القدس ـ غزة.. محارق “إسرائيلية”!
“المدارنت”
اندلعت، منذ أول أمس الأربعاء، حرائق واسعة بين مدينتيّ القدس وتل أبيب، أتت على نحو 20 ألف دونم من الأحراش الطبيعية، في واحدة من أكبر موجات الحرائق التي تشهدها البلاد منذ سنوات.
جرى ذلك في الوقت الذي تستمر فيه، طائرات ودبابات ومدافع إسرائيل في إحراق قطاع غزة واستهداف سكانه بالقتل والتجويع، وهو ما دفع السفير الليبي لدى الأمم المتحدة، طاهر السني، لوصف ما يجري، خلال جلسة لمجلس الأمن، بـ«المحرقة» (مما أثار هجوم ممثلي أمريكا وبريطانيا وفرنسا عليه!).
باستثناء رئيس إسرائيل إسحق هيرتسوغ، الذي نسب ما يحدث في تلال القدس إلى «أزمة المناخ»، فإن المسؤولين الإسرائيليين المباشرين عن «محرقة غزة» سارعوا إلى إعطاء الطابع الأمنيّ على ما يحدث فادعى بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء، بأن التحقيق جار مع 18 شخصا للاشتباه بإضرامهم الحرائق وبأنه تم اعتقال شخص «متلبّس بالجريمة»، وهو ما دحضه مراسل عسكري إسرائيلي أكد القبض على 3 أشخاص فحسب.
بين تلال القدس ـ تل أبيب التي تعتبر مناطق إسرائيلية مهددة بالحرائق، والقطاع الجغرافي ـ السكاني الفلسطيني المحاصر بأحداث الإبادة والمجاعة على مدار الساعة تتفجّر المفارقات الكبرى لمعنى إسرائيل الراكبة على صناعة المحرقة النازية والذاهبة بالفلسطينيين إلى محرقة من صناعتها، ولواقع المنطقة العربية المتهالك تحت وقع الأزمات الكارثية، وللانفراط المتسارع للعالم على وقع أجندة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
لا يجوز، حسب ممثلي الدول الكبرى في مجلس الأمن، في الحادثة سابقة الذكر، وصف ما يحصل للفلسطينيين بالمحرقة لأن هذه العبارات، كما قالت دوروثي شيا، ممثلة الولايات المتحدة، «تقلل من شأن المحرقة» وهو أمر «معاد للساميّة».
تتجاهل شيا ونظراؤها المفارقة الفظيعة الماثلة في دعوى عدم التقليل من شأن المحرقة، التي كانت عملية إبادة لجماعة بشرية، واستخدام ذلك للتقليل من شأن عملية إبادة جارية الآن (وهو ما طالبت محكمة العدل الدولية إسرائيل بمنعه) تقوم بها دولة تزعم تمثيل ضحايا الإبادة السابقة.
تمثل إسرائيل، وكل ما يتعلق بها، مفارقة عالمية تسير، دائما، في اتجاهين شديدي التناقض، فمن جهة نشهد إقرارات إسرائيلية وغربية رسمية صريحة بنيّة إبادة الفلسطينيين، من قبيل تصريح وزير التراث عميحاي إلياهو بأن إلقاء قنبلة نووية على غزة هو حل ممكن، ونشهد تسابق وزيري المالية والأمن القومي، سموتريتش وبن غفير، في إطلاق التصريحات الإبادية والعنصرية، نقرأ، في سياق حدث القدس ـ تل أبيب الأخير، أن بن غفير، هو «المشرف على خدمات الإطفاء»، وأنه ينسّق إجراءات المساعدات الإضافية و«جهود إجلاء المحاصرين»!
أضاف ناشطون بيئيون فلسطينيون، مثل جورج قرزوم، رئيس تحرير مجلة «آفاق البيئة والتنمية»، الذي أجرت «القدس العربي» لقاء معه اليوم، بعدا تاريخيا عميقا لموضوع الحرائق، بكشفه أن المستوطنين الإسرائيليين، ومنذ ما قبل عام 1948، ساهموا في زرع أشجار «لا تتلاءم مع الغطاء الشجري التراثي والتاريخي المقاوم في فلسطين»، ولهذا فإن «النيران تنتقل بشراسة في المناطق الحرجية التي يسيطر عليها الاحتلال».
بهذا المعنى فإن توطين إسرائيل في فلسطين التاريخية كان فعلا مناهضا للطبيعة وللبشر معا، وهو يمتدّ من طبيعة الغطاء الشجري المستزرع في بيئة لا تناسبه، إلى المستوطنين أنفسهم الذين يؤسسون وجودهم على اقتلاع البيئة البشرية التاريخية لسكان الأرض الأصلاء، وصولا إلى إبادة الثقافة الفلسطينية.