورية في الفترة القادمة وتأثيره على الأطراف الأخرى ..؟
ماذا بعد الفيتو الخامس ..؟
ينبغي النظر للفيتو باعتباره مؤشرا على اتجاهات التورط الروسي في الصراع السوري ومخططاته ونوايا القادة الروس قبل اي اعتبار آخر. فهو أحد أسلحة روسيا في هذا الصراع , ويؤكد أنها ماضية بلا تردد في خطة الامساك بسورية كاملة وفرض شروطها على جميع أطراف الازمة بما فيها النظام نفسه , بدليل القانون الذي اتخذه مجلس الدوما بالبقاء الدائم في سورية , وهو تطور جاء الاعلان عنه قبل يوم واحد فقط من تقديم فرنسا مشروع قرارها لوقف النار وحظر الطيران على حلب وادخال المعونات الانسانية الى المناطق المحاصرة فيها, وسبقه توقيع اتفاق مع نظام الاسد يعطي روسيا حق الاقامة الدائمة , وهذا الامر مجرد اخراج قانوني , لأنه من الناحية السياسية كان ملحوظا منذ بداية انشاء قاعدة حميميم وتوقيع اتفاق نشر القوات الروسية في سورية في منتصف العام الماضي 2015 , ما يعني أن الروس منذ بداية تدخلهم خخطوا لإقامة دائمة .. أو طويلة المدى , ولم يأت هذا التطور في الايام الماضية نتيجة عوامل لم تكن قائمة في البداية .
على أي حال فإن الفيتو الروسي الجديد لا يشكل حدثا مفصليا في سياق السياسة الروسية في سورية وحسب , بل هو حدث بارز في سياق التنافس أو الصراع بين روسيا والغرب على مصير سورية والشرق الاوسط . ويجب التعامل معه كمؤشر على مواجهة ساخنة بين الجانبين خلفها فشل التفاهمات الاولية على معالجة الازمة ومحاصرتها لكيلا تمتد الى خارج نطاقها الاقليمي وتهدد المنطقة . ويمكننا وضع النقاط التالية على هذا التطور الجديد:
أولا – إنه يعني الفشل الذريع لمحاولات الدول الكبرى لإيجاد ( حل سياسي للأزمة السورية ) وسقوط الرهان على تسوية تحظى برضا الفرقاء السوريين , ومباركة الفرقاء الاقليميين والدوليين . بعد أن ظلت الجهود الدولية خمس سنوات منصبة على تحقيق هذا الحل المزعوم , لكونه مبدأ ثابتا وبديلا للحل العسكري المرفوض من قبلها . إلا أن جهود خمس سنوات على الاقل أمست الآن جزءا من مرحلة انطوت بعد ان كان عنوانها العريض التفاهمات بين الدول الكبرى تحت مظلة الامم المتحدة , بيد أن الفيتو الخامس قلب الامور, وأعادها الى المربع الاول وأبرز انصراف الروس عن الحل السياسي المزعوم , وعدم اكتراثهم بأي شيء سوى بقاء الاسد في السلطة ليضمن استمرار نفوذهم ومصالحهم في سورية , ومن البديهي أن هذه الاجندة يستحيل الوصول اليها بدون القوة العسكرية والعنف لتركيع المعارضة السورية, واجبار الدول والاطراف الداعمة لهم على الاذعان , وهذا ما يفعلونه بواسطة آلتهم الحربية منذ ثلاثة عشر شهرا بالتعاون والتنسيق مع الاسد والايرانيين , وهذا ما استدعى أيضا أن يعيدوا تكييف عناصر مواقفهم السابقة ودفعها نحو مزيد من التشدد والغطرسة , فباتوا يعتبرون جميع فصائل وقوى المعارضة السورية ارهابيين ليس بينهم معتدلين ومتطرفين يجب اعدامهم ورفض مطالبهم من ناحية أولى , وأن المطالبة بتنحي الاسد تخالف قرارات الامم المتحدة , من ناحية ثانية (!!).
ثانيا – بناء على ما سبق يمكن توقع مرحلة جديدة من التصعيد الروسي العسكري والسياسي في سورية وعلى الصعيد الدولي , لأن ردود الافعال الاولى التي صدرت عن موسكو بعد جلسة مجلس الامن تظهر رغبة القيادة الروسية في الجنوح نحو ( سياسة حافة الهاوية ) مع جميع الاطراف . وستكون معركة حلب مكان الاختبار الرئيسي لهذه السياسة , ويتوقع أن تواصل القوات الروسية حربها العنيفة التي ” بشر ” بها دي ميستورا قائلا إن حلب الشرقية ستدمر بشكل كامل مع نهاية العام الحالي إذا لم تقبل المعارضة مبادرته للانسحاب وتسليم المدينة للأسد , أي القاء السلاح والاستسلام للاسد وروسيا وفق شروطهم , وهي مبادرة رحب بها فورا لافروف بينما رفضتها المعارضة السورية . وينقل المحللون الروس عن بوتين اصراره غير القابل للتراجع على فرض شروطه في حلب وفي سورية مهما كانت مواقف الدول والاطراف الاخرى لأن أي حل آخر برأيه يعتبر هزيمة لقواته , وأن انتزاع حلب من اصحابها حتى ولو دمرت على رؤوسهم يعدّ نصرا حاسما ينهي الثورة ويعيد سلطة النظام تدريجيا على المدن السورية المحررة.
ثالثا – الفيتو الروسي الاخير ينذر بإشعال مواجهة عنيفة وشاملة مع الغرب لا مع أميركا وحدها , وعلى كل المستويات لا على مستوى السوري وحده . وهذا ما أشار له الرئيس الفرنسي حين حمل مسؤولية العواقب التي ستنجم عن سقوط مشروع القرار الذي قدمته بلاده للطرف الذي يرفضه . وبناء عليه يعتقد أن هذه المواجهة لن تقتصر على المسألة السورية بل ستمتد الى جميع الجبهات الدولية التي يحاول الروس التقدم أو الضغط فيها, ولذلك استمر هؤلاء بالربط بين أي تسوية في سورية والتسويات الاخرى في اوكرانيا والبلطيق وجورجيا وغيرها . كما يعتقد أن الغرب لن يتراجع أمام بوتين نتيجة الخوف من أن يؤدي ذلك الى تشجيعه على خلق مشاكل جديدة لاوروبا والغرب , وهم مدركون أن لبوتين استراتيجية توسعية تعتمد على التصعيد . هذه التقديرات هي التي دفعت المحللين للتنبؤ بعودة (الحرب الباردة) بين الروس والغرب, وهو تقدير مبني على وعي بأحلام بوتين وخطط مؤسسته العسكرية الرامية لتحقيق مكاسب استراتيجية على مستوى العالم مستغلين انشغال اميركا في الانتخابات الرئاسية وميل المزاج الامريكي للانكفاء الداخلي بعد التجارب الفاشلة في العراق وافغانستان.. إلخ. ومع أن بعض المحللين يستبعدون عودة (الحرب الباردة) بالمفهوم القديم المعروف نتيجة غياب الصراع الاديولوجي بين الطرفين فإن العوامل الأمنية والسياسية وأوهام القوة العظمى ربما لا تقل خطورة عن الاديولوجيا وتصدير الأفكار.
رابعا – السياسة الروسية التي ترجمها الفيتو في مجلس الامن , سياسة تتسم بالخطورة والعنف والرجعية والروح الامبريالية لأنها تستهدف التوسع والهيمنة كأي سياسة امبريالية تقليدية , أي بالاعتماد على القوة فقط , وتضرب عرض الحائط بالقانون الدولي. ولذلك رفضتها الغالبية الساحقة من الدول الصغرى والكبرى , لأنها تعيد العالم الى عصور صراع الامبراطوريات على مواقع النفوذ وفق موازين القوة العسكرية , بدون احترام للشرعية الدولية ومؤسسات الامم المتحدة مما يشكل انقلابا على دورهما وهيبتهما , وعلى مجمل انجازات المجتمع الدولي خلال حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية . وهذا هو مغزى التصريحات المنددة والمحذرة من جانب مسؤولي المنظمة الدولية أولا , ومعظم مسؤولي الدول الاخرى وقلقهم على سقوط هيبة القانون الدولي بسبب الجرائم التي ترتكبها القوات الروسية والسورية في سورية , وضرورة محاسبة الاطراف التي ترتكبها . ولذلك ركزت الاعتراضات والانتقادات الدولية للموقف الروسي على الناحية القانونية والسياسية قبل أي ناحية أخرى , وتمسك الجميع بالقانون الدولي وقرارات الامم ومؤسساتها . وتعهدت باريس مواصلة سعيها عبر المنظمات الدولية الشرعية لملاحقة مرتكبي الجرائم ردا على الفيتو الروسي.
خامسا – أعاد الفيتو, ومن خلفه مواقف الكرملين في سورية بخاصة, وسياسة موسكو العدوانية والتوسعية في مناطق عديدة أحيت المواجهة التقليدية بين روسيا واوروبا, وأعادت التوترات والمخاوف والشكوك , وهذا هو مغزى أن يكون مشروع القرار الاخير الذي أعدته فرنسا واسبانيا, لا أميركا. فرنسا كانت تنتهج على مدى عقود سياسة تقارب وتعاون مع الروس, وهي التي تقود الآن سياسة المواجهة الباردة مع الجار المشكوك بنواياه . وتنذر هذه التحولات بعودة الانقسامات والتوترات بين شرق وغرب في داخل القارة , لأن روسيا قادرة على توظيف تحالفاتها التقليدية مع دول شرق اوروبا والبلقان لاثارة الخلافات وتغذية الانقسامات بين اعضاء الاتحاد الاوروبي, ودول القارة, وأعضاء حلف شمال الاطلسي. وتعد الحالة التركية نموذجا لهذه السياسة حيث تركز موسكو حاليا على جذب جارها الجنوبي للخروج من الحلف والاقتراب منها , حتى أن صحفا امريكية حذرت مؤخرا ادارة اوباما من امكان انتقال الحليف التركي من صفوف الناتو الى احضان بوتين . ويلاحظ أن أول رد فعل لواشنطن على قرار موسكو مواصلة الهجمات في حلب كان دعوتها للحلفاء الاوروبيين الكبار للاجتماع في برلين ووضع سياسة أزمة ومواجهة مع روسيا وتقديم اقتراحات عملية سريعة . وأعاد المحللون في اوروبا التذكير بنتائج تساهل الاوروبيين مع الزعيم النازي هتلر في بداية توسعه على حساب جيرانه, ومساومتهم له على تشيكوسلوفاكيا الأمر الذي شجع هتلر على التوسع وزيادة اطماعه مما سبب حربا عالمية. ومما يلفت الانتباه الآن أن الصحافة الغربية تمتلىء بالرسوم الكاريكاتيرية والمقالات الرصينة التي تعقد مقارنات بين شخصيتي بوتين وهتلر, وتشابه بدايات كل منهما والطرق التي اتبعها الزعيم النازي الالماني, ويكررها بوتين حاليا. كما تتعين الاشارة الى أن الحديث عن قابلية الازمة السورية لاشعال حرب عالمية ثالثة هو حديث اصبح يتكرر على السنة محللين ومسؤولين كبار في الغرب, نتيجة المعرفة بشخصية بوتين واهدافه القومية البعيدة.
سادسا – اخيرا لا بد من لفت الانتباه الى ان الفيتو الخامس أبرز انقساما واضحا بين الاطراف العربية , يمكن أن يتفاقم ويتحول حربا باردة عربية – عربية . فالموقف المصري في مجلس الامن حاول الموازنة بين علاقات القاهرة المتنامية مع الروس من ناحية , والتزاماتها مع العرب , وخاصة المملكة العربية السعودية ودول الخليج من ناحية ثانية , وتقاربها مع نظام الاسد من ناحية ثالثة, ولذلك جاءت النتيجة في صورة حالة غير مقبولة من الجانب العربي, وجاءت التبريرات غير مقنعة أيضا, وانتقد السفير السعودي للمرة الاولى الموقف المصري المزدوج علانية . وهذا الحدث ليس حادثا عابرا لأنه يأتي في سياق تباين يزداد عمقا ووضوحا بين مواقف القاهرة من الازمة السورية واطرافها بما فيها ايران , ومواقف الدول العربية الخليجية منها, وكثير من المراقبين يتوقعون انفجارا في علاقات القاهرة والرياض على خلفية قضايا ومسائل اقليمية اخرى تراكمت تباينات المواقف منها في الفترة الاخيرة بما فيها الصراع في اليمن والموقف من السلوك الايراني في عموم المنطقة . وإذا حدث هذا الانفجار بين القطبين العربيين الكبيرين فلا بد ان يتحول الى انقسام عربي حاد بين محورين سيلقي بظلاله على الجامعة العربية ويشمل القضايا العربية كلها , وقد يجدد الصراعات التي عرفتها المنطقة من حرب الخليج 1991 أو حرب اليمن في ستينيات القرن الماضي .. إلخ . ولا يمكن استبعاد احتمال أن تدفع روسيا عمدا العلاقات العربية – العربية لهذا الانفجار, وهناك مؤشرات لا تحصى عليه خلال العامين الاخيرين.