تربية وثقافة

اللغة بين الجسد واللسان!

الوليد حسين الخطيب/ لبنان

خاص “المدارنت”..
بعد سلسلة المحاضرات عن لغة الجسد في لبنان ومصر، وتفاعُل الحضور الكبير مع تلك المحاضرات، ونزولًا عند رغبة الكثيرين في المعرفة أكثر عن موضوع لغة الجسد، وأخصّ بالذكر السيّدة الفاضلة صاحبة الصالون الذي سمّته باسمها “أمل خليل” في القاهرة، والسيّدة الفاضلة نجلاء هاشم منظّمة الندوات، أحببت أن أتناول هذا الموضوع باقتضاب، مركّزًا على حركات تصدرها أجسادنا وعلى معانيها التي يجهلها الناس.
بداية، يجب أن ندرك أنّ الجسد يتكلّم ولا يكذب، عكس اللسان، والسبب في ذلك أنّ لغة الجسد تصدر من اللاوعي لا من الوعي، واللاوعي تحكمه العاطفة لا المنطق. بالتالي، الحركات – لغة الجسد – التي يصدرها الجسد عند تواصلنا مع الآخرين هي حركات لاإرادية.
إنّ لغة الجسد لغة عالمية، واختلافها بين شعوب العالم أجمع لا تتجاوز الـ5 في المئة. ومن الجدير بالذكر أن هذه اللغة تُحفَظ في الجزء الأيمن من الدماغ، عكس اللغات المنطوقة باللسان. والسبب في ذلك، أنّ الجانب الأيمن هو الجانب الخلّاق عند الإنسان. فأيّ شخص يكذب وهو يتحدّث، نراه ينظر يمينًا وشمالًا – وهذا له دلالته – أمّا عندما يركّز على قول الكذبة، فإنّه ينظر إلى الجانب الأيمن صعودًا، ليستطيع اختلاق كذبة توافق ما يقول.
لغة الجسد علم قائم في حدّ ذاته، والدليل على ذلك ما نفعله في حياتنا اليومية، وهو حركاتنا التي تصدرها أجسادنا حين نتكلم في التلفون؛ فهل من أحد راقب نفسه وهو يتكلّم في هاتفه كلّ يوم؟
كل واحد يتكلّم في هاتفه، يصدر جسده حركات من غير أن يعي ذلك؛ فيرفع حاجبيه حين يرفض أمرًا، ويشير بيده يمينًا وشمالًا إذا كان يصف مكانًا ما، ويرفع صوته ويصرخ إذا غضب، ويضع يده على خدّه إذا فكّر في أمرٍ ما… أليس هذا ما يحصل؟ كل ما في الأمر أنّ مَن يفعل ذلك، يفعله من دون تفكير لأنّه صادر من اللاوعي كما ذكرنا سابقًا. ثمّ ألا يتواصل الصمّ بالإشارات؟ هذه الإشارات هي لغة جسد…
من هنا، يجب أن ندرك أنّ كل حركة تصدرها أجسادنا لها معناها، فمن التوتّر إلى القلق إلى الحيرة إلى الغضب… والكذب وعدم الراحة والخجل والإعجاب والاشمئزاز… ولكن شرط كل ذلك أن نميّز العادات السيئة من لغة الجسد. فالأخيرة تصدر بحسب الظروف التي نكون فيها وبحسب المواقف والكلام الذي نسمعه، فليس تكتيف اليدين – التربيع – يدلّ دائمًا على الغضب أو العدائية أو الانزواء أو قلة العاطفة…
من المهم أن ندرك أن الجسد مقسوم إلى ثلاثة أقسام في لغة الجسد، وهي: الرأس، الجذع مع اليدين، والخاصرتان مع الرجلين والقدمين. وخلال التواصل بين الناس، نظريًّا أو كلاميًّا يُبرز الجسد بين أربع إشارات وستّ، منها ثلاث مكبّرة وثلاث مصغّرة. أمّا الأولى فتصدر من الأقسام الثلاثة، وهي كحروف المعاني – أحرف الجرّ، من إلى، عن، على… – لا تفيد في شيء إن لم توضع في جملة مفيدة. أمّا المصغّرة فتُكتَسَب بالمران والتدرّب، وهي نبرة الصوت والتعرّق ونبض العروق…
ويجب أن نعرف أيضًا أن كلّ حركة من حركات الجسد لها معنًى، فهي لغته، ولكن يجب أن نقرأها بحسب الظروف والمواقف وما يُقال لنا وفق ما ذكرنا سابقًا… ومن الجدير بالذكر أنّ نسبة إيصال الرسائل في التواصل الشفهي 5 في المئة فقط إذا لم يقترن بلغة الجسد.
وقد أثبت العالم النفسي بول إيكمان أنّ لغة الجسد لغة عالمية – على الرغم من الاختلاف البسيط في معانيها بين الدول والمناطق – وأنّ نسبة لغة الجسد في التواصل 95 في المئة، وهي كالآتي: 75 في المئة من خلال حركاتنا وإشاراتنا و20 في المئة من خلال نبرة الصوت. أمّا الكلام فيشكّل 5 في المئة فقط.
لذا، قد يكذب اللسان في لغته لأنّه يُقال بوعي ويُفكَّر فيه ويُنَمَّق، ولكنّ الجسد لا يكذب أبدًا لأنّ لغته لاإرادية وهي تصدر من اللاوعي.

المزيد

المدارنت / almadarnet.com

موقع إعلامي إلكتروني مستقل / مدير التحرير محمد حمّود

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى