مقالات

القومية الشيعية وسيف المهدي!

الكاتب العربي الراحل محمّد خليفة/ سوريا

“المدارنت”..
تمضي ايران قدما في خلق (الأمة الشيعية) التي تستوعب جميع شيعة العالم من باكستان الى اليمن, ومن أذربيجان الى لبنان, ومن أفغانستان الى الاحساء والبحرين.
هذا المشروع الذي يتبناه حكام طهران الحاليون، حلم عمره خمسمائة سنة يداعب خيالات الشاهات الفرس منذ اسماعيل الصفوى حتى رضا بهلوي.. وأخيرا الخميني وخامنئي.
لا يمكن تحقيق ( الأمة) بدون (رابطة قومية), تمهيدا لتجسيدها في (دولة). والدولة – الأمة هي الصيغة النهائية للمشروع.
وجد الفرس ضالتهم في المذهب الشيعي الاثناعشري, فهو الرابطة الروحية والثقافية الوحيدة التي تجمع بين أجناس وشعوب وقبائل لا شيء يجمعها كالهزارة والباتان والعرب والآذر والكورد والبشتون, وللفرس فيها موقع الريادة والقيادة, لأنهم – برايهم – العنصر الارقى المهيأون لبلورة ”الرؤيا” وصياغة الهوية وقيادة المشروع, ويملكون القوة المادية والعسكرية للقتال في سبيله.
والتاريخ يتطور ولكنه لا يتغير, والأمم تستهيم بأحلامها , وما من أمة للأسف إلا ولها (حلم أو رؤيا) يستاثر بعواطفها ويشحذ همم أجيالها. بعض الاحلام واقعي وقابل للتطبيق, وبعضها اسطوري اشبه بالبارانويا يقود الى الانتحار.
حلم بسمارك كان واقعيا فأمكن تحقيقه, بينما كان حلم هتلر وهما وجنونا فقاد الى أكبر حرب في التاريخ.
معطيات التاريخ الغابر ليست أساسا صالحا للحاضر والمستقبل دائما، وإلا فإن الحروب وأنهار الدم لن تتوقف, لأن التغيرات التاريخية تحمل معها دائما جديدا يسعى لتثبيت حقه في الوجود على حساب القديم. حروب البلقان في مطلع القرن العشرين كافة أشعلتها أوهام تاريخية, فاليونانيون والصرب والبلغار والالبان كل على حدة قاتل لاحياء (الأمة الكبرى) كما يتمناها استنادا لأمجاد غابرة فاقتتلوا وتذابحوا ولم ينجح أي طرف منهم في بلوغ مبتغاه.
العرب في العصر الحديث أدركوا هذه الحقيقة فلم يحلق خيالهم الى مجدهم الغابر في اسبانيا, فحصروا سعيهم في إحياء التضامن والتكامل والتنمية المشتركة بين شعوب حية في الواقع متجانسة تاريخيا وقوميا بأساليب عصرية, لأنه مشروع واقعي وممكن ومن صميم العصر. ومع أن شرارة الثورة العربية عام 1916، انطلقت من مكة بقيادة الشريف الهاشمي حسين, فإنها كانت منذ اللحظة الاولى قومية، ولم تكن إسلامية أو سنية وتحالفت مع الاوروبيين ضد (الخلافة).
أهم ما في الخبرات المكتسبة من التاريخ أن الدين أو المذهب لا يمكنهما أن يكونا اساسا لخلق الدولة – الأمة, والدول الدينية بطبيعتها دول “ثيوقراطية” استبدادية تجافي العصر والحداثة والتطورات الحضارية الكبرى في مجالات حقوق الانسان والمساواة والعدالة وحكم القانون وغير ذلك من قيم تجمعها المنظومة (الديموقراطية). ومنذ الثورة الفرنسية وانتهاء حكم الكنيسة, وانهيار بقية الدول والامبراطوريات المستندة الى الهويات الدينية والمذهبية, بما فيها الخلافة العثمانية لم يعد المجتمع الدولي الذي تحكمه (العولمة) يقبل الدول الدينية في منظوماته السياسية العصرية , والعالم يتطور نحو الوحدة الكونية باضطراد.
الدولة الدينية – المذهبية بالضرورة دولة منافية للعصر , وخارجة على القانون الدولي , تحمل في طياتها روح العدوان والحرب والتمييز.
الدولة اليهودية المعاصرة من هذا النوع, دولة اساطير وخرافات لا أساس لها ولا مستقبل, قامت وتعيش على العدوان.ومشروع الدولة – الشيعية بقيادة ايران صورة مكررة وأخطر, لأن عدد الشيعة في العالم أضعاف اليهود, ولا يحتاج المرء خيالا واسعا حتى يكتشف أن الدولة الشيعية ستستهدف بالضرورة المسلمين السنة, فهذه الحقيقة هي الاستنتاج الابرز، من تجارب عديدة خلاصتها أن الشيعة لم يبنوا دولة أو جيشا إلا وكان هدفهم قتال أهل السنة! خصوصا عندما يتضافر العاملان المذهبي والامبراطوري في حالة إيران, لأن العداء الفارسي العرقي للعرب متأصل منذ الفتح العربي لفارس وتقويض امبراطوريتها القديمة.
حاولت إيران الخمينية منذ قيامها إحياء امبراطوريتها الغابرة، وتحقيق أحلامها التوسعية الفارسية وتوظيف العامل المذهبي لاستيعاب واحتواء الشيعة في الدول المجاورة, وبخاصة العربية, وأقامت نظام ولاية الفقيه, وجعلت من زعامتها زعامة روحية لكل الشيعة حيثما كانوا, وذات سلطة عابرة للدول والانتماءات الوطنية, تفرض على كل شيعي طاعة ولي الفقيه الايراني وموالاته.
حلم الدولة الشيعية الواحدة والقومية الشيعية الموحدة هو من صلب العقيدة الشيعية, لأن الامام الغائب صاحب الزمان “المهدي المنتظر” حين يعود سيقيم هذه الدولة بنفسه وينتقم من أعدائها  من هم سوى السنة..؟!).
وما تقوم به “ايران الخامنئية” من حروب في العراق وسوريا واليمن بناء على فتاوى المرشد إنما هي اجراءات تمهيدية  لظهور صاحب الزمان, واستعدادات لتحقيق مشروع الدولة – الامة الشيعية.
وعندما يتدخل ولي الفقيه الايراني في شؤون الشيعة العراقية أو السعودية أو السورية فهو يفعل ذلك استنادا لسلطته وولايته على كل الشيعة في العالم, كمرجع أعلى للجميع! وعندما يهدد قاسم سليماني البحرين, أو ينذر محمد علي جعفري السعودية أو يتحدث المسؤولون الايرانيون عن العراق، كجزء من الامبراطورية الفارسية، فهم يعبرون عن تبلور القومية الشيعية, والسيادة الايرانية على شيعة العالم, تعبيرا عن الاتجاه لقيام الدولة الجامعة التي توحد الشيعة في كل مكان خلف سلطتيها الدينية والسياسية.
على العالم بأسره, لا العرب فقط,  القلق من هذا الاتجاه, وانتظار كثير من الحروب التوسعية تشعلها ايران وتغذيها حتى يتحقق لها تدمير (الدولة الوطنية في الشرق الاوسط) وانشاء الدول المذهبية والطائفية على أنقاضها .
أما البرنامج النووي فهو (سيف المهدي المنتظر) أو بالأصح سيف “ديمقليس”!

نشر هذا المقال في مجلة “الشراع” اللبنانية في 24 حزيران 2016.
المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى