القيادة التربوية.. فن.. إبداع.. وعطاء.. (ج 2)

خاص “المدارنت”..
1/ كن قائدا لا مديرا أو رئيسا
الذين يخططون ويؤسسون ويبنون، هم القادة وليس المديرون. من البشر، هناك من يدير ومن يقود. والفرق بين المفهومين، وبين أبعاد معناها، كالفرق بين الخضوع لما هو واقع ومعايشته، وبين رفضه كواقع ثم العمل على نزعه وتغييره. فالفعل (قاد، يقود) ثابت المعنى عبر التاريخ، فإنه يعني توفير الظروف الملائمة مع التوجيه والإرشاد، ثم الاندفاع نحو استكشاف آفاق جديدة، وهذا المعنى، ينطوي على كثير من الابتكار والتعلٌم المستمر، مع ضرورة وضع الحلول لمعالجة المشكلات التي تواجه العاملين. وللتوضيح: فإن فكر القائد ينطلق مرتكزا على عناصر المجموعة ،أي (نحن) وليس على عنصر الفردية، أيّ (انا).
مقابل ذلك، نحلل الفعل (دار، يُدير) يعني معالجة وضع قائم، أي يدير ما هو موجود، من دون حراك ولا تغيير أو تبديل. وهذا الأمر يتضمن رضوخا وسكوتا، ثم موتً.. ولا حياة لمن تنادي، حيث ينعدم السمع والأبصار والافئدة.
هنا تجدر الاشارة، إلى أن الإجابة على السؤال: هل يستطيع أو يمكن لكل منا، كبشر، أن يكون قائدا؟ والإجابة، إنما تحددها تجاذبات وصراعات، خاصة ذاتية، بين قوى العقل وبين قوى الأهواء والميول والغراءز. فأين نحن كبشر: صغارا وكبارا، تلامذة ومعلمين، جهلة ومثقفين.. الخ، من نتائج هذا الصراع والنزاع؟ وعليه يلزم الأمر التمسك بروحية ما جاءت به النصوص القرآنية لقوله تعالى: “ولكم في رسول الله أسوة حسنة يا أولي الألباب.”، و”قل اعملوا…”، “أطيعوا الله وأطيعوا الرسول..”، هذه الآيات القرآنية دليل عمل متجدد، ودليل حياة متغيرة متبدلة، تابى السكون وتأبى الجمود، فكيف لك أيها الإنسان البشري أن ترضى لنفسك السكون والجمود، وخالقك ومكونك، جعلك في صراع وعراك ومخاصمة بين عناصر مكوناتك، والتي هي من مادة وروح، والتي هي بين قوى عاقلة وقوى غريزية هوائية.. لذلك من ضروريات العمل الصالح وجود قيادة تتحلى بصفات وشروط ما جاءت به الرسالات السماوية ،وخصوص رسالة محمد بن عبد الله (ص). وتتمثل تلك بـ:
# الإيمان الذي يثمر عملا صالحا.
# الانفتاح الموضوعي والاتصاف بالقيم والأخلاق
# قوله يوافق عمله، يمتلك قدرة الكفاءة وحسن التصرف.
# شجاع ومقدام، مختار من الاخرين، ملهمهم.
# مفطور على ما ذُكر.
وهكذا فالقائد التربوي والإداري، وفي أي موقع كان، هو الذي يقود أصحابه: من هيئة التدريس وطلاب وأولياء امور.. في رحلته الطويلة، نحو آفاق تسودها: الشمولية والاعتدال والوضوح والواقعية وعدم التناقض وقابلية التطبيق. ويتجلى، السبيل إلى ذلك، بالتعاون المدرك العارف الواعي، والمشاركة الفعالة، مع التأكيد على محاولات الابتكار والإبداع داخل صيرورة التقدم والتجديد. فمن أراد لنفسه أن يكون قائدا، فعليه أن يلزم نفسه بذلك، وينفذ ما عليه من واجبات ،كوسيلة لإنجاح العمل التربوي، خصوصا، وأي عمل اخر، عموما.
ونذكر جملة الواجبات التي اتصف بها القائد، وما فطر عليها، بالأحرى عليه ترجمة الصفات إلى عينات وتجارب عملية، تتلخص بـ:
# التحلي بالنظرة التاملية، الدقيقة، الواقعية، الموضوعية.
# يؤمن بضرورة التغيير الى الأفضل، متحديا الوضع القائم.
# يعمل: بالرؤية المشتركة، بالقدوة الحسنة، بتفعيل وتقوية العزائم والارادات على مواصلة الكفاح واستمرار المسيرة..
2/ تنفيذ المشاريع
فرق التعليم وخطوات تحققها
عملية التعليم، أشد صعوبة واكثر تعقيدا، من قدرة الفرد الواحد على القيام بمتطلباتها، لأن المواهب المطلوبة لذلك شديدة التنوع والتوسع، فواجب القائد التربوي، تمكين المعلمين على تحسين نوعية العملية التعليمية، بالتنظيم والتنويع والتوزيع، في إطار فرق تعليمية تسودها روح الزمالة، وتسهم على تنمية قدراتهم على تحمل مسؤولياتهم، وذلك باعتماد خطوات تدعم نجاحها. وهي:
# قدرة القائد على تحقيق: المسؤولية الفردية، التبادل الايجابي، التفاعل التشجيعي، المهارات الاجتماعية، المعالجة وحل المشكلات داخل المجموعة.
# قدرة القائد الارشادية: المشاركات في منافسات مهنية، المشاركة في التخطيط والإعداد والتقييم، المشاركة في عمل تعاوني.
# قدرة القائد الانتقائية والتي أساسها الإمكانات والخبرات.
# قدرة القائد التنفيذية: تنفيذ وضع القرار في كل موقع، جدولة الاجتماعات الدورية، المتنوعة والمتكررة، ثم بيان تحسين انتاجيتها، على اعتبار كل اجتماع بمثابة آلية جديدة للتطوير وزيادة الخبرات.
# قدرة القائد الالهامية وتقوية العزيمة، بحيث يمنح عاملي المؤسسة الشجاعة والامل إلى مواصلة المسيرة، والاعتراف بقدراتهم، ثم إجراء الاحتفالات وبيان الإنجازات.
# قدرة القائد القفز فوق هاوية الفشل، يعني التحدي والتصدي والمواجهة والمعالجة..
وهكذا يمكن استنتاج أن الخبرة القيادية، ما هي إلا عملية تحسين مستمر من الكفاح الذاتي والموضوعي الدائمين. وهذا التحسين لا يقوم إلا بالأقدام على المخاطرة اللازمة للنمو المهني، إضافة الهدم الايجابي من الأقران القادة التربويّين والإداريين.
وهنا تجدر الإشارة إلى أن ما ذكرناه ليس بالأمر الهين والسهل، نظرا للواقع المظلم والعقول المشتتة والطبيعة المفككة والتنافسية العدائية واعتماد الإنتاج الكمي وليس النوعي. فنحن أمام تحدّ كبير وعظيم. فهل نستطيع أن نكون قادة تربويّين؟ أو بالأحرى قادة بما تعني الكلمة من معنى على جميع المستويات من رمزية الفخامة والدولة والسعادة وو.. وهل يمكننا العمل أفضل مما عملنا وبنينا؟
نعود لنؤكد على أن كل شيء يؤثّر في كل شيء آخر، فمن المرجح ان تتلاقى الجهود والتوحد وتتعاون، من أجل تحقيق الأهداف المشتركة، من حيث جعل المرء أكثر قدرة على العمل مع الآخرين، من حيث تعميق العلاقات والروابط الإنسانية وتتجذر اهتماما واخلاصا، ولهذا ينبغي، خلق الظروف المؤاتية التعاون الفاعل.
ونلفت النظر إلى ما يواجهه القائد من صعوبة تحسين الإنتاج: وجود متقاعدون في موقع العمل، إضافة لاشخاص كثيرين يسعون وراء البدائل السهلة، من دون تطبيق منضبط لاساسيات المجموعات الفعالة الفاعلة. إذ أن كل فرد من المجموعة مؤثر في إنتاجية الاخرين، وهؤلاء مؤثرون في انتاجيته.