تربية وثقافة

الـحـــــب يـقـــــاوم*

الشاعر عمر شبلي

كامد اللوز/ البقاع الغربي/
“المدارنت”/ محمّد حمّود
============

الا يا دمعةً في جفنِ آسيةٍ
يفتّشُها أميرُ النومِ والشرطيُّ والسجّانْ
ظللْتُ أذودُها حتّى
نَما وطنٌ على الأجفانْ.
وأعرفُ أنَّ من يبكي بلا وطنٍ
تكونُ دموعُهُ شوْكًا.
فلو أرسلتِ لي قلبي، وكيسَ الصبرْ،
وخارطةً عن الريحِ،
لصارَ الدربُ كالشريانِ في جسدي،
وهذي الذئبةُ الصحراءُ يصبحُ نابُها سهْمًا
يؤشّرُ من هنا لبنان.
***
تُذكِّرُني حماماتُ السجونِ قضيّةَ الوطنِ
تُقَضّي عمرَها بالنوْحِ والإرنانْ،
وتنقُفُ بينَ طاقِ السجنِ والقضبانْ،
وتأبى أن تفارقَهُ
وتعلمُ أنّه سجنُ
بدفءِ الحبِّ والوطنِ،
يصيرُ حديدُهُ أطرى من الغُصُنِ
***
وحقِّك عندما يسجَعْنِ يُشعلْنَ المواويلَ
التي انطفأتْ بأعماقي،
وحزنًا كان يومًا كُحلَ عينيكِ
وكان غذاءَ أوراقي
***
وأقسِمُ أن جفنيْكِ
أمامَ اللهِ مسؤولان عن حزني.
رأيتُكِ تسرقين النومَ من جفنيّ كي تضعيهِ في
أجفانِ أطفالِكْ
وكلُّ حواجزِ الإنسانِ لم تحْجبْكِ عن عيني
وكانت دونَ خلخالِكْ.
مسافرةٌ بلا أهلِ،
وفي المدنِ الغريبةِ كم تسَوّلْتِ
حنانًا من فمِ الناسِ،
ولم تقفي على بابٍ بلا قُفْلِ
ولم يَرْسُ بليلٍ دمعُ عينيْكِ على المينا
ويسألُكِ المُفوَّضُ دونَ أن يدري
بأنّكِ لسْتِ سائحةَ كباقي الناس
أين جوازُك المختومُ؟ أين بطاقةُ
التلقيحِ ضدَّ السُلٍّ والجُدَري؟
وأين حقائبُ السفرِ؟
وترتعشين كالعصفورِ تحتَ أناملِ الطفلِ،
ويبدأُ تحتَ ضوءِ الدمعِ يبحثُ عن أسامينا
***
ولما أوْصَدوا أبوابَهم دوني
رأيتُكِ في الدجى تبكين قُدّامي
ووجهُك كانَ بَطّانيّتي الملأى بدفءِ الصيف،
وكان جليدُ “رينا” مثلَ سكِّينٍ
يَحزّ بقلبيَ الدامي!!
***
سهرْنا الليلَ طولَ الليل نحكي عن أحبّتِنا
وكاد الليلُ يشتعلُ،
وقلنا : طالما الأمواجُ تنتقلُ،
فإنّ روائحَ الأوطانِ سوف تظلُّ في السُفُنِ
وأُسْدِلَ فجأةً ما بين قلبيْنا
حجابُ الصمتِ والغربةْ
وراحتْ قبل أن تأتي
وظلّتْ نفْحةُ الوطنِ.
***
جنازةُ ما تبقّى من صنوبرةٍ أمامَ النارْ،
ومملكةٍ جواهرُ تاجِها حجرُ
غوَيْنا إذ كسرناهُ،
ولا ندري أرَبًّا كانَ أم حجرًا
على بُسُط ِالبنفسج كم عبدناهُ،
وباهيْنا به الأحجارْ.
***
أنا المقتول والقاتلْ
سأحكي للذين هُمُ
على قيدِ الحياةِ،ولم يموتوا بعدْ
لكيْ لا يذبحوا بيروتَ ثانيةً
بحجّةِ أنهم ثوّار
***
لهذي المرأةِ الخضراءِ سيطرةٌ على قلبي
تعذّبُني وأعشقُها
ولو يومًا جديلتُها غدتْ حبلًا على عنُقي
لقبلّتُ الجديلةَ، ثمَّ ألقيتُ السلامَ عليكَ يا وطني
ولو يومًا بأقصى الكونِ، كان الموتُ يدعوني إلى كفني
أرى وطني على كفني
***
أجذّفُ صوبَ “إيتاكا”
و”إيتاكا” على عيني.
ولما عاصفتْ ريحٌ سفينتَنا،
وصار الموجُ أسلاكًا
فتلتُ لها حِبالًا من شراييني
وقلتُ : أنا السفينةُ، لن أصيرَ بجوفِ هذا البحرْ
أنا والسادةُ البحّارةُ الفقراءُ أسماكا
وأهمسُ في سواعدِهمْ،
وتنبتُ في الدمِ الآمالْ.
ولكنْ أين “إيتاكا”؟!
تُحَدِّقُ في جبال الموجِ بينَ الحينِ والحينِ
وتحسبُ أنّ هذا الأبيضَ الطافي
عليها ثلجُ صنّينِ.
أُخَيَّةُ لم يعد في البالْ
سوى عينيْكِ والوطنِ
خُذيني صوبَ عينيكِ
وضُمّيني،
فلم تتركْ لنا الدنيا سوى موّال:
ألا يا حاديَ الأظعانِ سلِّمْ لي على بيروتْ
وأوصيكم إذا ما متُّ ردُّوني إلى وطني بلا تابوت.
***
خذي زندي ولو خشباً
فقد أعطى لأمّتِهِ
ذراعًا غيرَ آثمةٍ
ولوْ لامسْتِهِ يومًا
برفقٍ لم يعدْ خشبا
لأنَّ الحبَّ لم يهرمْ بقلبيْنا
فإنّا لم نزلْ أحياء،
وما زالتْ أمانينا هي الأغلى
لأنّا ما خلعْناها
ولم تغرقْ مراكبُنا لأنّ البحرَ آخرُه على صيداءْ.
أحبّيني، فإنّ الحبَّ في المنفى يساعدُني
وينقذُني من الحجرِ.
فقد تُلغي بنفسجةٌ
بنفحِ عبيرِها صحراءْ،
ويملأُ غابةً عصفورْ.
أحبّيني فأنتِ الدفءُ في ليلي
وأنتِ النور.

* ألقى الشاعر عمر شبلي هذه القصيدة على مسرح “نادي كامد اللوز”السبت الماضي
==============

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى