“القدس العربي” تنعى الكاتب والناقد العربي الكبير الياس خوري: أبعد من خسارة فادحة..!
“المدارنت”..
تنعى أسرة تحرير “القدس العربي” الزميل الياس خوري (1948ـ2024)، الكاتب والقاص والروائي والناقد والأكاديمي الكبير، الذي رحل يوم أمس، الأحد في العاصمة اللبنانية بيروت، بعد معاناة مع مرض عضال استغرقت شهوراً طويلة ممضة، لكن مشاقّها لم تمنعه من مواصلة الحياة والمقاومة، فواظب على كتابة عموده الأسبوعي “هواء طلق” في صحيفتنا، حتى ثلاثة أسابيع خلت.
وكان خوري قد انضم إلى أسرة كتّاب “القدس العربي” منذ أواسط تسعينيات القرن المنصرم، فأضاف إلى شخصية الصحيفة الوطنية والديموقراطية والأخلاقية والتعددية الكثير من عناصر الإغناء والعمق والتميز، في ميادين شتى لم تقتصر على الفكر والثقافة والفنون، ولا تتوقف عند قضايا الساعة والسياسة اليومية والمنعطفات الحاسمة، وتحرص على منح القضية الفلسطينية مكانة عالية وانحيازاً لا يكلّ.
وإلى جانب خسارة الزميل والصديق فإن “القدس العربي” تنعى في شخص خوري صحافياً متمرساً شديد الإخلاص لشرف المهنة، ومحرراً صاحب رؤية ورسالة، أعطى الكثير في منابر كبرى تشمل منابر يومية مثل “السفير”، وأخرى أسبوعية مثل “ملحق النهار الثقافي”، وثالثة فصلية مثل “الكرمل” و”مجلة الدراسات الفلسطينية” وسواها.
كما تنعى أديباً رفيع الإنجاز، في القصة القصيرة والرواية والمسرح، حيث يصحّ القول إنّ سلسلة رواياته الأخيرة بعد “باب الشمس” وصولاً إلى ثلاثية “أولاد الغيتو” خطّت للرواية العربية مسارات فريدة ونوعية في تناول القضية الفلسطينية وماضي وحاضر ومستقبل الشعب الفلسطيني.
وإلى جانب موقعه الأدبي الخلاق، كان خوري ناقداً أدبياً وثقافياً عميق التأمل في النصوص الأدبية كافة، وثاقب التفكير في تأثيراتها الوجدانية والاجتماعية والسياسية، وجسور الربط بين الظواهر الإبداعية والأساليب وحركات التجديد في صلاتها بالحياة اليومية والهموم المعيشية والقضايا الإنسانية. وكان هذا دأبه في أطوار التدريس الأكاديمي لدى جامعات عريقة في الولايات المتحدة وسواها، حين تمسك بسلسلة مساقات تعليمية تلحّ على الوفاء للواقع والمعضلات الإنسانية والقضايا المحقة.
ولا ينفصل عن هذا البُعد تاريخُ خوري الناصع لجهة الانتماء إلى المقاومة الفلسطينية منذ سنّ 19 عاماً، حين التحق بصفوف العمل الفدائي في الأغوار وبقي في الأردن يمارس سائر مهامّ الكاتب والناشط والمقاتل. وفي شطر آخر لا يقلّ وفاء للواجب النضالي والتزاماً بأخلاقيات الانتماء إلى القضايا العادلة، انخرط خوري في صفوف الحركة الوطنية اللبنانية، وشارك في القتال ضدّ الفاشيات المحلية على اختلاف فصائلها وعقائدها.
وأبعد من خسارة فادحة ونعي لزميل وصديق وكاتب بارز وأحد أعمدة صحيفة “القدس العربي”، نفتقد غياب أفكار خوري وحضوره الوضاء وشخصيته الحيوية، ونعزي أسرته وأحباءه وقراءه مثلما نعزّي أنفسنا، ونتعزى بانّ ذكراه باقية ومعلّمة وهادية.